في العدد السادس من مجلة الهلال والمنشور بتاريخ الأول من يونيو من عام 1927م، أجرت مجلة الهلال حوارًا صحفيًا مع السيدة هدى شعراوي، باعتبارها واحدة من الرموز النسائية في الدولة المصرية أنذاك.. وإلى نص الحوار:
قلت: إنّكِ الآن يا سيدتي في طليعة النهضة النسائية فهل لك أن تعودي بالذاكرة إلى حوالي سنة 1900 وتصفي لنا حال المرأة في ذلك الوقت لكي نقدر الآن مدى التقدم؟
قالت: هذا تاريخ قديم فقد كنا كلنا محجبات قبل سنة 1900، وكان لا يجوز لواحدة منا أن تذهب إلى مخزن تجاري لكي تشتري ملابسها بنفسها، وأذكر أنّي حوالي تلك السنة تجرأت وتمردت وذهبت بنفسي إلى مخزن تجاري في الأسكندرية يحف بي الخدم والأغوات من أمام ومن خلف، واشتريت بنفسي بعض الملابس وأنا أرى الموظفين يتهامسون ويتعجبون لجرأتي في الذهاب بنفسي لشراء حاجاتي لآن العادة المتبعة في ذلك الوقت كانت تقضي بأن نبقى ببيوتنا، ونبعث في طلب ما نريد شراءه فيأتينا إلى البيت وأما نحن فلا نخرج إلى الحوانيت.
قلت: هذا عجيب فإننا نرى الحوانيت الآن خاصة بالنساء والفتيات، ولكن ألم يكن لكن جمعية ولو بمنزل إحداكن لتذاكرن فيها وتتلهين؟
قالت: كلا. وإنما أذكر أنه حوالي سنة 1898م دعتني زوجة محمود رياض باشا كما دعت غيري واقترحت علينا أن تنشئ في منزلها ميدانًا للعب التنس، وأن نؤلف منّا جمعية يشترك أعضاؤها فوافقناها. وقامت هي إلى قطعة من حديقة قصرها فهيأتها ميدانا جميلا للعب ثم لكي لا تجرح عواطفنا عمدت إلى سياج عال من الخيام فأقامته حول الميدان حتى لا يرانا أحد إذا لعبنا. وكتبت الدعوة إلى عدد كبير من السيدات فحضرنا جميعاً وخطبتنا هي وأوضحت لنا الغرض من اجتماعنا ثم دعتنا إلى القيام للميدان لكي نتعلم اللعبة فلم تتحرك واحدة منا. فأعادت الحث والحض والتحريض بلا فائدة. وأخيراً خرجت بناتها فلعبن بالميدان أما نحن فقنعنا بشرب القهوة ثم خرجت كل واحدة إلى منزلها. وفي تلك الأثناء عرفت زوجة رشدي باشا وكانت امرأة فرنسية سامية المقاصد عالية التربية، وكانت قد أوعزت إلى طائفة من السيدات أن يؤلفن ملجأ لرعاية الأطفال - فتألفت اللجة الأولى لهذا الملجأ ولكن الذين كتبوا شروط العضوية ادخلوا فيها ألفاظاً تصدم حياء المرأة وكبرياءها فلم تنضم السيدات إليها، وحدثت حادثة دنشواي سنة 1906م، وكان لليدي كرومر مستوصف رائج الحال متوافر المال يتبرع له المصريون بسخاء فكف المصريون عن التبرع وساءت حاله. فدعت الأميرة عين الحياة زوجة الأمير حسين كامل طائفة من السيدات لتأسيس "مبرة محمد علي" لكي تقوم بعمل شبيه بما يعمله مستوصف الليدي كروم. ونجحت هذه المبرة وهي لا تزال ناجحة وهي أول عمل قامت به النساء بنجاح، وعلى ذكر هذه المبرة يجب ألا ننسى فضل الآنسة كليمان الفرنسية والمدام باكوس فكلتاهما خدمت واخلصت في الخدمة، وقد انتخبت أنا رئيسة للجنة الإدارية للمبرة وحاولنا أن نؤسس للمبرة مدرسة، ولكننا لم ننجح في ذلك فاقتصرنا على المستوصف.
قلت: إنها لبداية حسنة نستبشر بها ونتفاءل اذ بدأت نساء مصر أعمالهن في الحياة العمومية بالاهتمام بالأطفال والمرضى. ولكن ألم تفكرن في ذلك الوقت في السفور؟
قالت: كلا. وإنما جاء السفور بعد سنة 1919، فإنه لما هبّت الأمة هبتها في تلك السنة وأعمل الإنجليز سيوفهم وبنادقهم ومدافعهم في شباب مصر رأيت أن الواجب يقضي عليّ بعمل ما .
فكتبت إلى الليدي برونيات اناشد فيها الحرية التي ينادي بها الحلفاء واطلب منها أن تعمل لكف أبناء وطنها عن تقتيل شبابنا في الشوارع. فلم ترد على خطابي. ثم رأينا نداءات من الطلبة يدعوننا إلى المظاهرة والمطالبة بحقوق مصر، فتخاطبنا بالتليفون واتفقنا واستأذنا السلطة البريطانية لكي تقوم بمظاهرة فلم تأذن لنا إلا إذا كنا على العربات لا نسير على أقدامنا، فرفضنا.
وأخيراً أذيع خطأ أنها أذنت لنا فخرجنا ونحن محجبات ليس فينا سافرة واحدة وأتذكر أن زوجي حاول أن يمنعني فقلت له: "اذا كنتم أنتم الرجال تعملون للوطن، وترون ذلك واجبًا عليكم فكيف تحرّمون هذا الواجب علينا"، وخرجت وسرت في المظاهرة وأنا أحمل علمها. وسرنا ونحن سكوت بين بنادق الإنجليز وتصفيق الوطنيين إلى أن بلغنا دار سعد باشا.
قلت: ولكن متى كان السفور؟
قالت: في سنة 1920، سافرت إلى رومية لمؤتمر الاتحاد النسائي، وكانت معي الآنسة سيزاه نبراوي والآنسة نبوية موسى. واشتركنا في هذا المؤتمر ورفع رأس مصر التي كان يظن أكثر الأعضاء أنها قطعة من إفريقيا معنى ومبنى. فلما عدت من رومية في تلك السنة نزعت البرقع وكان ذلك آخر عهدي به. وأنت ترى من السوق الخيرية التي أقمناها هذا الشهر إن طائفة كبيرة من النساء قد اقتنين أثري ونزعن النقاب، وكنا الآن نعرف حكمة قاسم آمين والضرر الذي ألحقه بنساء مصر معارضو آرائه.