على مدار تاريخها كانت مصر دائما نقطة التقاء الحضارات وجسرا بين القارات وتمتاز بموقعها الاستراتيجي وتأثيرها الإقليمي والدولي وفي هذا السياق تأتي استضافة مصر للمنتدى الحضري العالمي كحدث بارز ومهم حيث تعد هذه المرة الأولى التي تستضيف فيها دولة إفريقية هذا المنتدى منذ 20 عامًا وإن اختيار مصر لهذا الدور يسلط الضوء على الدور الريادي والاستراتيجي الذي تلعبه في تعزيز التنمية والتحضر ودورها المحوري كقوة دافعة للسلام والاستقرار الإقليمي ومنذ القدم كانت مصر مهداً للحضارة الإنسانية وتحتل موقعا جغرافيا يجعلها حلقة وصل بين إفريقيا وآسيا وأوروبا وهذا الموقع أكسبها دورا محوريا في الربط بين الشعوب والثقافات ما أتاح لها فرصة كبيرة لتكون قائدة في مجالات التنمية المستدامة والتحضر وبفضل هذا التاريخ أصبحت مصر دولة مؤهلة لقيادة الجهود الدولية والإقليمية نحو تحقيق التنمية الحضرية المستدامة.
وخلال العشر سنوات الماضية تبنت الدولة المصرية سياسات تنموية طموحة ترتكز على الاستدامة وتطوير البنية التحتية الحضرية وهذا التوجه جعلها واحدة من أبرز دول العالم التي تتبنى رؤية شاملة للتنمية العمرانية المتكاملة وهو ما يعزز من موقفها كمركز محوري للتنمية في إفريقيا والشرق الأوسط وشهدت مصر تحولات كبيرة في قطاع التنمية العمرانية حيث أطلقت الدولة مشاريع كبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة التي تعتبر نموذجا للمدن الذكية والمستدامة حيث استهدفت هذه المشاريع تحسين جودة الحياة للمواطن وجذب الاستثمارات وهو ما يعكس رؤية مصر المتقدمة في تطوير البنية التحتية بشكل متكامل ومستدام ومن بين أبرز الإنجازات أيضا تعزيز وسائل النقل العام وتطوير شبكة الطرق والمواصلات بما يتماشى مع المعايير البيئية الحديثة كما سعت الدولة إلى توفير مساكن ميسورة التكلفة وتطوير الأحياء العشوائية لتحويلها إلى مناطق حضرية متكاملة وهي جهود تنسجم مع الأجندة الحضرية الجديدة التي تبنتها مصر في إطار التزامها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.
وتعد الأجندة الحضرية الجديدة إطارا عالميا يهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة والحد من الفقر والتمييز في المدن ومصر باعتبارها من أوائل الدول التي تبنت هذا النهج اتخذت خطوات جادة نحو تحقيق هذه الأهداف من خلال تخطيط مدن أكثر شمولاً واستدامة كما وضعت الحكومة قوانين وتشريعات تهدف إلى تعزيز الحوكمة الحضرية وضمان مشاركة المجتمع في عملية صنع القرار ومن خلال هذه الأجندة أثبتت مصر التزامها بتبني مفاهيم التطوير الحضري المتكامل وتشمل هذه المفاهيم التخطيط العمراني الذكي والاستثمار في البنية التحتية الخضراء وتشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة ما عزز من صورة مصر كدولة رائدة في مجال التخطيط الحضري على المستوى العالمي.
وتعكس استضافة المنتدى الحضري العالمي دور مصر الحيوي كمنصة تجمع بين الأفكار والخبرات في مجالات التنمية الحضرية بل يعد هذا المنتدى بمثابة فرصة للبلدان الإفريقية والدول النامية للاستفادة من التجارب المصرية الناجحة في هذا المجال كما يتيح للخبراء والمخططين العالميين الاطلاع على التجارب المصرية في تحويل المناطق غير المخططة إلى مجتمعات مزدهرة كما يعتبر المنتدى الحضري العالمي منصة لتعزيز التعاون الدولي حيث ستتبادل الدول المشاركة الأفكار والخبرات حول كيفية تحقيق التنمية الحضرية المستدامة في ظل التحديات المتزايدة مثل التغير المناخي والنمو السكاني السريع ومصر من خلال هذه الاستضافة تؤكد دورها في تقديم حلول مبتكرة وتوجيه الجهود الدولية نحو استراتيجيات شاملة ومؤثرة.
...وقد يتساءل البعض وما هي الاستفادة المرجوة من هذه الاستضافة والرد ببساطة أنها ستسهم في تعزيز مكانة مصر الدولية كقائد إقليمي في قضايا التحضر والتنمية المستدامة كماستوفر لمصر فرصة لتعزيز علاقاتها مع الشركاء الدوليين وفتح آفاق جديدة للتعاون في مجالات التنمية العمرانية والاقتصادية والاجتماعية كما أن الاستضافة ستؤكد على التزام مصر بمسار التنمية المستدامة بما يتماشى مع توجهات الأمم المتحدة وأهدافها وستعزز من قدرتها على أن تكون مركزا إقليميا للابتكار الحضري وسيؤدي هذا بالطبع إلى جذب المزيد من الاستثمارات والشراكات الدولية ويعزز من قدرة الدولة على التأثير في السياسات الدولية المتعلقة بالتنمية الحضرية.
إن مصر باستضافتها للمنتدى الحضري العالمي لأول مرة في إفريقيا منذ 20 عاما تعكس مكانتها كقوة رائدة في مجال التنمية الحضرية ومن خلال التزامها بالأجندة الحضرية الجديدة وتنفيذ مشاريع طموحة أثبتت قدرتها على قيادة التحولات في التخطيط العمراني والتنمية المستدامة وأنها لا تسعى فقط لتطوير مجتمعها بل تسعى أيضا لتكون شريكا فعالا في تعزيز التحضر المستدام على مستوى القارة والعالم.