الأربعاء 4 ديسمبر 2024

ثقافة

الفلسطيني نقولا زيادة «شيخ المؤرخين العرب»

  • 2-12-2024 | 07:41

نقولا زيادة

طباعة
  • همت مصطفى

هو واحد من أبرز المؤرخين العرب، ومن رواد الفكر العربي الحديث المستنير،  كان أستاذا لأجيال من الطلاب والطالبات،  تميّز بنزوعه القومي العربي واعتبر  الحضارة العربية الإسلامية حضارته، عشق المدن العربية، وفي مقدمها القدس، وعُرف بدماثة خلقه وحدة ذاكرته وحلو حديثه وغزارة إنتاجه، و بلغ عدد مؤلفاته 41 كتابًا باللغة العربية، و6 كتب باللغة الإنجليزية، كما ترجم العديد من الكتب من الإنجليزية إلى العربية، وكتب مئات المقالات والدراسات والأبحاث، وأتقن هذا المؤرخ عدة لغات أجنبية كالإنجليزية والألمانية والفرنسية واليونانية واللاتينية إنه كما لقب عميد الؤرخين  «شيخ المؤرخين العرب» الفسطيني نقولا زيادة. 

الميلاد والنشأة 
ولد نقولا زيادة من أبوين فلسطينيين من الناصرة، في مثل هذا اليوم 2 ديسمبر سنة 1907 في حي باب مصلّى أحد أحياء منطقة الميدان في دمشق، وكان والده عبده زيادة موظفًا في قسم الهندسة في الإدارة العامة لسكة حديد الحجاز التي كان مركزها دمشق عند بداية الحرب العالمية الأولى، وكان عمره آنذاك 8 سنوات، تم تجنيد والده للقتال مع الجيش العثماني، وأثناء مكوث والده في أحد مراكز تجميع الجنود في انتظار إرسالهم إلى جبهات القتال تعرض والده للمرض ومات قبل أن يذهب إلى  القتال.

من طولكرم إلى جنين

وتلقى «نقولا» تعليمه الابتدائي في مدرسة الفرير في دمشق، ثم التحق بالمدرسة الرسمية الابتدائية في مدينة طولكرم، بعد أن عاد في سنة 1916 إلى  الناصرة مع والدته وأخوته عقب وفاة والده، حيث يقطن خاله الذي تعهدهم بالرعاية، وفي سنة 1917م،  قُتل خاله في انفجار قنبلة ألقتها طائرة بريطانية،  فاضطرت والدته ليا (ألين) شُرُّش ريحاني للبحث عن العمل لإعالة العائلة ووجدت عملًا في جنين، و انقطع «نقولا» عن الدراسة  سنتي 1917م و1918م ، ثم التحق في سنة 1919م بمدرسة جنين الابتدائية.

 المراحل التعليمية

وانتسب «زيادة» في سنة 1921م إلى دار المعلمين في القدس «الكلية العربية فيما بعد»،  بعد نجاحه في امتحان القبول، وتخرّج فيها في صيف سنة 1924م، بعد التخرّج عمل  في التعليم لمدة سنة في مدينة الناصرة، وكان حينذاك  في الـ 16 عامًا من عمره، و انتقل بعدها ليعمل مدرسًا في ترشيحا بقضاء عكا، لمدة سنة واحدة، ثم انتقل إلى مدينة عكا 1925 حيث علّم في مدرستها الثانوية بين سنتي 1925 و1935،  وشارك في تأسيس النادي الأرثوذكسي في عكا 1929 وانتُخب في هيئته التأسيسية.

ودرس «نقولا» بمفرده خلال سنتين، مواد امتحان المتريكوليشن، وحاز شهادته في 1927، الأمر الذي أهّله لمواصلة تعليمه الجامعي،  ثم تقدم في 1931 إلى امتحان الشهادة العليا للمعلمين ونجح فيه، وكانت إدارة المعارف في فلسطين تساوي الناجحين في هذا الامتحان بخريجي الجامعة الأمريكية في بيروت،  وبدأ في سنتي 1930م و1931 نشر مقالاته الأولى في مجلة «المقتطف» عن معركة «مجدو».

بعثة جامعية لدراسة التاريخ القديم

سافر «نقولا» إلى لندن بعد اختياره لبعثة جامعية لدراسة التاريخ القديم من إدارة المعارف في فلسطين 1935م وكان ذلك تحقيقًا لآماله، وقضى ما يقرب من 4 سنوات في أوروبا  منها من 6 إلى 9 أشهر في جامعة ميونخ بألمانيا سنتي 1936 و1937، والتي كان يفرض نظامها على الطالب أن يتعلم لغتين أوروبيتين بخلاف الإنجليزية، فاختار تعلم الألمانية والفرنسية القديمة، حيث سافر إلى فرنسا في صيف سنة 1938 إلى مدينة بيزانسون، لتعلم اللغة الفرنسية،  ودرس تاريخ العصر الهلنستي والحروب الصليبية.

العودة إلى فلسطين

عاد «نقولا» إلى فلسطين بعد ما حصل على البكالوريوس في التاريخ من جامعة لندن 1939م قبل أن تبدأ الحرب العالمية الثانية بأسابيع، وخلال السنوات الثماني التالية لعودته درّس التاريخ القديم وتاريخ العرب في المدرسة الرشيدية، في الكلية العربية بالقدس (1939-1947)، وألقى عشرات المحاضرات، كما أعدّ أحاديث لإذاعة فلسطين في موضوعات متنوعة، ثم صار يعدّ حديثا مرة كل أسبوعين لمحطة إذاعة الشرق الأدنى التي أُنشئت سنة 1942 في جنين قبل أن تنتقل إلى يافا، وكانت بعض أحاديثه نواة أولى كتبه وهو «صور من التاريخ العربي» الذي نشرته دار المعارف في مصر سنة 1946م.

و كان نقولا زيادة في العام الدراسي 1945-1946، يلقي محاضرتين في الأسبوع على طلاب مركز الشرق الأوسط للدراسات العربية في القدس، الذي أنشأته وزارة الخارجية البريطانية لتعليم الضباط والموظفين البريطانيين الشباب اللغة والتاريخ العربيين.

ألّف «نقولا»  بين سنتي 1945 و1947 عددا من الكتب التدريسية التي صدرت عن المكتبة العصرية في يافا، ومن أهمها: «العالم القديم» في جزئين، و«عالم العصور الوسطى في أوروبا»، و«المختار من التاريخ العربي» الذي صدر الجزء الأول منه بعنوان: «وثبة العرب»، كما حرر في الفترة نفسها مع صديقه علي شعث عددا من الكتب تحت عنوان «سلسلة الثقافة العامة» استوحيا شكلها من سلسلة «اقرأ» الصادرة عن دار المعارف في مصر.

سافر «نقولا» في سبتمبر 1947 إلى لندن مرة ثانية  لإعداد أطروحة دكتوراه وكان اهتمامه قد انتقل من التاريخ الكلاسيكي إلى التاريخ الإسلامي، في جامعة لندن بعد حصوله على منحة من المجلس الثقافي البريطاني، وخلال وجوده في بريطانيا، عُيّن، في يونيو 1948م، قارئا في قسم اللغات الشرقية في جامعة كمبردج، وصار يعدّ أحاديث للقسم العربي في الإذاعة البريطانية، و كتب  في هذه الفترة عددًا من المقالات في المقتطف والثقافة وغيرهما، تتناول مناحي متعددة من تاريخ العرب.

انتقل«نقولا» في مايو 1949،  إلى بنغازي في ليبيا لتولي منصب مساعد مدير المعارف في برقة، لكنه عاد إلى بيروت في سبتمبر من السنة نفسها، كي يلتحق بالجامعة الأميركية ويعمل أستاذا مساعدا في دائرة التاريخ فيها،  وكان زيادة، منذ مغادرته بريطانيا، يواصل إعداده أطروحة الدكتوراه، فنال الشهادة في نوفمبر 1950م، «سوريا في العصر المملوكي الأول» . 

 الأستاذ نقولا زيادة

وبعد احتلال فلسطين نزح نقولا إلى لبنان حيث التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت فعيّن أستاذًا مساعدًا، وفي  أكتوبر 1956م عُين أستاذًا مشاركًا، ورُقي في سنة 1958م إلى درجة الأستاذية، وترأس دائرة التاريخ بالوكالة في الجامعة الأمريكية (1955م-1956م)، ثم أصبح رئيساً أصيلًا لها  (1956إلى 1966م)، وظل «نقولا» يعمل في هذه الجامعة حتى تقاعده في سنة 1973م.

بعدما بلغ نقولا زيادة الخامسة والخمسين تقاعد من الجامعة الأمريكية، وأشرف في جامعة القديس يوسف، بيروت، على رسائل الدكتوراة في التاريخ العربي، حتى عام 1992، كما درّس سنتين في الجامعة الأردنية (1976م - 1978م) عاد بعدهما إلى بيروت،  ليعمل في الجامعة اللبنانية محاضرًا ومشرفًا.
ودرّس نقولا زيادة زيادة تاريخ الإسلام والحضارة الإسلامية بصفته أستاذاً زائراً في عدد من الجامعات العربية والأجنبية، وألقى محاضرات في عدد كبير من العواصم العربية والأجنبية، وشارك في عدد من مؤتمرات المستشرقين ، وزار زيادة الدول العربية جميعها تقريبا،   إضافة إلى العديد من الدول  الغربية، و عن تركيا والهند وباكستان وجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، كي يتعرف على معالم الحضارة الإسلامية.

المؤلفات

ألف نقولا زيادة أكثرمن 40 كتابًا في التاريخ العربي والإسلامي وترجم العديد من كتب التاريخ من الإنجليزية إلى العربية منها للمؤرخ البريطاني أرنولد توينبي،  وقدم «نقولا» ما يقارب 150 مقالًا ومحاضرة ألقاها في مؤتمرات عربية ودولية، وجمعت مؤلفاته كاملة وصدرت في 23 مجلدًا، ومن كتبه:

«العالم القديم» (جزءان) - يافا 1942،  و«القومية والعروبة » يافا 1945م، «رواد الشرق العربي في العصور الوسطى» القاهرة- 1943م، «وثبة العرب- القدس 1945م، «صور من التاريخ العربي» صدر عن دار المعارف بالقاهرة سنة 1946م، 

«شخصيات عربية تاريخية» يافا 1946، «صور أوروبية» القدس 1947م، «عالم العصور الوسطى في أوروبا» القدس 1947م، «برقة الدولة العربية الثامنة » بيروت 1950

« العروبة في ميزان القومية» بيروت 1950، قمم من الفكر العربي الإسلامي» بيروت 1987، «الجغرافيا والرحلات عند العرب » بيروت 1987، «شاميات دراسات في الحضارة والتاريخ » بيروت 1989، «أفريقيات دراسات في المغرب العربي والسودان الغربي » بيروت 1991.

«لبنانيات تاريخ وصور » بيروت 1992، «أيامي» (سيرة ذاتية) - بيروت 1992، «مشرقيات في صلات التجارة والفكر » بيروت 1998، «في سبيل البحث عن الله» بيروت 2000.

«المسيحية والعرب » بيروت 2001.م، «بيزنطة والفتوحات الإسلامية المبكرة» صدر عن دار قدمس بدمشق، 2002،   وكتاب «الفكر اليوناني والثقافة العربية: حركة الترجمة اليونانية العربية في بغداد والمجتمع العباسي المبكر»، تأليف: ديمتري غوتاس؛ ترجمة: نقولا زيادة - 2003 ، انطباعات من الذاكرة، بيروت 2006م.

وأشرف على «بداية الحكم المغربي في السودان الغربي: نشأته وآثاره»، من إعداد محمد الغربي

وفي سنة 2002، أصدرت الدار الأهلية للنشر والتوزيع في بيروت أعماله الكاملة في 23 جزءًا، تُعتبر القسم الأعظم من نتاجه العلمي،  كما جمعت دار رياض الريس للنشر والتوزيع كثيرًا من مقالاته التي صدرت في مجلدات

​التكريم .. جوائز وأوسمة 
نال نقولا زيادة  العديد من الأوسمة، منها وسام الأرز الوطني برتبة فارس من لبنان ة1973م، ووسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة في سنة 2002، ووسام غبطة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق لطائفة الروم الأرثوذكس في سنة 1993م، و

وحصل على العديد من الدروع والجوائز التقديرية من عدد من الجامعات والحركات الثقافية العربية. وفي سنة 1997م أسست الجامعة الأمريكية منحة باسمه تُمنح سنويا لأحد الطلاب المتخرجين في التاريخ.

رحل المفكر والمؤرخ الفلسطيني نقولا زيادة  في 27 يوليو 2006  في بيروت عن عمر ناهز 99 عامًا  ودفن فيها.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة