سقط حكم بشار الأسد في سوريا بعد أن تمكنت الفصائل المسلحة من السيطرة على العاصمة دمشق، وسط تباين في الرؤى حول ما سيؤول إليه الوضع الراهن، في ظل السقوط المتسارع الذي لحق بنظام حكم تمتد جذوره لأكثر من 60 عامًا.
المشهد في سوريا
أعلن التلفزيون الرسمي السوري، اليوم الأحد، سقوط نظام بشار الأسد، حيث بث شاشة حمراء كُتب عليها: "إسقاط نظام الأسد".
جاء ذلك بعد أن فقد نظام "الأسد" السيطرة على العاصمة دمشق وسقوطها في قبضة فصائل سورية مسلحة.
ودعا التلفزيون السوري المواطنين إلى الامتناع عن ترويع المدنيين بإطلاق النار في الساحات العامة والشوارع، مشدداً على أهمية الحفاظ على الهدوء والالتزام بحماية السلم الأهلي في ظل الظروف الراهنة.
ومن جهته، أكد رئيس الوزراء، محمد غازي الجلالي، أن الحكومة تمد يدها لكل مواطن سوري حريص على مقدرات هذا البلد، مشددًا في الوقت ذاته على أنه ينبغي الحفاظ على كل مؤسسات الدولة السورية.
ورفض رئيس الحكومة مغادرة البلاد، لضمان استمرار عمل المؤسسات العامة ومؤسسات ومرافق الدولة وإشاعة الآمان والاطمئنان للشعب السوري.
وقال "الجلالي" - في بيان - "أيها السوريون أنا في منزلي لم أغادره، بسبب انتمائي لهذا البلد وعدم معرفتي لأي بلد آخر غيره وطننا".
وأضاف:" في هذه الساعات التي يشعر فيها الناس بالقلق والخوف رغم أنهم جميعًا حريصون على هذا البلد وعلى مؤسساته ومرافقه فإنه حرص على المرافق العامة للدولة والتي هي ملك لكل السوريين"، لافتًا إلى أنه يمد يده لكل مواطن سوري حريص على مقدرات هذا البلد.
وأهاب رئيس الوزراء بالمواطنين جميعًا عدم المساس بأي أملاك عامة لأنها في النهاية هي أملاكهم، قائلًا: "أنا هنا في منزلي لا أغادره ولا أنوي مغادرته إلا بصورة سلمية بحيث أضمن استمرار عمل المؤسسات العامة ومؤسسات ومرافق الدولة وإشاعة الآمان والاطمئنان للأخوة المواطنين وأنني أتمنى على الجميع أن يفكروا بعقلانية وأن يفكروا بوطنهم".
وواصل:" نؤمن بسوريا لكل السوريين، وأنها بلد جميع أبنائها وأن هذا البلد يستطيع أن يكون دولة طبيعية ودولة تبني علاقات طيبة مع الجوار، والعالم دون أن تدخل في تحالفات أو تكتلات إقليمية، لكن هذا الأمر متروك لأي قيادة يختارها الشعب السوري".
وفي هذا الشأن، قالت وزارة الخارجية السورية، إن استمرارنا بمهامنا يأتي انطلاقًا من الأمانة التي نحملها في تمثيل الشعب السوري وبأن الوطن يبقى هو الأسمى، مشيرة إلى أن اليوم صفحة جديدة في تاريخ سوريا لتدشن عهدًا وميثاقًا وطنيًا يجمع كلمة السوريين ويوحدهم ولا يفرقهم.
وأكدت ضرورة العمل من أجل بناء وطن واحد يسوده العدل والمساواة ويتمتع فيه الجميع بالحقوق والواجبات كافة.
وأوضحت الخارجية السورية، أن الوزارة وبعثاتها الدبلوماسية في الخارج ستبقى على عهدها بخدمة المواطنين وتسيير أمورهم.
ماذا حدث؟
وبهذا الشأن، قال الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن أكثر المتفائلين والمتشائمين لم يكونوا يتوقعوا هذه السرعة في سقوط سوريا بالكامل من إدلب لحلب لحماة لحمص إلى دمشق.
وأضاف "غباشي" في تصريحات تليفزيونية، اليوم الأحد، أنه حتى مساء أمس، خرج وزير الداخلية السورية السابق، وقال إن هناك تحصينات كبيرة في محيط دمشق وأنه صعب جدًا اختراق هذه التحصينات، وفوجئنا بالعصبة الحمراء وهي القوات الخاصة التابعة للمعارضة والتي دخلت دمشق من الناحية الغربية من حمص إلى ريف دمشق إلى داريه إلى مطار المزه العسكري وأحدثت هذه العصبة فارق كبير في سيطرة المعارضة عسكريًا على الكثير من المدن داخل الساحة السورية خاصة حمص وحلب ودمشق.
وتابع، أن السوريين فرحين بأشكال المقاومة والحديث أشبه عن انتقال سلس للسلطة، وهناك تعليمات من قادة المعارضة بعدم الدخول للمؤسسات الحكومية من أي فرد من المعارضة، موضحًا: "دخول المعارضة لوزارة الداخلية والقصر الرئاسي هو دخول احتفالات ورئيس الوزراء السابق مازال يسير الأعمال وما يحدث هو إسقاط تماثيل لحافظ وبشار الأسد وإطلاق النيران في الشوارع".
وأردف "غباشي"، أن الوضع في سوريا كان فئويا حيث السيطرة الكاملة من الطائفة العلوية والتي تمثل من 5 % إلى 7% من الشعب السوري وكان من الواضح أن هذه السيطرة لم تكن على إرادة قادة وأفرع الجيش لأنه السر الكبير وراء تسليم كل قادة وأفرع الجيش السوري أسلحتها وترك الدبابات في الشارع وخلع الزي الميري، موضحًا أن هناك حوالي 3 آلاف جندي سوري سلموا أنفسهم إلى الحكومة العراقية، قائلًا: "تسليم أغرب للخيال ومراقب الأوضاع لم يكن يتوقع ذلك والمحيط الإقليمي والكل في مرحلة ذهول حول السر الذي جعل سوريا تتساقط بهذا الشكل وتسيطر المعارضة بشكل كبير".
وأكد: "أتصور أن الخوف من تقسيم سوريا أو غيره بعيد تمامًا، ومن الواضح أن هناك تنسيق كامل بين المعارضة المسلحة والمعارضة المدنية وتكاتف الشعب حولهم ومن الواضح نداءاتهم للسوريين خارج الدولة السورية بالرجوع للوطن وعودة عصور الحرية".
فيما قال الدكتور محمد عبد العظيم الشيمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، إن هناك مخططات تنسج للمنطقة العربية في السنوات ما بعد عام 2011 لإعادة تشكيلها، معقبًا: "فمن وقت لآخر نجد مجموعة من الإرهاصات الخاصة بعمليات التشكيل التي تحدث والتي تستهدف مجموعة دول بعينها، مثلما حدث في العراق في عام 2003 وفي سوريا مؤخرًا وفيما بينهم في عدد كبير من التجارب المحيطة والتي تستهدف ضرب مفهوم الدولة الوطنية وطبيعة الجانب المؤسسي".
وأضاف "الشيمي" في تصريحات تليفزيونية، اليوم الأحد، أن عملية الحراك وانتقال السلطة يحدث في جميع دول العالم ولكن ليس بهذا الشكل فأن عمليات انهيار الدول بدون انتقال مناسب وسلس للسلطة وبسيط يخلق حالة من الشقاق وعدم الاستقرار، موضحًا أنه بالنظر لما يحدث في الدول الديمقراطية فإن الانتقال السلمي للسلطة وبقاء المؤسسات يعتبر النقطة الفارقة التي يمكن من خلالها أن تمارس الدولة عملها السياسي وعملها الديمقراطي بصفة مستمرة ودائمة.
وواصل، أن ديمومة العملية الديمقراطية وانتقال السلطة مرتبط في واقع الأمر بالعملية المؤسسية، موضحًا أن ما يحدث في سوريا حاليًا لا يمكن وصفه بأنه انتقال للسلطة ولكن بوصفه أنه محاولة لإعادة تشكيل الدولة السورية وفقًا لرؤى مختلفة ومصالح مرتبطة بدول خارج الشرق الأوسط ودول جوار من جانب آخر.
وأردف أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، أن الربيع العربي مصطلح درج استخدامه وفق للمصالح، فهو ربيع للدول التي لها مصالح في الشرق الأوسط والتي تسعى لتحقيقها، وليس لدول المنطقة في حد ذاتها، مضيفًا: "نتحدث عن 3 موجات حدثت في الشرق الأوسط منذ 2011 وحتى الآن وهي موجات واكبت التغيرات في هذه الأنظمة وعدد من هذه الأنظمة حدث فيها تغير جزئي وكلي وأصبحنا نتحدث عن كم غير مسبوق من الدول الفاشلة التي ليست لديها مؤسسية يمكن من خلالها نقل إدارة الدولة أو نقل أي سلطة لأي أنظمة مستقبلية".