قال فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم أن اللغة العربية ظلت على مر العصور عاملا رئيسيا في وحدة الأمة العربية، خاصة في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية التي تهدد استقرارها.
وقال الدكتور نظير عياد - في كلمته خلال احتفال جامعة الدول العربية بيوم اللغة العربية، وذلك بحضور نخبة من المفكرين والباحثين والمهتمين باللغة العربية وثقافتها - "إن مع ما يشهده العالم الآن من صراعات وهجمات، تظل اللغة العربية حلقة الربط الأساس في قوميتنا العربية، والحفاظ عليها هو أقوى أهدافنا للحفاظ على الجماعة العربية بيننا".
وأكد أن الاحتفال بيوم اللغة العربية يعكس الجهود الطيبة للحفاظ على لغتنا العريقة، موضحا أن هذا اليوم يواكب إدخال اللغة العربية كإحدى اللغات الست الرسمية في الأمم المتحدة.
وأضاف: أن الاحتفال بيوم اللغة العربية يحمل أهدافا سامية، منها رفع الوعي الديني والثقافي والتاريخي بمكانة اللغة العربية، وتعزيز احترامنا وفخرنا بها، بوصفها لغة القرآن الكريم ووعاء الرسالة السماوية الأخيرة.
ولفت إلى أن اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل هي أساس لفهم الدين وإقامة الشعائر وتدبر كتاب الله عز وجل، مشددا على أن تعلم اللغة العربية وإتقان فنونها ليس غاية تعليمية فحسب، بل هو واجب ديني على كل مسلم، لما له من أثر في فهم النصوص الشرعية وإقامة الدين.
كما أشار إلى خطورة الجهل باللغة العربية، وما يترتب عليه من آثار سلبية على الدين والأخلاق والمجتمع، مبينا أن الجهل بها يعدُّ من الأسباب التي تؤدي إلى الانحراف الديني، وهو ما ينعكس على ضياع القيم والأخلاق السليمة، ويؤدي إلى انفلات اجتماعي يهدد استقرار مجتمعاتنا العربية.
وتحدث الدكتور نظير عياد عن الدور التاريخي الذي لعبته اللغة العربية في مختلف العلوم والمعارف، مؤكدًا أنها كانت لغة العلم والحضارة خلال القرون الوسطي، قائلا: "استطاع العلماء العرب أن يؤثروا في الفكر الإنساني بلغتهم، حيث باتت كتبنا وتراثنا الثقافي المتكأ الأساسي لعلماء الغرب في استحداث العلوم والنظريات، كما نقلت لنا اللغة العربية علوم الحضارات الأخرى وفلسفاتها، كاليونانية والفارسية، وزادت عليها، ثم تناقلتها الأمم الأخرى عبر الترجمة".
وأوضح أن اللغة العربية لم تفرض نفسها على البلاد التي انتشرت فيها خلال الفتوحات الإسلامية، بل كانت دليلًا على التعايش بين الثقافات، منوها إلى أن اللغة العربية ظلت وعاء حضاري استطاع أن يحتضن مختلف الثقافات، ما يعكس قدرتها الفريدة على التكيف مع التنوع الثقافي والحضاري.
وفي سياق حديثه عن التحديات التي تواجه اللغة العربية، لفت مفتي الجمهورية الانتباه إلى محاولات التغريب وأزمة الهُوية التي تعاني منها الأمة العربية، مؤكدا أن اللغة العربية تمثل عنوان الهوية القومية والحفاظ عليها ضرورة لمواجهة محاولات طمس الهوية الثقافية.
وقال: "إن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي الأساس في بناء الوعي والانتماء الوطني، ومن أضاعها فقد أضاع هويته وانتماءه.. والحفاظ على اللغة العربية لا يعني الانغلاق إزاء الثقافات الأخرى، بل إن الإسلام يدعو إلى تعلم اللغات الأخرى للتواصل".
واستشهد بما أمر به النبي (صلى الله عليه وسلم) زيد بن ثابت لتعلم لغات غير العربية، وشدد في نفس الوقت على أن الاعتزاز باللغة العربية يجب أن يكون في مقدمة الأولويات.
ونوه مفتى الجمهورية بدَور جامعة الدول العربية في تعزيز الوحدة العربية والدفاع عن القضايا المشتركة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي وصفها بأنها "القضية العربية الأهم"، كما أكد أن اللغة العربية تلعب دورا حيويا في الحفاظ على هوية القضية الفلسطينية ودعم حقوق الشعب الفلسطيني في مواجهة محاولات الطمس والتشويه.
ودعا إلى تعزيز الاهتمام باللغة العربية، مختتما كلمته بالقول: "لغتنا العربية هي الحياة لكياننا العربي، والسيادة لهويتنا بين الأمم والشعوب، إنها القناة التي تنقل قيمنا المجتمعية وأهدافنا الحضارية للعالم أجمع.. والحفاظ على اللغة العربية واجب قومي وديني يضمن استمرار ثقافة الأمة ومكانتها الحضارية".