تحل اليوم ذكرى ميلاد الأديب اللبناني الكبير جرجي زيدان، أحد أبرز الأدباء والمفكرين الذين ساهموا في صياغة نظرية القومية العربية، تميز بغزارة إنتاجه الأدبي وتأثيره العميق في الفكر العربي.
في مقالة نشرت في مجلة الهلال بتاريخ 1 نوفمبر 1914، تحدث جرجي زيدان عن "هل يسود السلام على الأرض؟" مقدما أفكارا وأقوالا مأثورة تعكس نظرته الثاقبة للمستقبل وآماله في تحقيق السلام للعالم.
قال جرجي زيدان، ما أجمل السلام وما أسعد الأمة التي يخيم عليها رواقه، فيشتغل أبناؤها عن تجنيد الجند بتشييد أبنية العلم، وعن اقتناء السلاح بالبحث والاكتشاف والاختراع، ويستعيضون عن السيف بالقلم وعن البندقية بالمحراث، فيتربع أبناؤها في بحبوحة السعادة والرفاه - كل ذلك جميل تتوق إليه النفس وتتمناه، ولكن هل من سبيل إليه؟
وأشار زيدان إلى أنه قد يسود السلام في الأمة دهرا ولو تركت لنفسها لطال مكثها في تلك السعادة، لكنها لا تلبث أن ينازعها جيرانها أو يسطو عليها أصحاب المطامع فيلجئونها إلى التجنيد والتعبئة، فلا سبيل إلى السلام إلا أن تتفق عليه الأمم أو تتعاقد عليه الدول أو يتغلب في طبيعة الإنسان، فهل ذلك في الإمكان؟ هل يأتي يوم تبطل فيه الحروب ويسود السلام على هذه الأرض؟
وأوضح زيدان أنه لو لم يكن في طبيعة الإنسان غير القوى العاقلة، أو لو أمكن للعقل أن يتغلب على سائر القوى البشرية لكان الناس أقرب إلى السعادة من حبل الوريد، لأن العقل إنما يرشدنا إلى ما فيه خيرنا، لكن فينا عوامل أخرى تقف في سبيل سعادتنا - نعني الأميال والعواطف، فهذه تعرقل مساعي العقل وتبعث على التنازع. وهي من الفرائر التي لا يمكن التخلص منها أو الاستغناء عنها ولذلك كان السلام العام من أبعد مشتهيات الإنسان.