الأحد 19 يناير 2025

ثقافة

تقنية ليدار تكشف مدينة أثرية بالمكسيك

  • 30-10-2024 | 08:32

ارشيفية

طباعة
  • إسلام علي

عثر علماء الآثار في الغابات الاستوائية الكثيفة بجنوب شرق المكسيك، على مدينة ضخمة مجهولة كانت جزءاً من حضارة المايا العريقة.

وطبقا لما نقله موقع sciencedaily، تشتهر كامبيتشي بالعديد من الأشجار التي تلتف على نفسها، وفي تلك المدينة اكتشف آلاف الهياكل الأثرية، بينها أهرامات مهيبة وأماكن مقدسة تدل على حياة ازدهرت في هذه البقعة قبل قرون طويلة.

لم يكن لهذا الاكتشاف أن يرى النور لولا الاعتماد على تقنية متقدمة تُعرف بـ"ليدار"، وهي وسيلة حديثة استطاعت بما لديها من نبضات الليزر الحادة أن تشق طريقها عبر الظلال العميقة للأشجار، لترسم بوضوح تضاريس الأرض تحتها.

وتعد تقنية "ليدار" تقنية حديثة ومتطورة تستخدم في علم الآثار لأجل توثيق المواقع الأثرية، خاصة تلك التي تخفيها الطبقات الكثيفة من الغطاء النباتي، كالأشجار أو الغابات كما بالمثال السابق.

وتعتمد هذه التقنية على إطلاق نبضات ليزرية سريعة من جهاز ليدار مثبت على طائرة أو طائرة بدون طيار باتجاه سطح الأرض، ليقوم بتسجيل زمن عودة هذه النبضات بعد ارتدادها عن السطح أو عن أي جسم تصادفه.

ومن خلال قياس وقت العودة، يستطيع النظام حساب المسافة بين الجهاز وسطح الأرض بدقة فائقة، مما يساعد على تكوين خريطة ثلاثية الأبعاد للتضاريس.

مكّنت هذه التقنية الباحثين من كشف التفاصيل المعمارية المعقدة لمجتمع حضاري كان يعيش ويزدهر في هذا المكان، ويثبت أن الغابات كانت تحتضن مجتمعاً متطوراً لا مجرد بقع طبيعية نائية.

تبين أن المدينة المكتشفة، والتي أُطلق عليها اسم "فاليريانا" تكريماً لمكانتها المكتشفة حديثاً، أنها ليست مجرد موقع أثري، بل عاصمة صاخبة لحضارة نابضة بالحياة، فهي تحتوي على مركزين هندسيين كبيرين، تربط بينهما شبكة من المستوطنات المتناثرة والطرق التي تمتد بعيداً، وكأنها شرايين تمد قلب المدينة بالنبض والتفاعل.

وفي هذه المنطقة، كانت ترتفع الأهرامات وتحيط بها ساحات مهيبة ومدرجات احتفالية، ولعل ما يزيد من قوة هذا الاكتشاف هو أن المنطقة ظلت غير معروفة لعقود طويلة، إذ لم تكن الحكومة المكسيكية ولا المجتمع العلمي على دراية بوجودها؛ كانت خافية تماماً تحت ستار الطبيعة الصامتة، كما لو أن حضارة المايا نفسها كانت ترغب في حماية أسرارها بعيداً عن الأعين.

تشير النتائج المستخلصة إلى أن هذه المدينة كانت مركزاً رئيسياً للحياة في حضارة المايا، ما يدل على أن الأراضي المنخفضة، وخاصةً في منطقة يوكاتان، كانت تحتضن تجمعات سكانية مزدهرة ترتبط بروابط معمارية ودينية وثقافية.

وفي هذه المنطقة الرائعة التي تتميز بغاباتها المطيرة وسهولها الكلسية وأراضيها الرطبة، ازدهرت الحياة خلال الفترة الكلاسيكية "250-900 ميلادياً"، وارتفع شأن المايا ليصبحوا أحد أعظم شعوب العالم القديم.

أوضح لوك أولد توماس، الباحث الرئيسي للدراسة، أن استخدام "ليدار كانت لأجل تمشيط المنطقة، فوجدوا تنوعاً كبيراً بين المساكن الريفية الصغيرة والمستوطنات الأصغر حجماً وحتى مدناً واسعة تضم معابد ضخمة وأهرامات شاهقة، وقد وصف أولد توماس هذا التنوع بأنه يشير إلى نظام حضري متكامل، حيث كانت تتجاور الحياة الريفية مع المدينة.

من بين المعالم الرائعة التي كشفت عنها "ليدار" في فاليريانا، أهرامات ترتفع بشموخ وتطل على ساحة ضخمة كانت قد استُخدمت لممارسة الألعاب الطقوسية، بالإضافة إلى خزان مائي محكم الصنع يعتمد على مياه الأمطار والسيول، كل هذه العناصر تشير إلى تنظيم اجتماعي معقد وبنية حضارية متقدمة لمجتمع كان يعج بالحياة والإبداع.

وتعد حضارة المايا إحدى الحضارات القديمة التي نشأت في منطقة أمريكا الوسطى، تحديداً في منطقة تمتد عبر أجزاء من المكسيك، غواتيمالا، بليز، هندوراس، والسلفادور، وذلك بين عامي 2000 قبل الميلاد و900 ميلادي تقريباً. تعتبر المايا من أكثر الحضارات تقدمًا وازدهارًا في العالم القديم، وقد تميزت بإنجازاتها العظيمة في مجالات متعددة مثل الهندسة المعمارية، الفلك، الرياضيات، وفن الكتابة.

ويذكر أن حضارة المايا قامت بتطوير نظام كتابة هيروغليفي معقد، والذي مكّنهم من تسجيل تواريخ وأحداث هامة، كما برعوا في علوم الفلك، حيث طوروا تقاويم دقيقة تستند إلى حركة الأجرام السماوية، وأبدعوا في بناء معابد وأهرامات ضخمة مثل تلك الموجودة في مدن تيكال وبالينكي وكوبان، هذه المعابد والأهرامات كانت تُستخدم للأغراض الدينية والتقويمية.

اعتمدت حضارة المايا على الزراعة كمصدر رئيسي للعيش، حيث قاموا بزراعة الذرة والفاصوليا والقرع والفلفل الحار، وتكوّنت مجتمعاتهم من مدن ودول صغيرة كانت تتصارع أحياناً على النفوذ، ورغم ذلك، كان لديهم نظام اجتماعي وسياسي متماسك، مع كهنة ونبلاء يُعتبرون من الطبقات العليا.

بدأت الحضارة في الانحدار حوالي القرن التاسع الميلادي، لكن بعض المدن استمرت لفترة طويلة بعد ذلك، وتُعد بقايا المايا اليوم مواقع أثرية هامة عكست تاريخهم وتراثهم.

الاكثر قراءة