علامة بارزة في الثقافة المصرية، وكوكب منير في الأدب العربي، فقد البصر في سن مبكرة، فعوضه الله بنور البصيرة، وهداه إلى ما لم يسبقه إليه غيره من المُبصرين، إنه الدكتور طه حسين المثقف الموسوعي، الذي يفخر به كل مصري وعربي، والمولود في مثل هذا اليوم 14 نوفمبر من عام 1889م.
كان لطفولة الدكتور طه حسين تأثيرًا كبيرًا على مشواره الفكري والإبداعي، ثم بلورة مستقبله العلمي والعملي بشكل عام، بداية من حفظ القرآن الكريم في كُتاب القرية في صعيد مصر، ثم انتقاله صبيًا للدراسة في جامعة الأزهر بالقاهرة، وتأثره بالأحياء الشعبية وما تعيشه منطقة مصر القديمة من عادات وتقاليد وموروث اجتماعي، إضافة إلى جو مُشبّع بالروحانيات التي عايشها وشعر بها رغم فقدانه البصر، وهو ما رصده في روايته البديعة الأيام، التي يحكي خلالها قطوفًا من سيرته الذاتية، وهو ما تجلّى أيضًا في كتاباته ذات الطابع الديني فيما بعد.
درس طه حسين في فرنسا، فكان ذلك له بالغ الأثر في تحوله الفكري، والتحول الأول حينما انتقل من رحابة القرية المكانية وضيقها الفكري، إلى صخب المدينة واتساع دائرة ضوئها ثقافيًا وفكريًا، لاسيما حينما انتقل من الدراسة في جامعة الأزهر للدراسة في جامعة القاهرة التي نهل طوال فترة دراسته بها من مختلف العلوم.
التحول الثاني في حياة طه حسين، كان حينما قُبل ضمن البعثة التي سافرت لفرنسا لتلقي العلم الحديث، ودراسة أحدث المناهج الفكرية والنقدية حينها، ومن هنا بدأت أفكاره التنويرية تتجلى في مقالاته التي كتبها لمجلات السفور والرسالة وغيرها من المجلات إبان إقامته للدراسة في فرنسا.
تنوعت مصادر عميد الأدب العربي العلمية، وكانت هذه المصادر سببًا مباشرًا في بلورة خطابه الثقافي، فقد كان لقراءة التراث أثرًا كبيرًا على خطابه، الأمر الذي انعكس على العديد من كتاباته الفكرية.
كما تأثر طه حسين بالثقافة الغربية، وانفتح على تلك الثقافة التي كانت سببًا مباشرًا لدفعه لمراجعة ما قرأه من تراث أو إعادة قراءته بعين الناقد، وساعده في ذلك المناهج الغربية الحديثة مثل المنهج الديكارتي، الذي كان منطلقًا له في كتابه "في الشعر الجاهلي" وهو أحد أشهر كتاباته الفكرية والنقدية، والذي تسبب له في أزمة كبيرة في صدر حياته.
فالدكتور طه حسين، كان صاحب رؤية خاصة، ومنهج علمي وفكري مستقل مكنه من تقديم خطاب ثقافي مختلف، ربما نجد أكثر من شخص جاء من نفس البيئة التي جاء منها الدكتور طه حسين، ومر أيضًا بما مر به في مراحل حياته المختلفة (نشأة في قرية في صعيد مصر، ثم دراسة بالأزهر الشريف، ثم الانتقال إلى جامعة القاهرة، ثم السفر للدراسة في فرنسا والانفتاح على ثقافات المجتمعات الغربية)، إلا أن الرؤية الخاصة والفكر المستقل هو ما صنع الخطاب الثقافي لدى الدكتور طه حسين، الذي تلقاه المجتمع على أنه خطاب جديد تارة، ومختلف أخرى، بل وخطاب شذ عن القاعدة في بعض الأحيان.