تمثل "eSIM" تلك الشريحة الصغيرة المدمجة ثورة في عالم الأجهزة المحمولة، لكونا البديل الأكثر تطورا لبطاقة تعريف المشترك التقليدية، التي عرفناها منذ بدء استخدام خدمة الهاتف المحمول، في نهايات تسعينيات القرن الماضي (SIM Card).
الفارق التقني بين الشريحتين أن القديمة عبارة عن دائرة متكاملة، تُستخدم لتخزين هوية المشترك الدولي للهاتف المحمول (IMSI)، ومفتاحها المرتبط بشكل آمن، وتُستخدم أيضا لتحديد والتحقق من هوية المشتركين على الأجهزة المحمولة، مثل: الهواتف، وأجهزة اللابتوب.
أما مفهوم تقنية eSIM فبدأ يكتسب زخما في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث لعبت شركة أبل دورًا كبيرًا في تطويرها، إذ قدمت Apple SIM في عام 2014، ما سمح لمستخدمي iPad بتبديل شركات الاتصالات دون تغيير بطاقات SIM.
ومنذ ذلك الحين عملت الرابطة العالمية لمشغلي الهواتف المحمولة (GSMA) على توحيد تقنية eSIM، مما أدى إلى اعتمادها على نطاق واسع في مختلف الأجهزة، ومنها بالطبع الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، والأجهزة القابلة للارتداء.
ولا شك أن "eSIM" تقدم عددا كبيرا من الفوائد، فهي توفر الراحة والمرونة، ما يسمح للمستخدمين بتبديل شركات الاتصالات، وإدارة ملفات تعريف متعددة بسهولة، لذا فهي مثالية للمسافرين، وأولئك الذين يحتاجون إلى أرقام عمل وأخرى شخصية منفصلة.
كما أنه، ودون الحاجة إلى فتحة SIM فعلية داخل أجهزتهم المحمولة، يمكن للمصنعين استخدام المساحة الإضافية لمكونات أخرى، كبطاريات أكبر أو أنظمة تبريد محسّنة، فالأجهزة التي تحتوي على "eSIM" لديها فتحات أقل، مما يحسن مقاومتها للماء والغبار، وهذا كله على الرغم من أهميته فهو لا يساوي ميزة أنه يمكن تفعيل وإدارة "eSIM" عن بُعد، الأمر الذي يبسط عملية تبديل شركات الاتصالات، أو تحديث الملفات الشخصية.
لكن هل الأمر كله مميزات، في الحقيقة لا فاستخدام تقنية "eSIM" يقود لبعض المخاطر والتحديات، خاصة على صعيد الخصوصية، لأنها يمكن أن تجعل من السهل على شركات الاتصالات تتبع مواقع المستخدمين، حيث لن يكون ممكنا إزالتها فعليًا.
وأيضا على الرغم من أن "eSIM" آمنة بشكل عام، فإنها ليست محصنة ضد القرصنة، لذا فهي معرضة إلى استهداف قوي من مجرمي الإنترنت، الراغبين في الوصول إلى ملفات تعريف المستخدمين، كما توجد مشكلات في التوافق، حيث لا تدعم جميع الأجهزة وشركات الاتصالات تقنية "eSIM"، مما قد يحد من قابليتها للاستخدام بشكل كامل في المنظور القريب.
ومع ذلك، تكتسب تقنية "eSIM" شعبية في جميع أنحاء العالم، تقدم شركات الاتصالات الكبرى في الولايات المتحدة والدول الأوروبية والعديد من الدول في آسيا، تلك التقنية لمستخدميها مدفوعة بالطلب المتزايد على أجهزة إنترنت الأشياء وسهولة إدارة الملفات.
ويبدو أن مستقبل تقنية "eSIM" واعد إذ من المتوقع بحلول عام 2025 أن تكون 60% من مبيعات الهواتف الذكية متوافقة معها، بما في ذلك الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، والساعات الذكية، وأجهزة إنترنت الأشياء.
وتقود الشركات المصنعة الكبرى، مثل: Apple، وSamsung، وGoogle، هذا الانتشار الكبير، مدعومة بتوفر أجهزة من شركات أخرى متوافقة مع "eSIM" لكن بأسعار معقولة.
وأيضًا، ستستفيد تقنية "eSIM" من السرعة المحسنة، وزمن الاستجابة المنخفض لشبكات الجيل الخامس للإنترنت المحمول (5G)، مما يتيح تطبيقات مستحدثة في مجالات عدة، كالواقع المعزز، والمركبات الذاتية القيادة، والرعاية الصحية عن بُعد.
كما تعتبر "eSIM" ضرورية لأجهزة إنترنت الأشياء، حيث توفر اتصالا سلسا للمنازل الذكية، والأتمتة الصناعية، والمدن الذكية، بفضل القدرة على إدارة أجهزة متعددة عن بُعد بسهولة كبيرة وتكلفة منخفضة.
وبما أن تقنية "eSIM" تجعل من السهل على المستخدمين تبديل شركات الاتصالات دون الحاجة إلى بطاقة SIM فعلية، فهذا يعزز المرونة والراحة، خاصة أن هذه التقنية ستؤدي أيضا إلى تطور بروتوكولات الأمان الخاصة بها، مما يجعلها أكثر مقاومة للقرصنة والوصول غير المصرح به.
وأتوقع أن تدعم المزيد من شركات الاتصالات في جميع أنحاء العالم تقنية "eSIM"، مع نمو كبير في مناطق مختلفة، وعلى رأسها الصين، التي ستصبح أكبر سوق لهذه التقنية.
في النهاية يجب أن ندرك مبكرا أن تقنية "eSIM" تعبر عن تطور رقمي هائل، سيعيد تشكيل مستقبل الاتصالات في العالم.. فهل نحن مستعدون