تعرف الترجمة بأنها عملية تحويل نص أصلي مكتوب ( ويسمى النص المصدر) من اللغة المصدر إلى نص مكتوب ( يسمى النص الهدف) في اللغة الأخرى، وتعد الترجمة نقلاً للحضارة والثقافة والفكر ، كما تعرف بانها تفسير وتحويل الأفكار والمعلومات المعبر عنها في اللغة المصدر إلى اللغة الهدف، بشكل فعال ودقيق، أي ان الترجمة هي عملية تحويل النصوص من لغة إلى لغة أخرى، ولذا تعد الترجمة أداة أساسية للتواصل بين مختلف الثقافات.
كما تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي من خلال تسهيل التعاملات التجارية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى ذلك تعزز الترجمة التفاهم بين الشعوب وتسهم في تعزيز التعاون الدولي، وأهم ما تقوم به الترجمة هو التبادل الثقافي بين سائر الشعوب والثقافات ونقل ما لدى الأخرين من علوم ومعارف وفنون واداب وعادات وتقاليد ويعد التبادل الثقافي من علامات قوة أي أمة، فهي قادرة على المشاركة والتفاعل مع الآخر والاستفادة منه في تنمية الثقافة وبناء الحضارة، وهذا ما قامت به الثقافة العربية الإسلامية في أوج ازدهارها، فقد حرص المسلمون الأوائل على نقل ما لدى الأمم الأخرى كاليونان والرومان والهنود والفرس وغيرهم وترجمته إلى اللغة العربية.
تاريخ الترجمة:
إن تاريخ الترجمة يمتد إلى الماضي البعيد، ولم تقتصر الترجمة على حضارة دون سواها، بل إنها قد وجدت في كل حضارات العالم القديم، حيث انها إحدى ضرورات التواصل البشري ولها أهمية احتفاظ كل طرف بحضارته ولغته كاملة دون نقصان، فالحضارة أخذ وعطاء.
الترجمة في عصر الجاهلية:
وأول ظهور للترجمة عند العرب كان في عصر الجاهلية، حيث ان القبائل العربية كانت تعمل بالتجارة مع قبائل لا تعرف ولا تتحدث العربية، ولذا فكانت الترجمة ضرورية ومن أهم أعمالهم.
الترجمة في الإسلام:
وحينما جاء الإسلام كان للترجمة مكانة عليا، حيث انها ساعدت في نشر تعاليم الإسلام وتوسيع رقعة الدين الحنيف بين أمم لم تعرف لسان العرب ومن أثار رفعت مكانة الترجمة في الإسلام ان الصحابي زيد بن ثابت قد كان يعرف بترجمان الرسول، حيث انه كان يترجم رسائل النبي صلى الله عليه وسلم الى الشعوب التي لم تتحدث العربية كالروم والفرس، كما ازدهرت الترجمة في العصر العباسي في عهد الخليفة ابو جعفر المنصور، حيث تم ترجمة بعض الكتب في الطب والفلك والرياضيات ، وازدهرت في عهد الخليفة هارون الرشيد ووصلت زروتها في عهد الخليفة المأمون، وفي العصر الأموي، بدأت الترجمة في الخليفة معاوية بن أبي سفيان، وكانت لديه مكتبة تعد المركز الأول من مراكز التعريب ، كما تطورت في عهد حفيده خالدبن يزيد والتي أطلق عليها بيت الحكمة.
أما عن الترجمة عند الغرب:
ففي عصر النهضة الأوروبية كان الغرب قد بدأ يستقي من علوم العرب ومعارفهم في شتى المجالات، حيث ان اجتياحهم الأندلس قد نبههم إلى الترجمات الهائلة لفلاسفة الاغريق والرومان من اللاتينية إلى اللغة العربية.
الترجمة في مصر:
أما عن الترجمة في مصر، فيرجع الفضل لمحمد علي باشا والي مصر (1805- 1848م) في الاهتمام بالترجمة لنقل علوم الغرب وفنونه إلى اللغة العربية لكي يفهمها التلاميذ، كما شرع في جمع الكتب من مختلف البلاد وأخذ يوزع ما يلائم التدريس على المترجمين ليكون متاحاً للتلاميذ ومعلمهم .
وكان الهدف من وراء الترجمة نقل الثقافة الغربية إلى مصر وإنشاء أول مدرسه للترجمة في مصر عام 1835م على يد رفاعة رافع الطهطاوي رائد التنوير والترجمة.
وللترجمة أنواع عديدة ولكل نوع منها دوره وأهميته وهي كما يلي:
الترجمة العلمية: تعد هذه الترجمة من أهم أنواع الترجمة وأبرزها، وفيها يقوم المترجم بترجمة الأبحاث، والكتب، والتقارير، والتجارب العلمية وما شابه من النصوص العلمية من لغة المصدر إلى لغة الهدف، والترجمة العلمية هي ترجمة متخصصة ولكنها تتميز عن سائر مجالات الترجمة المتخصصة في كون المترجم يجب أن يتخصص في فرع محدد من العلوم فيكون التخصص مزدوجًا.
الترجمة الأدبية: وهي نوع مهم من أنواع الترجمة يقوم على ترجمة النصوص الأدبية من قصائد وقصص وروايات ومسرحيات من لغة إلى لغة أخرى.
الترجمة الأكاديمية: وهي نوع من أهم أنواع الترجمة وأبرزها وخلال هذا النوع يقوم المترجم بترجمة الأوراق والوثائق الجامعية من لغة إلى لغة أخرى وتتطلب هذه الترجمه دقه كبيرة، حيث يجب أن يقوم المترجم بترجمة النص كما هو دون أن يزيد أي حرف أو ينقص حرف، وأي خلل في الترجمة الأكاديمية سيجعل قبول الطالب غير مضمون.
الترجمة الفورية: وهي نوع مهم من أنواع الترجمة وتحتاج إلى امتلاك المترجم لسرعة كبيرة، حيث يقوم بترجمة كلام أحد الاشخاص بشكل فوري من لغة إلى لغة أخرى ويستخدم هذا النوع في الترجمة في الندوات والمؤتمرات والمنظمات الدولية.
الترجمة السياسية: وهي تتخصص في ترجمة النصوص السياسية والدبلوماسية كالمعاهدات والاتفاقيات الدولية وغيرها من لغة إلى لغة أخرى وهي تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على علاقة الموده والسلام بين الأمم.
الترجمة الصحفية: تتميز الترجمة الصحفية عن سواها من أنواع الترجمة في أهمية دقة التعبير عن النبره التي تعبر بها التعبير عن المعنى في النص المراد ترجمته، وتهتم الترجمة الصحفية بترجمة المقالات الصحفية واللقاءات الصحفية والأخبار الصحفية والتصريحات الإعلامية من لغة المصدر إلى لغة الهدف.
ترجمة الأفلام وهي نوع من أنواع الترجمة التي يتم من خلالها ترجمة الأفلام التي تكون باللغات العامية والدارجة إلى لغة أخرى وتحتاج هذه الترجمة إلى امتلاك المترجم لمعرفة كبيرة باللغة الدارجة
أهمية الترجمة:
وترجع أهمية الترجمة في تعزيز التواصل الثقافي ويمكن أن نحددها في عدة نقاط وهي كما يلي:
إن للترجمة دوراً فعالاً في نقل الثقافة والتواصل مع الأخرين والأخذ والعطاء بين الحضارات، فلولا الترجمة لظلت كل أمة جزيرة وحيدة منعزلة عن الجزر الأخرى.
تأمين التواصل الفعال بين الشعوب المختلفة، فإن عالمنا اليوم يحتوي على أكثر من 7000 لغة تستخدمها مختلف شعوب العالم ولا يربط بينهم ويسمح بالتواصل سوى الترجمة.
كما تهدف الترجمة إلى تعزيز سبل السياحة العالمية، من خلال الرحلات السياحية والترجمة هي الوسيلة الوحيدة أمام المرشد السياحي من أجل التواصل مع السائحين، والترجمة هي السبيل الوحيد امام السائحين ليتعامل أحدهم مع الأخرين ومع مرشدهم السياحي.
كما تهدف الترجمة إلى دعم الاقتصاد العالمي. وتمكن الحكومات والمؤسسات المختلفة من ابرام الاتفاقيات وفتح المشاريع المشتركة، فالترجمة من أوائل الأسباب التي أدت إلى إمكانية انشاء شركات عالمية لديها فروع في دول مختلفة ذات لغات مختلفة.
كما تهدف الترجمة إلى نشر العلوم والمعارف المختلفة بين فئات أكثر من الناس، تساهم الترجمة في نشر العلوم والمعارف المختلفة، واجتياز الحدود الجغرافية، حيث ان ترجمة المؤلفات والكتب يسمح لأصحاب اللغات الأخرى بقراءتها والانتهال من فيض علومها .
كما تهدف الترجمة إلى حفظ الأمن والسلام بين الدول، فهي تمهد الطريق أمام الأمم للتواصل البناء ولا يدعي مجالاً للعداوة أو الشحناء وإنما تفرض روح السلام والتعاون والألفة والود بين الشعوب
كما تهدف الترجمة إلى الحفاظ على الهويات الثقافية المختلفة للمجتمع أو للجماعة من خلال إتاحة ترجمتها إلى لغات أخرى، مما يجعلها في متناول المجتمعات الأخرى.
كما ان الترجمة تساعد في تقصي أثر الحضارات القديمة والحفاظ على هويات تلك الحضارات من الضياع في غياهب الدهر من خلال ترجمتها إلى لغات حية ليتمكن الجميع من التعرف عليها من جديد واحيائها في نفوسهم .
وأخيرًا فالترجمة لها فضل كبير عبر التاريخ في بناء جسور من التواصل والمعرفة بين الأمم والشعوب منذ بدء التفاعل بين البشر، كانت الترجمة وسيلة للتواصل بين لغات وثقافات مختلفة مما ساهم في نقل الأفكار والعلوم والمعارف .
تعتبر الترجمة من الحرف التي تجمع بين العلم والفن حيث يتطلب من المترجم مهارات فنية وقدرة على نقل الأفكار والمشاعر من لغة إلى لغة أخرى بطريقة تعكس أسلوب الكاتب الأصلي وتراعي الفروق الثقافية والاقليمية.
هكذا تساهم الترجمة في تجاوز الحواجز اللغويه، مما يتيح تبادل الافكار والمعارف ويتعرف الأفراد على عادات وتقاليد وحضارات الشعوب الأخرى، مما يعزز التفاهم المتبادل ويقوي العلاقات الدولية.
كما تساعد الترجمة في الحفاظ على الهوية الثقافية وتسهيل التواصل السياحي والدبلوماسي، مما يسهم في بناء روابط وديه بين الأمم والشعوب.
كما أن الترجمه تعزز التعددية الثقافية وتقوي العلاقات الدولية وتساهم في نهاية المطاف في مجتمع عالمي أكثر ارتباطاً وشمولية.
من أجل هذه الأهمية، تحتفي الأمم المتحدة والإتحاد الدولي للمترجمين- الذي تم تأسيسه في خمسينيات القرن العشرين - بجهود المترجمين ومجتمع الترجمة العالمي في يوم ٣٠ سبتمبر من كل عام، وتم اختيار هذا اليوم في ذكرى القديس جيروم الذي توفي عام ٤٢٠م بعد أن ترجم الكتاب المقدس إلى اللاتينية.
.