يوافق اليوم الجمعة 29 من نوفمبر، اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، حيث وقع عليه الاختيار من قبل الأمم المتحدة يومًا، إذ دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر عام 1977، للاحتفال بهذا اليوم لما ينطوي عليه من معان ودلالات بالنسبة للشعب الفلسطيني، واعتادت جهات إقليمية ودولية عدة الاحتفاء به تضامنًا مع أهل فلسطين الصامدين، وتأكيدًا على أن القضية الفلسطينية حية وحاضرة في المحافل الدولية وفي ضمير العالم الحي.
وربما استطاعت الروايات والكتب بين سطورها حمل الكثير من معاناة وألام القضية الفلسطينة للقارئ العربي، وقسوة الواقع المرير للشعب الفلسطيني ودمائه المهدرة التي لا تتوقف حتى اليوم أطفالًا وشبابًا وشيوخًا ونساءً، وفي السطور التالية نستعرض مجموعة من أبرز هذه الروايات التي تناولت بين طياتها القضية بكل ما تحمله من حكايات..
قناديل ملك الجليل: إبراهيم نصر الله
وعلى ذكر القضية الفلسطينية نتطرق إلى مشروع الروائي والشاعر الفلسطيني إبراهيم نصر الله، والمعروف بـ"الملهاة الفلسطينية"، وهو مشروع عمل الكاتب عليه منذ 1985، واستمر أكثر من قرنين ونصف قرن من التاريخ الفلسطيني، وكل رواية من هذا المشروع مستقلة بأحداثها وشخصياتها والزمن الذي تتناوله وبنيتها السردية، ومن بين أبرز روايات "الملهاة الفلسطينية" رواية "قناديل ملك الجليل".
وصدرت طبعة الرواية الأولى عام 2011، وتمتد أحداثها بين القرنين السابع عشر والثامن عشر، ما بين عامي 1689-1775 في أكثر من خمسمئة صفحة من القطع الكبير، يعود فيها لرواية قصة ظاهر العمر الزيداني، الذي تمرد على الحكم العثماني ويُعتقد أنه سعى لإقامة أول دولة وطنية عربية بالمفهوم القومي الحديث في فلسطين.
واعتمد إبراهيم نصر الله في هذه الرواية على التاريخ، لكنه سكب فيه من خياله ليُحوِّل الشخوص التاريخية إلى شخوص من لحم ودم، يستعيد من خلالها جذور الهوية الممتدة في عمق التاريخ، بلغة شاعرية وبنية تتماس مع التاريخ والأسطورة وسير الأبطال.
زمن الخيول البيضاء: إبراهيم نصر الله
وصدرت "زمن الخيول البيضاء" إحدى روايات مشروع "الملهاة الفلسطينية" لنصر الله في 2017 تزامنًا مع اقتراب الذكرى الستين للنكبة، لتصل إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" عام 2009، ثم تتُرجم إلى الإنجليزية، وعمل المؤلف على تحويلها إلى سيناريو لمسلسل تلفزيوني من إخراج حاتم علي، لكن المشروع توقف ولم يتم.
وتمتد أحداث الرواية لنحو 130 عاما من نهايات القرن التاسع عشر وحتى النكبة، وتعد ملحمية للوجود الفلسطيني التاريخي المرتبط بالأرض، يؤرخ من خلالها الكاتب للوضع الفلسطيني من زمن العثمانيين وحتى النكبة، من خلال سرد محكم دفع العديد من النقاد إلى تسميتها بـ"الإلياذة الفلسطينية".
وتنطلق أحداثها في قرية هادية واقعة في ضواحي القدس في أواخر زمن الحكم العثماني لفلسطين حتى النكبة عام 1948، على مدى ثلاثة أقسام: الريح، والتراب، والبشر.
ومن خلال سرد ملحمي للأحداث المصاحبة لانتهاء الحكم العثماني لفلسطين، ودخول الاحتلال الإنجليزي، ومرحلة انتشار العصابات الصهيونية، والمستوطنات والمقاومة، وحتى النكبة، بكل ما أحاط بهذه المرحلة من تعقيدات تاريخية، وذلك من خلال سيرة عائلية تمتد لثلاثة أجيال، عبر حكايات البشر والخيول، حيث نتعرف على البطل الملحمي خالد وحكايته مع فرسه، بكل دلالاتها الرمزية.
وتمتلئ الرواية بالهوامش التي تُلقي الضوء على عدد كبير من الأحداث التاريخية، لكل مَن أراد الإلمام بهذه الفترة التاريخية المهمة.
باب الشمس: إلياس خوري
ورواية "باب الشمس" واحدة من أبرز الروايات التي تناولت القضية الفلسطينية، صدرت طبعتها الأولى عام 1998 عن دار الآداب، وتُرجمت إلى عدة لغات، وجاءت ضمن أفضل مائة رواية عربية في القرن العشرين بحسب قائمة اتحاد الكتاب العرب، وقدمها المخرج المصري يسري نصر الله في فيلم سينمائي من جزئين.
وصور الكاتب اللبناني إلياس خوري من خلال هذه الرواية التي جاءت في أكثر من خمسمائة صفحة معنى الملحمية السردية الفلسطينية، بين أحداث الثورة العربية الكبرى عام 1936 وحتى أوائل تسعينيات القرن الماضي، مرورًا بأحداث النكبة والشتات، وأحداث الحرب الأهلية اللبنانية ومذبحة صبرا وشاتيلا، وأيلول الأسود.
وتدور أحداث الرواية على لسان الدكتور خليل، الذي يعتني بأبيه الروحي المناضل يونس الأسدي في المستشفى بعد أن سقط في غيبوبة الاحتضار. يؤمن خليل أن التواصل معه عبر الحكاية قادر على شفائه وإعادته إلى الحياة، ليأخذنا ما بين الماضي وقصة يونس وزوجته نهيلة، والحاضر وخليل وحبيبته شمس التي قُتلت وتفرق دمها بين العشائر.
وعبر الحكايتين نرى فلسطين المقاومة، وأحداث النكبة، ومشاهدها في عدد من القرى الفلسطينية، وقسوة الحياة في مخيمات اللجوء، ويحكي الراوي حكاياته التي تلقاها من يونس قبل أن يروح في غيبوبته.
واستشهد الكاتب في روايته على عدد ضخم من الشهادات التي جمعها من المخيمات، فجاءت الرواية حيّة، بشخصيات من لحم ودم تحفل بعشرات القصص.
رجال في الشمس: غسان كنفاني
و"رجال في الشمس" رواية قصيرة للكاتب والشاعر الفلسطيني غسان كنفاني، وواحدة من أشهر الروايات التي تناولت القضية الفلسطينية، وأبرز روايات مشروعه عن فن المقاومة.
وتدور أحداث الرواية في أقل من 90 صفحة، وصدرت للمرة الأولى في 1963 ببيروت، وقُدِّمت أحداثها في فيلم سينمائي سوري الإنتاج عنوانه "المخدوعون" للمخرج المصري توفيق صالح، وحصل على الجائزة الذهبية بمهرجان قرطاج للأفلام العربية والإفريقية عام 1973.
ومن خلال أربع شخصيات محورية نشهد كيف دفعت قسوة العيش في المخيمات ثلاثة رجال للهرب إلى العراق ومنه إلى الكويت حيث فرص العمل التي رأوا فيها منقذًا لهم من قسوة الظروف، ويتفق الثلاثة مع مهرب يدعى "أبو الخيزران" ليقوم بتهريبهم في شاحنة تحمل خزان ماء فارغًا عبر الصحراء، لكن المسيرة تتعطل في إحدى نقاط التفتيش ليموت الرجال الثلاثة داخل الخزان من شدة الحرارة.
وتختم الرواية سردها بتساؤل رمزي يصور المقاومة بوصفها فعلًا أساسيًا في مواجهة الموت، فيتساءل أبو الخيزران "لماذا لم يدقوا جدران الخزان".