الإثنين 2 ديسمبر 2024

ثقافة

«الثقافة» تصدر الأعمال الكاملة للمفكر سليمان العطار بهيئة الكتاب

  • 1-12-2024 | 15:58

سليمان العطار

طباعة
  • بيمن خليل

تعاقدت وزارة الثقافة، من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، على إصدار الأعمال الكاملة للأكاديمي البارز المترجم والناقد الأدبي الدكتور سليمان العطار، الذي يُعد من أبرز المفكرين والمثقفين المصريين الذين ساهموا بشكل ملحوظ في تطوير الفكر العربي الحديث.

تميز سليمان العطار بفكره العميق، وأسلوبه النقدي، واهتمامه الخاص بقراءة التراث وإعادة النظر فيه من خلال رؤية معاصرة تواكب التحديات الحديثة. رغم ابتعاده عن الأضواء والشهرة، إلا أن تأثيره العلمي والإنساني كان واسع النطاق، مما جعل محبيه وزملاءه يشعرون بالحزن لرحيله.

نشأ سليمان العطار تحت تأثير عميق من عبد العزيز الأهواني، الذي كان له الفضل في إدخال الدراسات الأندلسية إلى مصر والعالم العربي وتطويرها، ورأى العطار في الأهواني نموذجًا للمثقف الذي يكرس حياته للعلم، مشبهًا إياه بأرسطو الذي اعتبر تلاميذه كتبه الحية. هذه العلاقة مع الأهواني شكلت وعي العطار النقدي والتجديدي، ودفعته إلى دراسة التراث بمنظور جديد بعيدًا عن التقليد الأعمى.

يرى العطار أن التراث يشكل عنصرًا أساسيًا من الهوية العربية، لكنه يعارض تقديس هذا التراث دون فحص أو نقد. يجادل بأن الهوية الثقافية تحتاج إلى حيوية وديناميكية تمكنها من التفاعل مع الحاضر وتجاوز الجمود.

يعتبر العطار أن فهم التراث بعمق وتوظيفه بذكاء يمكن أن يسهم في بناء مستقبل مزدهر، وذلك من خلال تجاوز الرؤية المحدودة للتاريخ والتراث والبحث عن طرق لدمج الماضي في سياق العصر الحديث.

تجسد سليمان العطار سلوك المثقف العضوي الذي يرى الثقافة كسلوك يومي وليس مجرد نظريات وشعارات، كان يؤمن بأن الوعي الثقافي يتجاوز حدود العقل إلى الشعور، وأن المثقف يجب أن يساهم في بناء مشاريع حضارية كبرى.

دعا العطار إلى إشاعة قيم الحوار، وقبول الآخر، ونبذ التطرف الفكري والتعصب، كان يرفض الجمود والتنميط الفكري، ويسعى إلى تجديد الفكر العربي من خلال نقد النصوص التقليدية وتحريرها من القداسة التي تحول دون تطورها.

اسهامات العطار في النقد الأدبي كانت عميقة ومتعددة، في كتابه «مقدمة في تاريخ الأدب العربي: دراسة في بنية العقل العربي» الذي أعاد تحريره الدكتور قحطان الفرج الله بعنوان «عقلان وثقافتان/ دراسة في بنية العقل عن العرب»، عالج العطار الجذور الفكرية التي ساهمت في تشويه الهوية الثقافية للعرب.

كان للخيال مكانة خاصة في فكر العطار، حيث اعتبره أداة للخلق المعرفي والابتكار، درس العطار نظرية الخيال عند ابن عربي، في كتابه «الخيال والشعر في تصوف الاندلس»، و «الخيال النظرية والمجلات عند ابن عربي» ووصفها بأنها وسيلة لتحريك منظمة الابتكار وتجاوز الجمود الفكري.

ترجم العطار أعمالًا أدبية عالمية مثل «مائة عام من العزلة» لغابرييل غارسيا ماركيز و«دون كيخوتي» لثربانتس،  وصنفت من أهم ولانضج الترجمات لهذا العمل الفريد، من خلال هذه الترجمات، سعى العطار إلى تعزيز الفهم الشمولي للثقافة الإنسانية والتواصل مع التجارب الإنسانية المشتركة.

رأى في ترجمة هذه الأعمال جسرًا يربط بين الثقافة العربية والثقافات العالمية، ويعزز من قدرة المثقف العربي على التفاعل مع العالم الحديث، كما رأى العطار أن إعادة قراءة التراث العربي أمر حيوي لتحقيق التقدم الحضاري، واعتبر أن مشاكل الهوية الثقافية العربية ترتبط بشكل كبير بتقديس التراث دون دراسة نقدية أو محاولة للتجديد.

انتقد العطار حالة التشرذم الثقافي في العالم العربي، ودعا إلى تجاوز الانقسامات الطائفية والمذهبية والمناطقية، وقدم العطار رؤية تتجاوز التحليل السطحي للتاريخ، وتدعو إلى فحص العوامل التي أدت إلى التشرذم العربي، ومحاولة استعادة الوحدة الثقافية من خلال فهم أعمق وأشمل للتراث وليه العديد من الدراسات والكتابات الإبداعية في مجال الرواية (رواية سبعة أيام، ورواية عصابة سرقة الاثار) ومجموعة قصصية (النساء لن تدخل الجحيم).

د. سليمان العطار يظل مثالاً نادرًا للمثقف الذي جمع بين الرؤية النقدية العميقة والقدرة على التفاعل مع التراث بعقلانية وتجديد، وبفضل إسهاماته الفكرية والنقدية، ساهم في إحياء الحوار الثقافي في العالم العربي ودفعه نحو أفق جديد يتسم بالتعددية والابتكار، أعماله وترجماته ستظل جزءًا من التراث الثقافي والفكري العربي، تلهم الأجيال القادمة للتفكير النقدي والتفاعل الإيجابي مع التراث والثقافة العالمية.

الاكثر قراءة