مع استمرار صراع الشرق الأوسط في عام 2024، برزت الطائرات بدون طيار كسلاح إستراتيجي، قادرة على قلب دفة المعركة مرة تلوى الأخرى، خاصة مع فشل منظومات الدفاع الجوي ذات التقنية العالية في التعامل معها، ما فرض واقعًا جديدًا في الميدان العسكري.
وفي هذا الشأن، أكد خبراء على أن الطائرات بدون طيار شكل جديد من الإمكانيات والتهديدات بمثابة زلزال في الميدان العسكري، وذلك نظرًا لعدم وجود منظومات صد فاعلة في مواجهة ذلك السلاح الإستراتيجي.
وأوضح الخبراء في حديثهم لـ"دار الهلال"، أن فاعلية الطائرات بدون طيار تتجلى في توظيفها بالشكل الصحيح عن طريق انتقاء هدف عملياتي صحيح، تكون الضربات فاعلة فيه عن طريق إحداث نسبة تدميرية عالية.
وأشار الخبراء إلى أن فاعلية ذلك السلاح الاستراتيجي ظهرت مؤخرًا في الميدان العسكري بشكل واضح، خاصة أن استخدامها لا يقتصر على الجيوش النظامية، بل وصلت كذلك في أيدي الجماعات المسلحة، ما يفرض واقع مغايرًا تمامًا لما هو مألوف من قبل.
إلى ذلك، قال اللواء طيار دكتور هشام الحلبي، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية، إن الطائرات بدون طيار، أصبحت من أهم الأسلحة التي تستخدم في الجيوش، وذلك نظرًا للتطور التكنولوجي بها، الذي حصل نتيجة لارتفاع عدد ساعات الطيران أثناء الطلعة، بما قد يصل إلى 30 ساعة متواصلة، وهذا يحقق التوفير من ناحية التكلفة مقارنة بأي شيء آخر.
وأضاف "الحلبي" في حديثه لـ"دار الهلال"، أنه مع التطور التكنولوجي يمكن تجهيز تلك الطائرات بمعدات متعددة، خاصة بمعدات الاستطلاع بأنواعه الثلاثة: إلكتروني، حراري، راداري، مشيرًا في الوقت ذاته، إلى أنه يمكن استخدامها بكثافة واستمرارية في الاستطلاع، وضرب الأهداف، حيث أن التعامل معها من المنظومات الدفاعية صعب للغاية.
ويؤكد على أنه لا توجد منظومة دفاعية في العالم بأكمله قادرة على التعامل مع الطائرات بدون طيار بنسبة صد كبيرة، مضيفًا: "نعم هناك منظومات قادرة على صدها، ولكن ليس بالنسبة المطلوبة"، موضحًا أن تلك الطائرات تكتسب قدرتها على اختراق منظومة الدفاع الجوي من صغر حجمها، والمواد التي تصنع منها.
وفي جانب آخر، يوضح الخبير العسكري والإستراتيجي، أن من أهم مميزات تلك النوعية من الطائرات، أن الخسائر البشرية منعدمة فيها عند استهدافها، لافتًا إلى أن هناك نوع آخر منها يقوم على الاستخدام "الواحد"، حيث تنفجر بالهدف كالقذيفة.
كما أشار إلى هناك طائرات بدون طيار "تجارية"، والتي تستخدم في هذا الشأن، لكن هناك من أدخلها في المجال العسكري عبر توظيفها في الاستطلاع، وهي تتميز بأن تكلفتها منخفضة جدًا، حيث لا تتعدى 1000 دولار، موضحًا أن ذلك النوع من الطائرات يمكن تجهيزه بمواد شديدة الانفجار، لضرب أهداف عالية القيمة، ما يمثل تكلفة ضخمة كوقف مطار مدني لدولة.
وسلط "الحلبي" الضوء على أن تلك الطائرات سقطت مؤخرًا بأيدي الجماعات المسلحة الإرهابية، مما شكل عبئًا كبير على الدول، نظرًا لعدم وجود منظومات صد فاعلة في مواجهة ذلك السلاح، مشيرًا إلى أن ذلك دفع بعض الدول لوضع قوانين تنص على منع اقتناء تلك الطائرات إلا بتصديق من السلطات.
وذكر أنه إذ لم يتم انتقاء هدف الطائرات بدون طيار بدقة، فهذه الهجمات ستكون قليلة القيمة، لذا يجب أن يكون انتقاء عملياتي صحيح، أما عند استهداف أماكن محصنة، فهذا الاستخدام غير ملائم لتلك الطائرات، لأن النسبة التدميرية لن تكون عالية.
وبناء عليه، يقول الخبير العسكري والإستراتيجي، إن استخدام جماعة أنصار الله الحوثي باليمن سلاح "المسيرات" ضد إسرائيل قيمته "قليلة"، وذلك من وجهة النظر العملياتية، لأنه لم يحدث نسبة تدمير مرتفعة بالأهداف.
طفرة غير مسبوقة
وفي إطار ذلك، يؤكد اللواء نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، أن سلاح الطائرات بدون طيار والمعروفة بـ"المسيرات" أحدث طفرة غير مسبوقة في الميدان العسكري، وأصبح منتشرًا على نطاق واسع، وهذا ليس فقط في مجال الجو، بل هناك كذلك غواصات، وزوارق، وسيارات من تلك النوعية.
وأضاف "سالم" في حديثه لـ"دار الهلال"، أن سلاح "المسيرات" قادر على أداء المهام بشكل أسرع وأدق، ودون تدخل بشري، موضحًا أن المستقبل بات لتلك النوعية من الأسلحة، قبل أن يستدرك:"بل نحن في صدد ذلك بالفعل".
وأشار إلى أن فاعلية ذلك السلاح تتجلى في الصراع الدائر في غزة، وكذا شاهدنا دورها في لبنان وسوريا وأوكرانيا، وفي مناطق أخرى، لذا فهو سلاح مطلوب من دول العالم، لافتًا إلى أن القوى العظمى باتت تتنافس في ميدان صناعة "المسيرات".
ومع سلاح تساوت به الرؤوس، يوضح الخبير العسكري، أن الأفضلية في استخدام "المسيرات" باتت لمن هو أكثر تقدمًا، وقادر على توظيف السلاح بشكل صحيح، وبطبيعة الحال "المسيرات" كأي سلاح له مميزات وعيوب.
واستدل هنا بقدرة جماعة أنصار الله الحوثي باليمن على توظيف ذلك السلاح ضد إسرائيل، على رغم أنها تمتلك منظومة دفاع جوى ذات تقنية عالية، لكن الجماعة اليمنية استطاعت توظيف السلاح بشكل صحيح.
وبسلاح "المسيرات"، لم يعد هناك حاجة لتحريك جيوش جرارة بشكل جعل الأطراف متساوية، وأصبح عامل الحسم لمن يمتلك التكنولوجيا المتطورة، بحسب سالم، الذي أكد أن هناك تطور خطير في توظيف تلك الطائرات، ولزامًا علينا أن نجاريه.
وأوضح أن التطور الحاصل مؤخرًا في هذا الصدد قلب الميدان العسكري كحال "البارود"، الذي غير مجال التسليح بالكل، مشيرًا في الوقت ذاته، إلى أن ذلك التغيير نتعايش في وسطه الحين، فأصبح من الممكن أن أدمر العدو دون قتاله.
وفي سياق ذلك، يذكر أن في هجوم حركة حماس على إسرائيل أثناء عملية طوفان الأقصى، في السابع من أكتوبر 2023، نجحت بإمكانيات محدودة للغاية في توجيه ضربة قوية ضد الداخل العبري بالكل، لكنها لم تمتلك مد كإسرائيل، ما أضعفها فيما بعد.
ومضى مضيفًا أن نجاح حماس المحقق في تلك العملية، كان نتيجة لتوظيفها التكنولوجيا بالشكل المطلوب، ولو كان لديها نفس المد المتوفر لإسرائيل لكان من الممكن أن تنتصر، مؤكدًا بذلك على أن من امتلك التكنولوجيا والعلم قادر على قلب ميدان المعركة، حتى لو كان خصمه أكثر عتادًا.