استطاع بروفيسور من جامعة بنسلفانيا يدعى مارك مون من فك شفرة نقش غامض على صخرة "أرسلان كايا"، التي تُعرف أيضاً باسم "صخرة الأسد"، والتي تقع في المرتفعات النائية من فريجيا، وهي منطقة تقع في غرب تركيا الحديثة.
ووفقا لما نقله موقع labrujulaverde، يُعتبر هذا النصب من المعالم الأثرية الفريدة، حيث يعرض رمزيات غنية مرتبطة بالديانة الفريجية القديمة، وهو محفور في تشكيل صخري بركاني يبلغ ارتفاعه حوالي خمسة عشر مترًا، والنقش المكتشف رغم تآكله الشديد، يشير إلى اسم "ما تران"، وهو اسم قديم للإلهة الأم، أو "أم الآلهة".
عزز هذا الاكتشاف تأريخ النصب للنصف الأول من القرن السادس قبل الميلاد، ويُعَدُّ دليلاً هامًا على طقوس العبادة في تلك الحقبة.
تحليل النقش واستخدام الضوء لتوضيحه
يشير النقش المكتوب على قاعدة الجملون، إلى اسم "ماتران"، يُعَدُّ من أبرز الأدلة على مكانة الإلهة الأم في الديانة الفريجية، وهي من الآلهة المركزية التي تُبجل أيضًا في المناطق المجاورة مثل ليديا، وعلى الرغم من تدهور النقش على مر السنين بفعل الزمن والتخريب، تمكّن البروفيسور مون من رؤية تفاصيله الدقيقة باستخدام ضوء الشمس في وقت محدد من اليوم، حيث قام بتصوير النقش عندما تلقي أشعة الشمس ظلالاً على الحروف، مما ساعد في إظهار أجزاء من النص التي كانت غير واضحة للعين المجردة.
البعد التاريخي والثقافي للنصب
يمثل نصب "أرسلان كايا" واحداً من أبرز المعالم الفريجية، ويعكس الجانب الديني والزخرفي للعصر الفريجي، وتميزت واجهة النصب بالزخارف الهندسية ونقوش بارزة لأبو الهول وصورة للإلهة الأم محاطة بالأسود.
تمثل هذه الصور رموزًا للحماية والقوة، وهي صفات تمجيدية للإلهة الأم باعتبارها الراعية للإمبراطورية الفريجية، واستخدم الفريجيون هذه الرموز للدلالة على القوة والحماية، مما يعكس أهمية الإلهة الأم في حياتهم الدينية.
رمزية "ماتران" ودورها في المعتقدات الدينية الفريجية
تشير كلمة "ماتران"، في النقش، إلى الإلهة الأم، التي تعد رمزًا للحماية والخصوبة والتجديد، تعتبر الإلهة الأم أو "ماتران" رمزًا مركزيًا في الديانة الفريجية، وتعبر عن الرابطة الوثيقة بين الإنسان والطبيعة.
كانت العبادة التي تقدم لهذه الإلهة تعبر عن التبجيل الذي يكنه الفريجيون لقوى الطبيعة والأمومة، مما يعكس فلسفة مجتمعية تدور حول حماية الأسرة والمجتمع من الشرور.
التداخل الحضاري بين فريجيا وليديا
تأثرت فريجيا خلال فترة سيطرة الإمبراطورية الليدية عليها في القرن السادس قبل الميلاد، بالثقافة الدينية والرمزية الليدية، ويظهر هذا التأثير جلياً في العناصر المعمارية لنصب أرسلان كايا، حيث توجد زخارف سعف النخيل التي كانت شائعة في العمارة الليدية، وكذلك، الحروف المستخدمة في النقش تتشابه مع النقوش الليدية والفريجية، حيث تتصف بأنها طويلة وزاوية، وهو ما يعكس النمط المعماري والزخرفي لتلك الفترة.
تحليل النقش وأهمية الأدلة الأثرية
استفاد مون من النصوص السابقة للنقش، بما في ذلك القراءات التي قدمها علماء الآثار في القرن التاسع عشر مثل ويليام رامزي وألفريد كورتي، حيث أظهرت بعض الحروف الأولى بشكل جزئي.
استمر الباحثون في تفسير النقش على مر العقود، ورغم ضبابية التفاصيل، إلا أن مون قدم تفسيرًا أكثر دقة بفضل التكنولوجيا الحديثة والتصوير عالي الجودة، وأشار إلى أن النقش قد يكون تذكارًا أو تكريسًا لعبادة الإلهة، وقد يكون أيضًا دعاءً للحماية، وهي ممارسة كانت شائعة في النقوش القديمة.
الأهمية الثقافية والدينية للنصب
يمثل نصب أرسلان كايا نقطة التقاء بين الثقافة الفريجية والليدية، حيث يجسد هذا الموقع أثر الحضارات المتعاقبة في منطقة الأناضول. كما يعزز فهمنا لكيفية تفاعل الشعوب القديمة في عباداتها وتبادلها للأفكار الروحية، ويشير مون إلى أن توحيد العبادة للإلهة الأم في ليديا وفريجيا يظهر الدور الكبير للدين في ترسيخ العلاقات الثقافية بين الشعوب.