الأربعاء 13 نوفمبر 2024

الهلال لايت

اكتشافات أثرية متعددة العصور في موقع معارك الحرب العالمية الثانية

  • 11-11-2024 | 21:46

العملات المكتشفة

طباعة
  • إسلام علي

تمثل غابة توخولا في شمال بولندا موقعًا أثريًا ثريًا بالأسرار والكنوز التاريخية، حيث يكشف علماء الآثار يومًا بعد يوم عن صفحات غير معروفة من تاريخ المنطقة التي تشمل غابات كثيفة وبحيرات شاسعة.

وطبقا لما نقله موقع labrujulaverde، جاء أحد أحدث الاكتشافات بفضل فريق من علماء الآثار والذي توصل إلى مجموعة من الاكتشافات الفريدة قرب منطقة جرزيبيك في منتزه ووديكي للمناظر الطبيعية، على ضفاف خزان زور.

انطلق الفريق في رحلة استكشافية روتينية بحثًا عن دلائل أثرية تعود إلى عصور تاريخية مختلفة، مستغلين الطقس الخريفي المعتدل لتسهيل أعمال الحفر، إلا أن الاكتشافات التي تلت كانت أبعد ما تكون عن الروتين؛ إذ عثروا على قبر لجندي ألماني قديم يعود تاريخه إلى الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية وتحديدًا إلى فبراير 1945.

تشير التقديرات إلى أن هذا الجندي سقط خلال معركة جسر جرزيبيك، وقد يكون واحدًا من الجنود الذين حاربوا في صفوف القوات الألمانية في آخر أيام الحرب.

يعد معركة جسر جرزيبيك إحدى المعارك التي دارت في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا في شهر فبراير 1945، كانت هذه المعركة جزءًا من جهود الجيش الأحمر السوفيتي للتقدم غربًا نحو الأراضي الألمانية، حيث تصاعدت المواجهات بين قوات الجيش الألماني والقوات السوفيتية أثناء محاولات الدفاع عن المناطق الحدودية البولندية والألمانية.

يقع جسر جرزيبيك كان في موقع استراتيجي مهم، إذ يربط بين عدة نقاط على الحدود، وكان يعتبر طريقًا ضروريًا للتنقلات العسكرية بين القوات الألمانية، وبسبب موقعه الحساس، أصبح الجسر مسرحًا لمعارك عنيفة أثناء انسحاب القوات الألمانية، التي كانت تحاول تأخير تقدم الجيش الأحمر في مواجهة وُصفت بأنها كانت شرسة وقاتلة.

دارت الاشتباكات حول الجسر بين جنود ألمانيين كانوا يقاتلون بشراسة دفاعًا عن مواقعهم، والقوات السوفيتية التي كانت تتمتع بقدرات تفوق عدديًّا وتسليحيًّا.

أدت المعركة إلى سقوط عدد كبير من الجنود الألمان، ويُعتقد أن كثيرًا منهم دُفنوا في قبور مؤقتة في المناطق المحيطة بالجسر.

كانت المفاجأة الأكبر عندما كشف الحفر حول قبر الجندي عن مجموعة من الأدوات الحجرية التي تعود إلى العصر الحجري الوسيط، أي إلى نحو 9000 عام مضت، وهذا الاكتشاف له أهمية خاصة، حيث يمثل دليلًا على الوجود البشري القديم في المنطقة ويعتبر أقدم دليل أثري مكتشف حتى الآن في منتزه ووديكي.

كانت هذه الأدوات، التي صنعها الصيادون وجامعو الثمار، تقدم لمحة عن حياة أول المستوطنين وأساليبهم في البقاء على قيد الحياة في عصور ما قبل التاريخ.

ومع استمرار التنقيب، عثر الفريق على قطع فخارية تعود إلى العصر الحجري الحديث وتنتمي إلى ثقافة الأمفورا الكروية، وهي ثقافة قديمة سكنت أجزاء من وسط وشرق أوروبا بين عامي 3100 و2600 قبل الميلاد.

تميزت هذه الثقافة باستخدام أمفورات كروية كبيرة لتخزين ونقل المواد الغذائية والمنتجات الزراعية، وكانت الأواني المكتشفة في حالة حفظ ممتازة، مما أضاف بعدًا جديدًا في فهم تقنيات التصنيع والحفظ التي كانت تُستخدم في تلك الحقبة.

يُعتقد أن هذا الموقع فريد من نوعه، حيث بقي سليمًا ولم يتعرض للتخريب أو السرقة كبعض المواقع الأخرى التي اكتُشفت في المنطقة، مما يجعله مصدرًا بالغ الأهمية لفهم طبيعة حياة المزارعين الأوائل الذين اعتمدوا على الاستقرار والزراعة وتربية المواشي.

وقد امتد تأثير هذه المجتمعات من نهر إلبه في الغرب إلى نهر دنيستر في الشرق، شاملةً بذلك مناطق في رومانيا ومولدوفا الحالية، وهو ما يعكس اتساع نطاق ثقافة الأمفورا الكروية ونفوذها عبر مناطق أوروبا القديمة.

استمرت سلسلة الاكتشافات ولم تتوقف عند هذا الحد، بل استمرت مع توسيع الفريق لنطاق بحثه حول المقبرة الألمانية، حيث عُثر على أدلة تدل على وجود القوط، وهم شعب جرماني قديم هاجر إلى مناطق عديدة من أوروبا وسكن هذه المنطقة بحسب بعض الأدلة الأثرية.

يربط هذا الاكتشاف الموقع بأحد المواقع القوطية القديمة التي تمت دراستها في ستارا رزيكا، مما يساهم في تعزيز فهم تاريخ الهجرات والاستيطان الأوروبي خلال العصور الوسطى.

ومع تقدم التنقيب، عثر علماء الآثار على مجموعة من العملات المعدنية التي يبدو أنها تنتمي إلى فترات متنوعة وتضم عملات سيسترس رومانية وعملة بيزنطية نادرة سُكّت في عهد الإمبراطور باسيل الثاني، المعروف باسم قاتل البلغار، وتعود إلى نهاية القرن العاشر وأوائل القرن الحادي عشر.

يُعد هذا الاكتشاف نادرًا للغاية في المنطقة، كما عثروا على عملات تعود لفترة تقسيم بولندا، وعملات من عهد الملكة فيكتوريا ملكة إنجلترا، إضافةً إلى عملات نمساوية مجرية من القرن التاسع عشر وعملات بولندية من فترة ما بين الحربين العالميتين.

ويعتقد أن هذه العملات قد تكون جزءًا من مقتنيات الجندي الألماني، مشيرًا إلى احتمال أن يكون من هواة جمع العملات أو قد حصل عليها خلال تنقلاته العسكرية.

تشير الفرضية إلى أن الجندي قد يكون قد جمع هذه العملات كهواية أو ربما تبادلها خلال تنقله مع فرقته العسكرية، مما يضيف بعدًا إنسانيًا وشخصيًا لهذا الجندي الذي فقد حياته في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية.

ويعد تنوع هذه الاكتشافات، التي تجمع بين قطع من العصور الحجرية مرورًا بالعصور الوسطى ووصولاً إلى أحداث القرن العشرين، يعكس غنى التاريخ في منتزه ووديكي الطبيعي وتنوع الحضارات التي استوطنت فيه على مر العصور.

يواجه فريق علماء الآثار الآن تحديًا في تحليل هذه القطع والأدوات والعملات بعمق، لفهم القصص الفردية التي تحملها كل منها ولربطها بالسياق التاريخي الأوسع للمنطقة، مما يسهم في إثراء المعرفة بالتاريخ البشري في تلك المنطقة التي شهدت تتابعًا حضاريًا فريدًا.

الاكثر قراءة