تعد القراءة أحد المصادر المعرفية للإنسان وتسهم بدور فاعل في تشكيل الفكر والسلوك الإنساني ولايمكن نسيان نصحية أستاذي الكاتب الصحفي والفيلسوف محمد زكي عبدالقادر «رحمه الله» عندما قال لي: لكي يكون الإنسان كاتبا جيدا لابد أن يكون قارئا جيدا ومن خلال ذلك تفهمت مدى وعى والدي رحمه الله، عندما كنت طالبا حيث كان يزودني بالكتب والمجلات ويشجعني على القراءة حتى صارت عادة جميلة صاحبتني في مسيرة حياتي وفي هذا الصدد أتوقف مع كتاب قرأته مؤخرا وأعجبت به وهو (علماء مصريون عظماء وقصص نجاحهم الملهمة.. العلماء المجمعيون) الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين ضمن إصدارات سلسلة دنيا العلم وهذا الكتاب تأليف الدكتور حامد عبد الرحيم عيد أستاذ الكيمياء بجامعة القاهرة وهو يتمتع بخبرة تزيد على 50 عامًا في الإدارة العليا والاستشارات والمناصب الأكاديمية وأمضى أستاذ الكيمياء أكثر من 30 عامًا في أبحاث الكيمياء بكلية العلوم جامعة القاهرة ونشر أكثر من 33 بحثًا وقد غمرتني السعادة عندما أعلنت وزارة الثقافة جوائز الدولة.. النيل والتقديرية والتفوق والتشجيعية.. التي تُمنح للمبدعين في مجالات الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية وفاز بجائزة التفوق في العلوم الاجتماعية الدكتور حامد عبد الرحيم عيد.
يلقي الكتاب الضوء على كوكبة من أعاظم الأساتذة في كل فروع العلوم الطبيعية في الرياضيات والفلك والطب والكيمياء والجيولوجيا والجغرافيا، نما انتماؤهم لمصر في ذلك الوقت وتمازجت أرواحهم في كيان واحد وهو الكيان المصري وحرص هؤلاء العظماء من علمائنا الموسوعيين الذي ضم مجمع الخالدين للغة العربية أكثرهم فسموا بالعلماء المجمعيين نسبة لمجمع اللغة العربية، وكان ذلك ظاهرة من ظواهر النهضة المصرية فنرى أساتذة الرياضيات والطب والفلك وعلوم الحيوان والحشرات والنبات من أمثال الدكتور على إبراهيم ففي عام 1902 انتشر وباء غريب في قرية موشا بالقرب من أسيوط وحارت مصلحة الصحة في أمر هذا الوباء وانتدبت الدكتور علي إبراهيم للبحث عن سببه وهنا ظهرت الفوائد العملية الحقيقية لدراسات الدكتور علي إبراهيم المتعمقة إذ لم يلبث فترة قصيرة إلا وتوصل إلى حقيقة الداء وقرر أن الوباء هو الكوليرا الأسيوية واستطاع أن يدرك أن مصدر هذا الوباء هو الحجاج الذين حملوا معهم ميكروبه عند العودة من الحج وبعث الدكتور علي إبراهيم بقىء المرضى إلى مصلحة الصحة لتحليله فردوا عليه بأن القيء خال من ميكروب الكوليرا فلم يكن منه إلا أن أرسل إليهم مرة ثانية ليعيدوا تحليله وكان قرار الطبيب الشاب موضع مناقشات طويلة انتهت برجوح كفته واستجيب لمقترحاته في اتخاذ الاحتياطات اللازمة للمرض قبل انتشاره بالصورة الوبائية.
يعد الدكتور علي إبراهيم من أوائل الجراحين المصريين وأول عميد مصري لكلية طب قصر العيني وفي شهر يناير 1930 ألف الجمعية الطبية المصرية عقب اجتماع دعا إلى عقده وزملاؤه الذين أصدروا المجلة الطبية المصرية كما تولى وزارة الصحة في الفترة من 28 يونيو 1940 إلى 30 يوليو عام 1941 وكان عضواً بمجمع اللغة العربية وفي شهر سبتمبر 1941 أي بعد خروجه من الوزارة مباشرة كما ترأس جامعة القاهرة وأسس نقابة أطباء مصر عام 1940، وكان أول نقيب لأطباء مصر وأسس مستشفى الجمعية الخيرية بالعجوزة وقد بدأ الكتاب بعرض السيرة العلمية للدكتور علي باشا إبراهيم الجراح الأسطوري النابغة والذي كان فلتة طبية نادرة في الزمن الذي عاش فيه وحقق فيه من الشهرة ما لم يسبقه إليها طبيب مصري.
أيضا من الشخصيات التي ضمها الكتاب.. العالم الرائد في علم الحشرات الدكتور محمود حافظ الرئيس السابق للمجمع العلمي المصري ومجمع اللغة العربية بالقاهرة وهو أول مصري يحصل على شهادات الدكتوراه في علم الحشرات وثاني مصري يجمع بين رئاسة مجمع اللغة العربية والمجمع العلمي بعد عميد الأدب العربي طه حسين وقد توفى بعد مرور أسبوع واحد من حريق المجمع العلمي إثر احتجاجات شهدتها القاهرة عام 2011 م.
أيضا من الشخصيات التي ضمها كتاب (علماء مصريون عظماء وقصص نجاحهم الملهمة.. العلماء المجمعيون ) تأليف الدكتور حامد عبد الرحيم عيد أستاذ الكيمياء بجامعة القاهرة نتوقف مع شخصية جديرة بالتقدير وتقديمها للأجيال الحاضرة والقادمة أنه الدكتور محمد مرسي أحمد الذي أحدث نشاطا كبيرا في خدمة العلوم الرياضية فقد اشترك في تأسيس الجمعية المصرية للعلوم الرياضية والطبيعية عام 1936 وقد مثل الجامعة في كثير من المؤتمرات العلمية ودعته جامعة إستانبول عام 1951 لإلقاء سلسلة من المحاضرات على طلبة البحوث كان الدكتور محمد مرسي أحمد من المتحمسين لتدريس العلوم في الجامعة باللغة العربية وقد بدأ بنفسه في أواسط الثلاثينيات بتدريس علوم الرياضة باللغة العربية لطلاب الفرقتين الأولى والثانية لكلية العلوم وله مؤلفات باللغة العربية في هذا المجال كما قام بترجمة العديد من كتب الرياضيات من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية ومن مآثره كتاب المختصر في الجبر والمقابلة للخوارزمي بمشاركة الدكتور علي مصطفى مشرفة وله أبحاث عديدة منشورة في مجموعة أعمال الجمعية الرياضية بأدنبره وأعمال الجمعية الرياضية بلندن وأعمال الأكاديمية العلمية بباريس والمجلة الرياضية الفرنسية، وهو أول مصري اشترك في إنشاء جامعة الرياض بالمملكة العربية السعودية وانتخب لعضوية مجمع اللغة العربية عام 1962 وشارك في كثير من لجانه ونشاطه، كما كان عضوا بمجلس أكاديمية البحث العلمي ورئيساً للمجلس النوعي للعلوم الأساسية ورئيساً للجمعية الرياضية الطبيعية وعضو المجمع العلمي المصري ولاتحاد العلمي واختير عضواً بالمجلس القومي للتعليم عام 1974، وكان رئيساً لشعبة التعليم الجامعي والبحث العلمي به، منحه الملك فاروق درجة البكوية سنة 1951 ومنحته الدولة جائزة الدولة التقديرية في العلوم عام 1964 ووسام الاستحقاق من الدرجتين الثانية والأولى وكذلك وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
أيضا من الشخصيات التي ضمها الكتاب د. حامد جوهر رائد علوم البحار فقد انتقل من كلية الطب إلى العلوم وحصل على بكالوريوس العلوم مع مرتبة الشرف الأولى فعُيِّن معيدا في قسم علوم الحيوان بالكلية وفي سنة 1931 أي بعد عامين من تخرجه تقدم بأول رسالة تقدّم إليها لنيل درجة الماجستير وكان موضوعها التشريح الدقيق وهستولوجيا الغدد الصماء في الأرنب.
انتقل الدكتور حامد جوهر بعد ذلك للعمل بمحطة الأحياء البحرية بالغردقة وتولى إدارتها منذ إنشائها ولمدة 40 سنة وتابع البحث العلمي في كائنات البحر الأحمر حتى حصل على درجة الدكتوراه في العلوم في هذا الفرع من المعرفة ويعد أول من حصل عليها في مصر وأطلق عليه ملك البحر الأحمر.
أنشأ الدكتور حامد جوهر معهد الأحياء المائية بعتاقة بالسويس وأقام به متحفًا آخر لأحياء البحر الأحمر وعمل مستشاراً للعلوم والتكنولوجيا بجامعة الدول العربية سنة 1970 وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1973 وشارك في المعاجم العلمية العربية التي أصدرها مجمع اللغة العربية وأبرزها معجم البيولوجيا في علوم الأحياء والزراعة الذي استغرق 8 سنوات من عام 1976م وحتى عام 1984م وشارك فيه بعض من كبار العلماء العرب كما كان مستشاراً للسكرتير العام للأمم المتحدة لتنظيم المؤتمر الدولي الأول لقانون البحار في جنيف عام 1958 واختارته الوكالة الدولية للطاقة الذرية سنة 1959 رئيساً للجنة التخلص من النفايات النووية في أعماق البحار وكان عضواً باللجنة الاستشارية لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة وهو أول رئيس لجمعية علم الحيوان بجمهورية مصر العربية عند إنشائها سنة 1958 ورئيس الجمعية المصرية لعلوم البحار وزميل الأكاديمية المصرية للعلوم ونائب رئيس المجمع المصري للثقافة العلمية وزميل أكاديمية علم الحيوان الدولية بالهند وزميل الأكاديمية الدولية لعلوم المصايد بروما وعضو المجلس الأعلى للمصايد منذ إنشائه وكان له برنامج تليفزيوني أسبوعي شهير يذاع يوم الجمعة وهو عالم البحار واستمر عرضه لمدة 18 عاماً وحصل الدكتور حامد جوهر على جائزة الدولة التقديرية في العلوم سنة 1974 ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى سنة 1975م.
كتاب (علماء مصريون عظماء وقصص نجاحهم الملهمة.. العلماء المجمعيون) تأليف الدكتور حامد عبدالرحيم عيد أستاذ الكيمياء بجامعة القاهرة تضمن السيرة العلمية لأكثر من 30 عالمًا مصريا نموذجًا جيدًا للغاية لما يجب أن يكون عليه تاريخ السير العلمية من تجرد وأمانة وموضوعية بعيدًا عن التحيز أو المبالغة أو محاولة إظهار هؤلاء العلماء في حجم أكبر من حقيقتهم أو بالتركيز على بعض جوانب سيرتهم وإغفال البعض الآخر وفي الختام نؤكد على أننا في مسيس الحاجة لمثل هذا الكتاب المتميز حتى يكونوا علماء الأمة المثل والقدوة فهم في مقدمة ركب التقدم وحملة مشاعل نور العلم والثقافة والعقول الواعية.