يهدف المشروع الثقافي للأديب د. صلاح شعير إلى تحليل مجتمع القرية -شديد الخصوصية- والمقارنة بين القديم والجديد، وبيان أثر العولمة والسموات المفتوحة والغزو الثقافي على السلوك الفردي والجمعي، إضافة إلى الآثار النفسية والاجتماعية التي نجمت عن هذا التغير.
وتعد روايته "توتة محبوب" التي ناقشها اتحاد كتاب مصر مؤخرًا، إحدى ثلاثية رواياته عن القرية المصرية، التي ضمت إلى جانبها روايتي "أحلام الملائكة" و "كفر الهوي".
يقول شعير في تصريح خاص لبوابة "دار الهلال": "تغوص الثلاثية في خصوصية القرية، ككيان اجتماعي يحوي الكثير من التفرد، ولدي أمل أن أتمكن من إنجاز مشروعي الثقافي، الذي يهدف إلي تناول الكثير الموضوعات التي تخص القرية، وخاصة التي تحتاج المزيد من التحليل النفسي والاجتماعي".
ويضيف حول روايته "توتة محبوب": "من الروايات التي استمتعت بكتابتها، لأن الغوص في أعماق الريف يحتاج إلى تطريز خبرة المعايشة اليومية للواقع بالدراسات التاريخية والمراجع العلمية، ولأن الأدب الجاد يتطلب المزيد من المعلومات لصياغة الأحداث بصورة مقنعة، ما يضمن نجاح المنتج الثقافي، وربما استغرقت القراءة المتخصصة، ضعف زمن الكتابة الروائية لها، والتي لم تتجاوز ثلاثة أشهر على الأكثر، لأن الأفكار كانت قد تبلورت في الذهن".
ومن ناحية كواليس نشر الرواية يقول: "بعد الانتهاء من كتابة الرواية تأتي مشكلة النشر، حيث الواقع المؤلم، فالكثير من الناشرين غير متخصصين، أو وكلاء طبع بعقد وكالة، يقتصر دورهم على طبع النص الأدبي وتسليمه للمؤلف، أما في حالة قيام الناشر بمهمة البيع وعمل الدعاية والتسويق، يفاجأ الكاتب أن النص مكدس في المخازن، لأن بعض الناشرين غير مؤهلين لهذا العمل، وتحدث هذه الفوضى، لأن فيلق من الناشرين اعتادوا الحصول على التكاليف والربح من المؤلف قبل بيع نسخة واحدة، كما أن النشر مقابل المال فقط بغض النظر عن جودة المحتوى، تسبب في عرض الكثير من السلع الأدبية الرديئة في الأسواق، وانصراف القراء عن الشراء".
ويتابع: "في ظل هذه المعادلة كان من المستحيل حرق رواية "توتة محبوب" في حانات النشر غير الجادة، لذا بعد عامين من كتابة الروية، اتصلت بي صاحبة إحدى دور النشر دون سابق معرفة، من أجل التعاون، وبعد قراءتها للرواية تحمست لنشرها، وطبعتها ورقيًا، ثم عرضتها إلكترونيًا على متاجر الكتب، ما جعل الرواية متاحة للقرّاء بالبلدان العربية كافة، وهو من الأمور الجيدة، لأن وجود ناشر يعي قيمة ما ينشر، يعني أن الرواح لا تزال تسري في جسد هذه الصناعة".
ومن ناحية مناقشة "توتة محبوب" يؤكد: "كنت مترددًا في ذلك، لأن بعض الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالنقد، يقدمون أنفسهم على أنهم نقاد، دون أن تكون لديهم خبرة حقيقة في هذا المجال، بخلاف من ينتمون إلى مدرسة الجمود الفكري، الذين يحاكمون النص بعيدًا عن سياقه الفني، أو من يعتبرون أن حضور الندوات عملية للتنفيس عن النفس، أو إثبات الذات، وغيرهم من أدعياء، وقد تعودت في جميع المناقشات التي تتناول أعمالي، قبول جميع الآراء بصدر رحب، خاصة تلك التي تمثل إضافة حقيقة إلى المؤلف، لأن النقد الجاد يضيف خبرات جديدة ترفع المهارة الفنية للكاتب، كما تعودت عدم التوقف عند الآراء السلبية، نتيجة عدم القدرة على استيعاب النص، أو التي تقال عن سوء نية".
وتناقش "توتة محبوب" أحوال القرية المصرية خلال 200 عام، وخاصة الفلاح المصري خلال تلك الفترة، وما تعرض له من ظلم، وتشير إلى صلابة المرأة القروية في مواجهة ظروف الحياة القاسية، ومشاركتها للرجل في أعمال الحقل علاوة على القيام بالإضافة إلى الأعمال المنزلية.
وتقدم عدة نماذج للنساء اللواتي فَقدن القدرة على حماية أنفسهن من سطوة المنحرفين، أو تعرضن للقهر الاجتماعي من قبل الذكور وبعض الأثرياء.
وتناولت الرواية العديد من القضايا التي تدور في كواليس القرية، كالمؤامرات التي يحكيها رأس المال المستغل، أو التي تحدث في العلن، كقيام الاحتلال البريطاني باستحداث نظام العمودية لإدارة القرية، بدلا من شيخ البلد، على أساس ما يحوزه الفرد من أراض زراعية، وكيف تحول بعض الإقطاعيين إلى أعوان الاحتلال، وقد أسفرت التغيرات الاقتصادية بعد يوليو ١٩٥٢ عن تأكل ممتلكات العمد بالتدريج، حتي أصبحت هذه الوظيفة في متناول الشخص العادي.