جاءت عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للبيت الأبيض، مرة أخرى، بعد فوزه في الانتخابات التي أجريت أمس، تاريخية، لعدة أسباب أولها أنه أول رئيس أمريكي يغادر البيت الأبيض ويعود للحكم مرة أخرى منذ أكثر من مائة عام، كما أنه يواجه عدة محاكمات جنائية أشهرها قضية شراء الصمت، ليصبح أول شخص متهم جنائيا يصل لأعلى منصب في البلاد، تمامًا كما لم يتم توجيه اتهام جنائي إلى رئيس سابق حتى العام الماضي، ليثير نجاحه بفترة رئاسة ثانية العديد من التساؤلات حول تلك القضايا ومصيرها.
محاكمة ترامب
واجه ترامب الملاحقة القضائية في قضايا عديدة على مستوى الولايات والحكومة الفيدرالية، من بينها قضية شراء الصمت، والتي أدانته فيها هيئة المحلفين في نيويورك، في مايو الماضي، بكل التهم الـ34 الموجهة إليه في قضية دفع أموال بما يخالف القانون، لشراء صمت ممثلة أفلام إباحية.
وكان ترامب، قد أعلن عدة مرات أنه يخطط لإقالة المستشار الخاص جاك سميث وإنهاء القضايا الفيدرالية، بعد أن وجه سميث اتهامات ضد ترامب لمحاولته قلب الانتخابات الرئاسية لعام 2020 وسوء التعامل مع الوثائق السرية، حيث رفع سميث قضيتين فيدراليتين ضد ترامب. إحداهما تتهمه بالاحتفاظ بشكل غير قانوني بوثائق سرية في منزله في مارالاجو في فلوريدا، وتم رفضها في يوليو، وهو القرار الذي استأنفه سميث.
وتم تأجيل الأخرى، التي تتهمه بالتخطيط لإلغاء الانتخابات الرئاسية لعام 2020، بسبب رأي المحكمة العليا الذي يمنح حصانة واسعة للأعمال الرسمية التي يتم القيام بها أثناء تولي الرئيس منصبه.
فيما نقلت شبكة CNN، أن سميث يجري محادثات نشطة مع قيادة وزارة العدل الأمريكية حول كيفية إنهاء القضايا الفيدرالية ضد ترامب، نقلا عن مسؤول في وزارة العدل مطلع.
كذلك يواجه ترامب في وقت لاحق من نوفمبر الجاري، محاكمة في نيويورك بعد تأجيل إصدار العقوبة قبل يوم الانتخابات لتجنب أي مظهر من مظاهر التأثير على نتيجة السباق الرئاسي، مع توقعات أن يطلب محامو ترامب من القاضي تأجيل الحكم الآن بعد أن أصبح الرئيس المنتخب.
القضايا التي يحاكم فيها ترامب
ويواجه ترامب أربعة قضايا جنائية، أولها قضية الحكم في نيويورك، وهي القضية التي من المقرر أن تعقد في قاعة محكمة في نيويورك في 26 نوفمبر الجاري، وذلك في اتهامه بتزوير سجلات تجارية، للتغطية على دفعة مالية تم دفعها خلال حملة عام 2016 لنجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز، التي زعمت علاقة سابقة مع الرئيس المنتخب، وهي قضية شراء الصمت، التي أدين فيها في مايو الماضي بقرار المحكمة العليا.
و قدمت وزارة العدل في مذكرة عام 2000 حجة مفادها أن محاكمة رئيس في منصبه "من شأنها أن تتدخل بشكل غير ملائم في قدرة السلطة التنفيذية على أداء واجباتها الدستورية".
وسيحاول فريق ترامب القانوني التأكد من عدم صدور الحكم، من المتوقع أن يقدم محامو ترامب ملفًا في الأيام المقبلة يزعمون أنه بصفته رئيسًا منتخبًا، يحق له نفس الحماية الدستورية التي يتمتع بها الرئيس الحالي ويجب حمايته من أي إجراء من قبل المدعين العامين في الولاية.
من المتوقع أن يتم تقديم الملف قبل الموعد النهائي الذي فرضه القاضي خوان ميرشان، في 12 نوفمبر الجاري، لتقرير ما إذا كان سيمحو إدانة ترامب بقرار المحكمة العليا، بمنح الرئيس بعض الحصانة الرئاسية، وحينها لن يتم الحكم على ترامب، أما إذا قرر القاضي إبقاء الإدانة سليمة، فمن المتوقع أن يطلب محامو الرئيس السابق تأجيل الحكم على ترامب حتى يتمكنوا من الاستئناف أمام محاكم الاستئناف في الولاية، لطلب تأجيل الحكم على ترامب حتى يتم استنفاد جميع الاستئنافات، وهو ما قد يستغرق شهورًا.
وإذا مضى القاضي قدمًا في الحكم، فقد يُؤمر ترامب بقضاء ما يصل إلى أربع سنوات في السجن، لكن القاضي غير ملزم بالحكم على الرئيس المنتخب بالسجن، ويمكنه فرض عقوبة أقل، مثل المراقبة، أو الحبس المنزلي، أو الخدمة المجتمعية أو الغرامة.
ونقلت شبكة CNN، أنه من المرجح أن يصوغ محامو ترامب استئنافاتهم لإثارة قضايا دستورية تتحدى ما إذا كان قاضي الولاية يمكنه الحكم على الرئيس المنتخب، الأمر الذي قد يربط القضية في المحاكم لسنوات.
القضايا الفيدرالية في العاصمة واشنطن وفلوريدا
من المتوقع أن يكون لفوز ترامب في الانتخابات التأثير الأكبر على القضيتين الجنائيتين الفيدراليتين اللتين رفعهما ضده جاك سميث في واشنطن العاصمة وفلوريدا، فمنذ رفع القضيتين في عام 2023، كانت الاستراتيجية القانونية الرئيسية لترامب هي تأجيل المحاكمات حتى بعد الانتخابات حتى يتمكن، إذا انتُخب، من طرد سميث، مما يؤدي إلى نهاية القضيتين، حيث قال ترامب إنه سيأخذ هذا القرار دون تردد، حيث قال ترامب: "سأطرده في غضون ثانيتين".
ويبحث مسؤولو وزارة العدل في خيارات لكيفية إنهاء القضيتين الجنائيتين مع الامتثال لمذكرة عام 2020 من مكتب المستشار القانوني بالوزارة بشأن توجيه الاتهامات أو مقاضاة الرؤساء الحاليين.
ففي قضية العاصمة واشنطن، اتهم سميث ترامب بجهوده لإلغاء خسارته في الانتخابات في عام 2020، لكن توقفت القضية لعدة أشهر حيث ضغط ترامب على المحاكم الفيدرالية لمنحه الحصانة الرئاسية، وفي يوليو أصدرت المحكمة العليا حكمًا تاريخيًا قال إنه يتمتع ببعض الحصانة من الملاحقة الجنائية.
بينما تتهم التهم التي وجهها سميث ضد ترامب في فلوريدا ترامب بأخذ وثائق سرية بشكل غير قانوني من البيت الأبيض ومقاومة محاولات الحكومة لاستعادة المواد، وقد رفضت القاضية إيلين كانون هذه القضية في يوليو، لكن المدعين العامين استأنفوا حكمها، الذي قال إن تعيين المدعي العام ميريك جارلاند لسميث ينتهك الدستور.
قضية جورجيا والقانون ريكو
إن التهم الجنائية الموجهة إلى ترامب مرة أخرى بمحاولة قلب نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020 معلقة فعليًا، بينما تواجه المدعية العامة لمقاطعة فولتون فاني ويليس احتمالات الاستبعاد من القضية بسبب علاقتها الرومانسية مع المدعي العام، حيث ستقرر محكمة الاستئناف ذلك، وهو القرار الذي لا يُتوقع أن يتم اتخاذه حتى عام 2025، ففي حالة استبعادها قد لا يرغب قاض آخر استكمال القضية.
الدعاوى المدنية
كذلك يواجه ترامب قائمة طويلة من الدعاوى المدنية، بما في ذلك الدعاوى المتعلقة بدوره في هجوم 6 يناير 2021 على مبنى الكابيتول الأمريكي، وقضيتي تشهير ضد إي. جان كارول، وقضية احتيال مدنية رفعها المدعي العام في نيويورك حيث أمر ترامب بدفع ما يقرب من 454 مليون دولار كتعويضات.
في سبتمبر، استمعت محاكم الاستئناف الفيدرالية والولائية في نيويورك إلى حجج اثنتين من استئنافات ترامب المدنية، وخسر ترامب قضيتي تشهير أمام كارول في عامي 2023 و2024 في محكمة فيدرالية بعد أن وجدته هيئة محلفين مسؤولاً عن الاعتداء الجنسي عليها وتشويه سمعتها لاحقًا. منحت هيئتا محلفين كارول 5 ملايين دولار و83 مليون دولار.
من المحتمل أن تستمر كل هذه القضايا حتى مع قيام ترامب بفترة ولايته الثانية في البيت الأبيض.
ففي حكم صادر عن المحكمة العليا الأمريكية عام 1997 نابع من دعوى مدنية كان الرئيس بيل كلينتون متورطًا فيها، قرر القضاة بالإجماع أن الرؤساء الحاليين لا يمكنهم الاستعانة بالحصانة الرئاسية لتجنب التقاضي المدني أثناء وجودهم في مناصبهم.
بينما تنص المادة الثانية من الدستور الأمريكي على أن الرئيس "يملك سلطة منح العفو عن الجرائم ضد الولايات المتحدة، باستثناء حالات العزل".