عملت إسرائيل منذ بداية الحرب مع لبنان في الشهرين الماضيين على إضعاف الخدمات الاجتماعية والصحية والتي تعتبر من أهم البنى التحتية التي تهتم بها كل الدول، فكانت تستهدف المستشفيات ومراكز الإيواء والمدارس كما فعلت في غزة.
وأوضح الدكتور أحمد زويتن، القائم بأعمال مدير الطوارئ الصحية الإقليمي، المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، تحقيق السلام هو الحل لمنع تفشى الأوبئة ونعمل على توسيع نطاق الخدمات ونعمل مع الشركاء لإمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية وتعزيز الترصد لمعرفة حدوث أى فاشية أو وباء ولابد من توفير التأهب الكافى، ونعمل على إطلاق حملة لشلل الأطفال ومنع الأمراض الأخرى، ونعمل اليوم لدعم فلسطين وسوريا واليمن والسودان، ونبذل قصارى جهدنا وحل مشكلة التمويل، ورأينا ذلك فى لبنان ونبذل قصارى جهدنا وفى حالة تصعيد العنف نحاول أن نحصل على تغطية الخدمات الصحية،
وفي ذلك السياق، قد حذر الدكتور عبد الناصر أبو بكر، ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان من سوء الأوضاع الصحية والبنية التحتية التي أصبحت شبه عاجزة عن الخدمات، ومنها تغيب خدمات المياه والصرف الصحي، والتي تعزز ظهور أمراض معدية مثل الكوليرا، وفي ظل الظروف الصعبة الناجمة عن الصراع الحالي أضاف أن الأولوية الآن لتعزيز نظام المراقبة وتحسين خدمات المياه والصرف الصحي لوقف العدوى في مهدها.
يأتي تفشي المرض في ظل أزمات متلاحقة، حيث يواجه لبنان ضغطًا متزايدًا على نظامه الصحي نتيجة الأزمة الاقتصادية والنزوح الداخلي بسبب القصف الإسرائيلي منذ سبتمبر 2024 الماضي.
نزوح الأهالي وانتشار الأوبئة
وتشير الإحصاءات إلى نزوح أكثر من 896 ألف شخص من مناطق الجنوب وجنوب بيروت ومحافظة بعلبك-الهرمل، حيث اتجهت النسبة الأكبر منهم نحو محافظات جبل لبنان وعكار وشمال بيروت، ما أدى إلى اكتظاظ الملاجئ في تلك الفترة وظهور ظروف معيشية مزرية، حيث تعيش معظم الأسر النازحة في ملاجئ غير مجهزة، تفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والصرف الصحي، وهو ما يرفع احتمالات انتشار الأوبئة بشكل واسع.
كيف واجهت منظمة الصحة خطر الأوبئة أثناء الحرب
في مواجهة هذه التحديات، قامت وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية بتفعيل خطة طوارئ شاملة تهدف إلى تحسين الرعاية الصحية وتعزيز المراقبة الوبائية، بما في ذلك إجراء تحاليل بيئية واسعة لتقييم تلوث المياه.
تُجري الجهات الصحية مناقشات حول إدخال لقاحات الكوليرا الفموية إلى المناطق الأكثر عرضة للخطر، وهو إجراء قد يكون ضروريًا لاحتواء التفشي ومنع انتشاره على نطاق واسع.
وحذرت المنظمة من تفشي الأمراض بسبب التكدس في ملاجئ النازحين وإغلاق المستشفيات نتيجة تصاعد العنف، وأوضح إيان كلارك، مسؤول المنظمة في بيروت، أن خمسة مستشفيات خرجت عن الخدمة وأربعة أخرى تعمل دون كفاءة.
في الوقت نفسه، أعرب برنامج الأغذية العالمي عن مخاوفه بشأن قدرة لبنان على توفير الغذاء نتيجة احتراق مساحات زراعية واسعة وهجر الأراضي في جنوب البلاد.
وصرح مدير البرنامج في لبنان، ماثيو هولينجورث، أن الإنتاج الزراعي يواجه خطر التلف بسبب تعذر حصاد المحاصيل وتعرضها للعفن، مما يزيد من تحديات الأمن الغذائي في ظل استمرار التصعيد.
دعم المنظمات الإنسانية لمواجهة التحديات المتزايدة
تسعى المنظمات الإنسانية، مثل منظمة أطباء بلا حدود، للتصدي لأزمة الأمراض من خلال توفير خدمات صحية أساسية، وتوزيع مواد الإغاثة، وإطلاق حملات توعية حول النظافة الشخصية، إلا أن القيود الأمنية والدمار الناجم عن الحرب تجعل وصول المساعدات إلى المناطق المتضررة مهمة معقدة.
وتتحدث إيتا هيلاند هانسن، نائبة منسق الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود في لبنان، حديثها بتحذير شديد اللهجة: "إن الوضع الإنساني في لبنان على وشك الانهيار، إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، فإن معاناة الناس وخسائر الأرواح ستستمر بالتصاعد".
يظهر هذا الواقع المأساوي التداخل المعقد بين الأزمات الصحية، الاقتصادية، والإنسانية التي يعيشها لبنان اليوم، مما يتطلب استجابة عالمية شاملة لتخفيف معاناة الملايين من السكان.
أكدت مديرة منظمة إنقاذ الطفولة في لبنان، جينيفر مورهيد، أن الأطفال في لبنان يواجهون خطرًا مزدوجًا يتمثل في القنابل والأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات.
وأشارت إلى أن ظهور أول حالة إصابة بالكوليرا العام الماضي كان نتيجة انخفاض كبير في معدلات التطعيم، وأضافت أن آلاف الأطفال المعرضين للخطر يفتقرون الآن إلى الحماية اللازمة، ومع اقتراب فصل الشتاء، سيزداد خطر تعرضهم لأمراض مثل الحصبة والتهاب السحايا والتهاب الكبد الوبائي، كما شددت على ضرورة التحرك الدولي الفوري لمنع كارثة إنسانية.
تعمل منظمة إنقاذ الطفولة في لبنان منذ عام 1953، ومنذ أكتوبر 2023 قامت بتوسيع استجابتها الإنسانية لدعم الأطفال والأسر النازحة من اللبنانيين، وشملت جهودها الطارئة تقديم المساعدات في 194 مأوى جماعي في أنحاء البلاد.
وقدمت المنظمة الدعم لأكثر من 110,000 شخص، بينهم 47,000 طفل، من خلال توفير النقود، والبطانيات، والمراتب، والوسائد، والطرود الغذائية، وزجاجات المياه، ومستلزمات النظافة الأساسية.
وفي سياق متصل، أشار الدكتور عبد الناصر أبو بكر، خلال مؤتمر صحفي، إلى غياب خدمات المياه والصرف الصحي إضافة إلى نقص التطعيمات الضرورية، وأكد أن المنظمة تعمل على إطلاق حملة لمكافحة شلل الأطفال والوقاية من الأمراض الأخرى.
من جانبه، أوضح الدكتور أحمد زويتن، القائم بأعمال مدير الطوارئ الصحية في المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، أن تحقيق السلام هو الحل الأهم لمنع تفشي الأوبئة.
وأضاف أن المنظمة تسعى لتوسيع نطاق الخدمات الصحية بالتعاون مع الشركاء، وتعزيز أنظمة الترصد الوبائي، وضمان الجاهزية للتعامل مع الطوارئ، مشيرًا إلى جهود المنظمة في دعم فلسطين وسوريا واليمن والسودان رغم تحديات التمويل المتزايدة.