تتلاحق الأنباء الخاصة بأزمة فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية، كاشفة عن الكواليس التي دارت في خفاء اتخاذ هذا القرار من قبل الرئيس يون سيوك يول، الذي كان يعتزم تقويض الحياة السياسية في البلد الديمقراطي، وذلك عبر اعتقال قادة الأحزاب السياسية، في قرارات كان لن ينجو منها زعيم حزبه.
كواليس قرار الأحكام العرفية
وقال هان دونج هون، زعيم حزب سلطة الشعب الحاكم، إنه أجرى محادثات مع الرئيس يون سيوك يول -اليوم الجمعة- لكنه لم يسمع شيئًا يمكن أن يغير موقفه الأولي الذي يدعو إلى التعليق السريع لمهام يون الرئاسية.
وأضاف "هان" للنواب في الحزب خلال اجتماع مغلق في البرلمان، إن الرئيس "يون" لن يتخذ أي إجراءات خاصة في الوقت الحالي فيما يتعلق بإعلانه المفاجئ للأحكام العرفية.
وسبق ذلك دعوة زعيم الحزب الحاكم إلى إيقاف "الرئيس" على خلفية فرض الأحكام العرفية في البلاد، وذلك من أجل حماية البلاد وشعبها، بالنظر إلى الحقائق التي تم الكشف عنها مؤخرًا.
ويأتي ذلك الموقف بناء على ما تبين له، حيث تأكد عن طريق أدلة موثوقة من حقائق تفيد بأن "الرئيس" أمر قائد مكافحة التجسس، يو إين هيونج، باعتقال كبار السياسيين على أساس أنهم قوى مناهضة للدولة في يوم إعلان الأحكام العرفية، بحسب ما صرح به"هان".
اتصالًا بما سبق، قال هونج جانج وون، النائب الأول لرئيس وكالة الاستخبارات الوطنية، إن الرئيس "يون" أمر باعتقال زعماء الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة الرئيسية وسياسيين بارزين آخرين، فور إعلانه الأحكام العرفية.
والمفاجأة أن القائمة تضمنت زعيم الحزب الحاكم، إلى جانب زعيم الحزب الديمقراطي، لي جيه ميونج، ورئيس الجمعية الوطنية "البرلمان"، وو وون شيك، وزعيم الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي، بارك تشان ديه، وزعيم حزب إعادة بناء كوريا المعارض الصغير، جو كوك، وسياسيين آخرين.
وكان "هان" قد تعهد أمس الخميس، ببذل جهودًا لتوحيد الصف في حزبه لمنع تمرير مقترح تقوده المعارضة لعزل "الرئيس"، وذلك عقب تقديم الحزب الديمقراطي المعارض الرئيسي وخمسة أحزاب صغيرة مقترحًا لعزله.
ومن جانبه، رحب زعيم الحزب الديمقراطي، لي جيه ميونج، بتصريحات زعيم حزب سلطة الشعب الحاكم الداعية إلى التعليق السريع لمهام الرئيس "يون".
وأكد على أن إعلان حالة الأحكام العرفية هو تمرد من قبل الرئيس يون للحفاظ على سلطته ومحاولة توسيعها، واصفًا ذلك بالخيانة والانقلاب الذي دبره موالون له.
وتابع:"لا يمكننا أن نوكل إدارة شؤون الدولة ولو للحظة لرئيس هدد حياة الشعب بأفعال غير دستورية وغير قانونية، ويجب استبعاده من منصبه في أسرع وقت ممكن وترك مسألة بقائه في المنصب لحكم وقرار الشعب".
وشدد على أن عزل "يون" ليس موضوعًا للصراع السياسي بين الحزب الحاكم والمعارضة، بل هو قضية تتعلق بأمن 52 مليون مواطن ومستقبل كوريا الجنوبية، ويجب إنهاء هذه الأزمة الوطنية التي تسبب بها الرئيس يون في أسرع وقت ممكن.
ويعتزم الحزب الديمقراطي إجراء التصويت على مقترح عزل "الرئيس"، غدًا السبت، الموافق السابع من ديسمبر، بسبب إعلانه الأحكام العرفية، ورفعها لاحقًا.
وأفاد الحزب بأنه يخطط لإجراء التصويت على الاقتراح في غضون الساعة السابعة بعد ظهر السبت للسماح لنواب حزب سلطة الشعب الحاكم بوقت كاف للنظر في قرارهم بشأن تصرفات يون.
ويتطلب الاقتراح موافقة ثلثي الأعضاء في البرلمان، ومن أصل 300 عضو في الجمعية الوطنية، ستحتاج المعارضة إلى ثمانية أصوات من حزب سلطة الشعب الحاكم لتمرير الاقتراح، حيث يبلغ عدد النواب المعارضين بمن فيهم رئيس الجمعية الوطنية وو وون سيك، والنائب المستقبل كيم جونج مين، 192 نائبًا.
فرض الأحكام العرفية
ودخلت كوريا الجنوبية في خضم أزمة سياسية بشكل متسارع للغاية، وذلك عقب إعلان رئيسه يون سوك يول، الثلاثاء، فرض "الأحكام العرفية" في عموم البلاد، إثر اتهامه المعارضة بالتورط في أنشطة مناهضة للدولة.
وبرر الرئيس الكوري تلك الخطوة، بأنها تستهدف القضاء على القوات الموالية لكوريا الشمالية، والحفاظ على الحرية والنظام الدستوري، لكن هناك من ربطها برفض الحزب الديمقراطي المعارض مشروع قانون الميزانية في البرلمان.
أما كتلة المعارضة بالبلاد ذكرت أن القرار الرئاسي بإعلان الأحكام العرفية، يأتي في سياق حماية السيدة الأولى كيم كيون هي، من تحقيق تخضع له، في إشارة إلى تهمة قبول حقيبة "كريستيان ديور" بقيمة 2200 دولار هدية، وهو انتهاك محتمل لقانون مكافحة الفساد في كوريا الجنوبية.
وعلى إثر ذلك، عقد برلمان كوريا الجنوبية، الثلاثاء، جلسة للمطالبة برفع الأحكام العرفية، وهو ما تم بالفعل، خلال الجلسة التي حضرها 190 عضوًا من أصل 300.
وذكر البرلمان أن الأحكام العرفية المعلنة في البلاد أصبحت "لاغية" بعد التصويت، وتباعًا غادر بشكل كامل جميع الجنود الذين كانوا قد دخلوا إلى المبنى الرئيسي للبرلمان، عقب إصدار القرار الرئاسي المشار إليه.
وفي غضون ذلك، قرر الرئيس "يون"، اليوم الأربعاء، رفع الأحكام العرفية بعد التصويت البرلمان، وعلى إثر ذلك جرى سحب كافة القوات التي تم حشدها لتطبيق الأحكام العرفية.
وبعد أن رضخ الرئيس "يون" لقرار السلطة التشريعية المتمثلة في "البرلمان" ورفع الأحكام العرفية، التي سبق أن أقرها، وجد نفسه أمام أصوات من كل ناحيه تطالبه بالتنحي قبل أن يعزل.