يعتبر من أهم الأحداث في عام 2024، هو تقديم مصر مذكرة لمحكمة العدل الدولية في أواخر شهر فبراير ضد دولة الكيان الإسرائيلي، وذلك بما يتوافق مع المعايير والقوانين الدولية المتعارف عليها.
وقد قدمت الدولة المصرية تلك المذكرة ضد سياسة الاحتلال الإسرائيلي الأحادية، ولم يقتصر الأمر عند المذكرة القانونية، بل أن القاهرة سوف تشارك أيضا في الرأي الاستشاري الذي طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية حول السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.
واشتملت المذكرة على عدة نقاط الرئيسية والتي منها: رفض سياسات الاضطهاد والتمييز العنصري وغيرها من الممارسات الإسرائيلية، التي تنتهك مبادئ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وطالبت مصر المحكمة بتأكيد مسؤولية إسرائيل عن كافة تلك الأفعال غير المشروعة دوليا، بما يحتم انسحاب إسرائيل بشكل فوري من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك مدينة القدس الشرقية، وتعويض الشعب الفلسطيني عن الأضرار التي لحقت به نتيجة لتلك السياسات والممارسات غير المشروعة دوليا.
وطالبت مصر كافة دول العالم والمجتمع الدولي بعدم الاعتراف بأي أثر قانوني للإجراءات الإسرائيلية والكف عن توفير الدعم لإسرائيل، واضطلاع المنظمات الدولية والأمم المتحدة بمسؤولياتها في هذا الصدد.
وفي يوم 21 فبراير، قدمت مصر أولى محاكمتها الشفهية، أمام العدل الدولية، وأكدت أن مرافعتها استندت إلى سوابق أحكام وآراء محكمة العدل الدولية، حيث أكدت على انطباق القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورفض ممارسات إسرائيل المتعلقة بتهويد القدس.
وتناولت مصر الانتهاكات في حق الشعب الفلسطيني، وحقوق أهل فلسطين في تقرير مصيرهم، مع الإشارة إلى الرأي الاستشاري الخاص بالجدار العازل، والذي يعكس موقف المحكمة من تلك الممارسات، فضل عن تأكيد مصر على انطباق المبادئ القانونية الواردة في ميثاق الأمم المتحدة ومعاهدة جنيف الرابعة، بالإضافة إلى قواعد لاهاي والمعاهدات الخاصة بحقوق الإنسان.
وشددت مصر على ضرورة التزام المجتمع الدولي بوقف الانتهاكات الإسرائيلية، وعدم الاعتراف بأي آثار تنشأ عن تلك الممارسات غير القانونية، وأكدت مصر على أهمية اختصاص محكمة العدل الدولية في منح الرأي الاستشاري لدعم هدف حل الدولتين، وإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة، مع التأكيد على إقامة دولة فلسطينية متصلة الأراضي وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي المرافعة الثانية أمام المحكمة قدمت الدكتورة ياسمين موسى، ومستندات توثق الاعتداءات الإسرائيلية، فضلا عن أنها وصفته بأنه انتهاكا لاتفاقية جنيف الرابعة، حيث يُمنع تغيير الوضع القائم في الأراضي المحتلة.
وقدمت موسى أيضا، القرار 298 لمجلس الأمن، على أن جميع الإجراءات التي تتخذها إسرائيل لتغيير وضع القدس غير قانونية، الاحتلال يجب أن يبقى مؤقتًا ولا يجوز ممارسة السيادة أو تغيير نظام الأراضي المحتلة، فضلا عن سياسة الاستيطان والتي تهدف إلى فصل الأراضي الفلسطينية وتغيير المعالم الجغرافية والديموغرافية.
هذا وبالإضافة إلى أن إسرائيل تمنع الفلسطينيين من الوصول إلى الأماكن المقدسة وتقييد حركتهم، مما يؤثر على الاقتصاد الفلسطيني، واضافتها بأن الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي وغير قانوني بحد ذاته، ويجب أن يكون هناك دعوة عاجلة لإسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية دون شروط.
وأن هناك مواد في القانون الدولي توضح عدم وجود علاقة بين الدفاع عن النفس وما تمارسه إسرائيل، حيث يتم ممارسة القوة ضد الشعب الذي يعيش تحت الاحتلال.
يجب النظر إلى القيود على الاستخدامات العسكرية وفق القانون الدولي، وعدم السماح للدولة المحتلة بنقل سكانها إلى الأراضي التي تحت سيطرتها.
وهدفت سياسة الاستيطان الإسرائيلية إلى إخلاء الفلسطينيين من أراضيهم بالقوة، خصوصاً من مدينة القدس، وتعزيز الوجود اليهودي من خلال المستويات القانونية وفرض الأمر الواقع، بالإضافة إلى أن إسرائيل تستخدم مبدأ الدفاع عن النفس لتبرير عدوانها على الأراضي الفلسطينية، رغم أن ما تقوم به ليس دفاعًا بل عدوانًا.
محمد العرابي: العدل الدولية لن تصدر أي قرارات في الوقت الراهن
قال محمد العرابي، وزير الخارجية السابق، أن قرار محكمة العدل الدولية على مذكرة مصر وجنوب إفريقيا التي قدما في وقت سابق من هذا العام، لن يصدر في الوقت الحالي، ولو حتى في المستقبل القريب، معللا أن تلك القضايا تأخذ وقت طويل بالمحاكم الدولية ولا يمكننا توقع مقدار السنوات التي سوف تدرس المحكمة الوثائق والمستندات المقدمة إليها.
وأضاف العرابي في تصريح خاص لبوابة دار الهلال، أن العدل الدولية لن تتناول قضاياها عبر العواطف والأهواء السياسية، بل تصدر قراراتها طبقا للأحداث، فضلا عن أن رد إسرائيل تجاه تلك القضايا معروف وهي احضار فريق قانوني يستطيع أن يماطل ويجادل حيثما شاء، ردا على كل المجازر والانتهاكات الصارخة للقوانين الدولية.
أستاذ علوم سياسية: العدل الدولية جهة قضائية غير تنفيذية وقراراتها تواجه عقبة الفيتو بمجلس الأمن
قال الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية، أن المشكلة الرئيسية في محكمة العدل الدولية هي أنها جهة قضائية وليست تنفيذيه، وأنها إذا اصدرت حكم ضد إسرائيل، لان يدخل حيز التنفيذ إلا بموجب مجلس الأمن والذي بطبيعة الحال لن يتم تطبيقه بسبب حق الفيتو.
وأضاف بدر الدين، في تصريح خاص لبوابة دار الهلال، أن الدليل على عدم تنفيذ أي قرار قضائي ضد مسؤولين إسرائيليين، هو أن بالرغم من صدور قرارات جنائية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وأيضا وزير دفاعه السابق، إلا أن نتنياهو يتجول حيثما شاء بين الدول الأوروبية المختلفة ولا يتعرض إلى أي مضايقات.
وأشار بدر الدين أن محكمة العدل الدولية سلطتها رمزية فقط، وبالنسبة لما قالته دكتور ياسمين موسى ممثل مصر في العدل الدولية، بخصوص قضية الجدار العازل، أن تلك القضية أقل حدة من غيرها ومن الممكن الحكم بها، ودخولها حيز التنفيذ.
باحث بالمركز المصري: قرارات العدل الدولية والجنائية معطلة حاليًا لتجنب إحراج الدول الكبرى
قال محمد هيكل، الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن مصر لم تتخذ من نفسها قرارا احادية بشأن تقديم مذكرة لمحكمة العدل الدولية، بل أنها انضمت إلى دعوة جنوب أفريقيا المقدمة ضد إسرائيل.
وأضاف هيكل في تصريح خاص لبوابة دار الهلال، أن قرارات العدل الدولية والجنائية، لن يتم تطبيقها ولو حتى في المستقبل القريب، لان قراتها تمثل حرج كبير لدول كبرى في العالم لها مصالح كبيرة جدا مع دولة الكيان، وذلك بسبب غياب الإرادة السياسية العالمية.
وأشار أن دول العالم الغربي بعضها يتغاضى عن ما تقوم به دولة الاحتلال في أرض فلسطين، لذلك لن يتم تمرير أي قرار سواء من العدل أو الجنائية الدولية، ومن المتوقع أن تبقى التحقيقات مستمرة ولكن لن يتم اتخاذ أي قرار ضد إسرائيل.
واستطرد: أن قضية كوسوفو السابقة شهدت إصدار قرار اعتقال بحق بوتين لم يتم تنفيذه حتى الآن، مشيرًا إلى أن المحاكم الصورية، رغم ضعف سلطتها، تمثل ضغطًا عالميًا وإحراجًا دوليًا يضر بمصالح إسرائيل.
وأشار هيكل إلى أن الأعلام الإسرائيلي في الوقت الحالي يركز باستمرار على تداعيات ما بعد الحرب، وصورة إسرائيل أمام العالم الغربي والمجتمع الدولي، وجهودها لإصلاح صورتها بعد الأحداث الأخيرة.