الأحد 19 يناير 2025

ثقافة

الوصول إلى الرداء المقدس للإسكندر الأكبر في مقدونيا

  • 27-10-2024 | 22:08

واجهة المقبرة المكتشفة

طباعة
  • إسلام علي

يعتبر اكتشاف النسيج الأرجواني في المقبرة الثانية بفيرجينا، في مقدونيا باليونان، إنجازًا أثريًا قد يحمل أبعادًا جديدة لفهم الحقبة المقدونية وتأثيراتها الفارسية.

وتقع المقبرة الأولى، المعروفة باسم "قبر فيليب الثاني"، في منطقة فيرجينا بمقدونيا الشمالية في اليونان، وهي أحد أهم المقابر الملكية الأثرية في المنطقة، وتقع المقبرة ضمن التلة الكبيرة التي تحتوي على عدد من المدافن الملكية التي تعود إلى الحقبة المقدونية، وتحديدًا إلى سلالة أرغيد التي حكمت مقدونيا.

وتتألف المقبرة الثانية بفيرجينا من مجموعة من القبور الملكية المبنية بأسلوب معماري متقن داخل هياكل محكمة الإغلاق تحت الأرض، ما أدى إلى الحفاظ على محتوياتها بدرجة جيدة.

تُبنى هذه المقابر على طراز المقبرة ذات الغرفة الواحدة أو الغرفتين، وتكون محاطة بجدران من الحجر الكلسي المقطوع بدقة، وتشمل العناصر الزخرفية إفريزات ملونة بألوان زاهية ورسوم تمثل مشاهد من الحياة اليومية.

النسيج المكتشف حديثا

ووفقا لما نقله موقع labrujulaverde، يعود النسيج المكتشف حديثا إلى القميص المقدس للإسكندر الأكبر، أو ما يُعرف بـ"الخيتون"، وقد تم العثور عليه في صندوق عظام ذهبي يحتوي على بقايا عظمية لرجل مع إكليل من خشب البلوط الذهبي.

الخيتون

يعد نوع من الملابس القديمة كان يُرتدى في اليونان، ويعتبر أحد الملابس الأساسية في العالم الإغريقي والروماني، وكان هذا الثوب يصنع من قطعة قماش مستطيلة تُلف حول الجسم وتُثبت بالأشرطة أو الحبال، وبالنسبة للإسكندر الأكبر، فارتداء الخيتون كان يمثل رمزية دينية وثقافية، ويُعتقد أن الخيتون المكتشف قد يكون "القميص المقدس" الذي ارتداه الإسكندر في طقوس معينة، مما يجعله رمزًا دينيًا وملكيًا له دلالات عميقة في الحضارة الفارسية التي تبناها بعد احتلاله لأراضيهم.

وبقيادة الدكتور أنطونيس بارتسيوكاس من جامعة ديمقريطس في تراقيا، تمكن فريق العلماء من تحديد أن النسيج يطابق بشكل كبير الأوصاف التاريخية للـ"سارابيس" - وهو الثوب الاحتفالي الذي كان يرتديه الملوك الفرس العظماء وتبناه الإسكندر بعد هزيمته لداريوس الثالث، ملك بلاد فارس.

يعتبر ثوب السارابيس رمزًا للملكية والهيمنة، حيث كان مخصصًا حصريًا للملوك الفرس، ويتميز بلونه الأرجواني العميق مع شريط أبيض مركزي.

وقد كان الأرجواني الملكي لونًا فريدًا يعبر عن السلطة والملكية، حيث كانت عملية إنتاج الصبغة الأرجوانية صعبة ومكلفة، إذ تتطلب استخراج الصبغة من أعداد هائلة من حلزونات الموركس البحرية.

ويبدو أن الإسكندر الأكبر اعتمد هذا الثوب ليظهر سيطرته على الإمبراطورية الفارسية بعد انتصاره، مما يُشير إلى رغبة الإسكندر في ربط ملكيته بثقافة بلاد فارس العظيمة، وبالتالي تعزيز مركزه كحاكم للإمبراطورية الشرقية والغربية معًا.

دلالات أثرية وتاريخية لاكتشاف السارابيس

يشير اكتشاف هذا الثوب في المقبرة الثانية إلى أن هذا القبر قد يكون أكثر تعقيدًا من حيث هويته التاريخية، حيث كان يُعتقد في السابق أن المقبرة الثانية تضم رفات فيليب الثاني، والد الإسكندر، إلا أن وجود السارابيس والأدلة التي عُثر عليها حديثًا تدعم الفرضية القائلة بأن المقبرة تعود بالفعل إلى فيليب الثالث أرييدايوس، الأخ غير الشقيق للإسكندر، والذي ورث من رموز القوة الملكية للإسكندر الأكبر بعد وفاته.

فيليب الثالث أخو الإسكندر

ويعد فيليب الثالث أرييدايوس شخصيةً هامةً في التاريخ، إذ ورث عرش المقدونية اسميًا بعد وفاة الإسكندر، ولكنه كان يعاني من إعاقة ذهنية جعلته خاضعًا بشكل كامل لنفوذ القادة العسكريين والسياسيين الذين أداروا المملكة باسمه.

ويشير الاكتشاف يشير إلى أن رموز الملكية التي عُثر عليها معه قد تعود إلى الإسكندر نفسه، مما يجعل من المحتمل أن يكون القبر الثاني ليس مجرد مقبرة ملكية أخرى، بل مركزًا أثريًا يحتضن رموزًا هامة لحكم الإسكندر، ويعبر عن الاستمرارية الرمزية للحكم المقدوني.

تحليل النسيج المكتشف

قام فريق البحث بإجراء تحليلات كيميائية وفيزيائية دقيقة للنسيج باستخدام تقنيات متقدمة مثل مطيافية الأشعة تحت الحمراء وكروماتوغرافيا الغاز - مطياف الكتلة، لتحديد المكونات.

وأظهرت النتائج أن النسيج مصنوع من القطن، وهو مادة نادرة في ذلك الوقت، ومصبوغ باللون الأرجواني الملكي، كما وجدوا معدن الهنتايت، وهو معدن ناصع البياض كان يُستخدم في بلاد فارس القديمة، مما يعزز فكرة أن هذا الثوب هو بالفعل من أصول فارسية، وربما يعود لفترة حكم الإسكندر كإمبراطور على بلاد فارس.

ويُعتقد أن الهنتايت كان رمزًا للملكية النقية في بلاد فارس، وكان من الصعب جدًا الحصول عليه في اليونان، وتواجد هذا المعدن في النسيج المكتشف يشير إلى اندماج رموز الحكم الفارسية في البلاط المقدوني، ويُعطي لمحة عن كيفية تبني الإسكندر للثقافة الفارسية لتعزيز شرعيته في الشرق، بينما ظل مخلصًا لجذوره اليونانية في الغرب.

تعد الرسوم التوضيحية الموجودة على إفريز المقبرة الثانية دليلاً آخر على ارتباطها بالإسكندر الأكبر، حيث تُظهر أحد المشاهد صيادًا يُعتقد أنه يمثل الإسكندر وهو يرتدي رداءً أرجوانيًا مخططًا بالأبيض، بما يتوافق مع وصف السارابيس في المصادر التاريخية.

تواجد مثل هذه الرسوم يعزز النظرية القائلة بأن هذه المقبرة كانت في الأصل مصممة لتكون رمزًا لإرث الإسكندر وليس مجرد قبر ملكي تقليدي.

علاوة على ذلك، تم العثور في المقبرة الثانية على مجموعة من الأغراض الملكية التي ترتبط بالإسكندر، مثل التاج الذهبي، والعصا الملكية، والإكليل الذهبي. وتظهر هذه الأشياء في المصادر التاريخية كجزء من زينة الإسكندر الملكية.

 وقد أشار الباحثون إلى أن هذه القطع، إلى جانب السارابيس، قد تشير إلى أن المقبرة تحتوي على رموز ملكية تعود للإسكندر نفسه، وهي رموز تعكس سلطته الإمبراطورية وتأثيره المتواصل حتى بعد وفاته.

التأثير الثقافي والديني

يبرز اكتشاف القميص المقدس للإسكندر الأكبر دلالات ثقافية ودينية هامة، إذ يُعد تبني الإسكندر للملابس الفارسية، مثل السارابيس، تعبيرًا عن الوحدة بين الشرق والغرب.

 وقد كانت هذه الاستراتيجية مهمة لبناء صورته كإمبراطور يحكم من مصر إلى الهند، حيث لم يكن مجرد فاتح عسكري بل حاكمًا يدمج الثقافات المختلفة في مملكته الشاسعة.

وكان تبنيه للرموز الفارسية محاولة لبناء شرعية حكمه وتوطيد سلطته في بلاد فارس، مما يظهر ذكاءً سياسيًا كبيرًا في استغلال التقاليد المحلية لفرض سيطرته.

هذا الاكتشاف قد يُثير أبحاثًا جديدة حول الأزياء الملكية ودورها في الثقافات الهلنستية والفارسية، بالإضافة إلى الدور الذي كانت تلعبه الملابس في المعتقدات والعادات الجنائزية.

الاكثر قراءة