هي صاحبة الصوت الملائكي الذي أضاء سماء الطرب العربي، سحر كل من وقع على مسامعه، فكانت الأميرة الجميلة التي خطفت القلوب والعقول وصاحبة الصوت الدافىء التي متعت جمهورها بأغنياتها، ونشهد اليوم ذكرى ميلادها حيث ولدت في 25 نوفمبرعام 1912م، إنها أميرة الجبل آمال الأطرش « قيثارة الغناء.. أسمهان».
وقدمت أسمهان أغنياتها الخالدة من كلمات كبار الشعراء من مصر والعالم العربي، منهم.. أبو العلاء المعري، ابن زيدون، أمير الشعراء أحمد شوقي، شاعر الشباب أحمد رامي، ويوسف بدروس، والأخطل الصغير، ومأمون الشناوي، وبديع خيري، وبيرم التونسي، وغيرهم، وقدمت هذه الأشعار لكبار الملحنينين في مقدمتهم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، ورياض السنباطي، ومحمد القصبجي، وشقيقها فريد الأطرش، إضافة إلى مكتشفها ومتعهدها داود حسني، وكان لفريد الأطرش ومحمد القصبجي حصة كبيرة في تلحين أغاني أسمهان الأكثر شهرة، وهذه الأغنيات لم تكن مجرد أعمال موسيقية، بل مثلت قطع فنية متكاملة مزجت بين الشعر الرصين والألحان المبدعة وصوت أسمهان الساحر.
من شعر أبو العلاء المعري وابن زيدون
تغنت أسمهان بقصيدة «غير مجدٍ في ملّتي واعتقادي» من لحن شيخ الملحنين زكريا أحمد، ومن كلمات الشاعر والمُفكِّر والنحويٌّ والأديب والفيلسوف أبو العلاء المعري، والذي يعد أحد كبار أعلام الحضارة الإسلاميَّة عُمومًا وأحد أعظم شُعراء العرب والعربيَّة، كما وتغنت أسمهان بقصيدة «أقرطبة الغراء» من كلمات الشاعر الأندلسي ابن زيدون.
مع أمير الشعراء.. أحمد شوقي
كما شاركت أسمهان في الأوبريت الغنائي «مجنون ليلى»، والمأخوذ عن مسرحية مجنون ليلى تأليف الشاعر أحمد شوقي، وقدم الأوبريت في فيلم «يوم سعيد» عام 1939م، قدمته أسمهان من ألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ومشاركته بالغناء، والممثل عباس فارس ومثّله أحمد علام.
وقدمت أسمهان أيضا أغنية «أهوى» من كلمات أحمد شوقي، ولحنها محمد القصبجي، وتحمل كلمات الأغنية أجواء رومانسية حالمة تعكس روعة التعبير في شعر شوقي، مع أداء راق من أسمهان، أضفى على الأغنية إحساسًا فريدًا، الأغنية مثال حي على التكامل بين الكلمة الرصينة والصوت الطربي.
كما غنت أسمهان «نويت أداري آلامي» للشاعر أحمد شوقي من لحن رياض السنباطي، وتعكس الأغنية الألم الداخلي والشجن في قالب شعري غنائي، و برعت أسمهان في ترجمة الكلمات إلى إحساس ملموس يصل للمستمعين.
مع شاعر الشباب.. أحمد رامي
وقدمت أسمهان العديد من الأغنيات باللغة العربية الفصحى والعامية، من كلمات الشاعر الكبير أحمد رامي ومنها ماتغنت به في فيلم انتصار الشباب» ولحن هذه الأغنيات أخيها الموسيقار والمحلن الكبير فريد الأطرش، وهي «ياللي هواك»، كان لي أمل»، «إيدي في إيدك»، «الشمس غابت أنوراها»، وأغنية الفيلم «انتصار الشباب»، وقدمت أسمهان أغنية ليالي البشر بالفيلم من كلمات الشاعر اللبناني يوسف بدروس.
وفي فيلم واحد جمعت قيثارة الغناء في أغنياتها كبار الشعراء للعامية والفصحى في تاريخ الشعر الحديث، وذلك في فيلم «غرام وانتقام»، حيث غنت ثلاث أغنيات من كلمات الشاعر الكبير أحمد رامي، وهي ليالي الأنس في فيينا»، من ألحان فريد الأطرش، وتغنت بقصيدة «أيها النائم»، ونشيد «الأسرة العلوية»، وقدم اللحن لهما رياض السنباطي.
ووشدت بأغنيتين من كلمات مأمون الشناوي الأولى «أنا أهوى» لحنها فريد الأطرش، والثانية «إمتى هتعرف» قدم لحنها محمد القصبجي، كما قدمت أغنيتين لشاعر العامية الكبير بيرم التونسي الأولى «ياديرتي» لحنها فريد الأطرش والثانية «أنا اللي أستاهل»، وتحمل الأغنية كلمات الأغنية طابعًا دراميًا عن العتاب ولوم النفس، مما أتاح لأسمهان استعراض قدرتها على التعبير عن المشاعر العميقة، و كلمات بيرم التونسي تتميز بأسلوبه الفريد تفاعلت مع الأداء العاطفي لأسمهان في واحدة من أبرز أغانيها.
وأغنية «ليالي الأنس في فيينا» من أشهر أغنيات أسمهان، وتدور حول جمال فيينا وسحرها، وتجسد حالة من الفرح والانطلاق مع الحفاظ على الرقي في التعبير، وأصبحت الأغنية رمزًا للطرب الشرقي الممتزج بجو عالمي، وعُرفت عالميًا بجمال لحنها وصوت أسمهان.
مع الشاعر اللبناني يوسف بدروس
وقدمت أسمهان أغنيتها «يا طيور» للشاعر اللبناني يوسف بدروس من ألحان فريد الأطرش تُعد من أشهر أغنيات أسمهان، وهي قصيدة مفعمة بالحنين والشجن، تعبر عن شوق الحبيب ورسالته للطيور كي تحمل أحلامه وأشواقه، والجمع بين كلمات الشاعر اللبناني وصوت أسمهان العذب أضفى للأغنية بعدًا شعريًا وموسيقيًا خالدًا.
وقدمت أسمهان أيضا أغنية «دخلت مرة في جنينة» من كلمات أحمد رامي، ولحن داود حسني، وتعكس كلمات الأغنية أجواء رومانسية خفيفة ومشرقة، تجسد البساطة والرقة في الحب، و أضاف صوت أسمهان الشفاف أبعادًا جديدة إلى كلمات الأغنية التي تأسر المستمعين.
وأيضا قدمت أسمهان أغنية « ليه تلاوعيني؟» للشاعر مأمون الشناوي ومن لحن فريد الأطرش، وتعبر عن مزيج من العتاب والحنين بأسلوب بسيط ومؤثر وأكدت الأغنية قدرة أسمهان على التلاعب بنغمات صوتها لتناسب معاني الأغنية.
وتغنت بـ «في يوم ما أشوفك» للشاعر المصري أحمد شفيق كامل لحن رياض السنباطي، وهي أغنية وجدانية حزينة تعبر عن الأمل والانتظار مع إحساس قوي بالشجن، و تميزت بقدرتها على تحويل الكلمات إلى لوحات عاطفية غنية، وأطربت الوطن العربي كله بأغنيتها «عليك صلاة الله وسلامه» من التراث، لشيخ الملحنين زكريا أحمد، والأغنية دينية ذات طابع روحي تمزج بين الأصالة والتراث و قدمتها أسمهان بإحساس عميق ينقل الروحانيات إلى قلب المستمع.
مع الأخطل الصغير .. اسقنيها
فيما قدمت أغنية «اسقنيها» لقصيدة للشاعر اللبناني بشارة الخوري «شاعر الحب والهوى.. الأخطل الصغير»، وقدم لحنها فريد الأطرش، والأغنية لقصيدة غزلية مفعمة بالرومانسية والجمال الشعري، تعبر عن لحظة وجدانية عميقة، وتتميز الأغنية بدمج الشعر الكلاسيكي مع اللحن الشرقي الحديث كان سمة بارزة في هذا الأغنية.
تكامل بين الكلمة واللحن في صوت أسمهان
ساهم صوت أسمهان في إبراز جمال الشعر في مختلف أغنياتها، فقد كانت تمتلك قدرة استثنائية على التعبير عن المعاني والمشاعر التي تخفيها الكلمات، تميزت أعمالها بالتعاون مع نخبة من الشعراء والملحنين الذين قدموا أفضل ما لديهم لإبداع أعمال خالدة.
إرثها فني وأثرباق لا يزول
رغم رحيل أسمهان المبكر، حيث توفيت وهي في عمر الـ 32 سنة ، في 14 يوليو 1944م، تركت إرثًا موسيقيًا لا يزال حيًا حتى اليوم، وأغنياتها ليست فقط شاهدًا على موهبتها الفذة، بل هي مرآة لأحد أروع عصور الموسيقى العربية في العصر الحديث.
أمير الشعراء
أبو العلاء المعري