شهدت سوريا العديد من الأحداث المهمة في السنوات الأخيرة، حيث عانت من فترة طويلة من الحرب والنزوح استمرت لمدة 13 عامًا، ومنذ غزو العراق، سعت الولايات المتحدة إلى تطوير سياسة خاصة تجاه سوريا تهدف إلى تحقيق مصالح حلفائها مثل إسرائيل والأردن وتركيا، فضلاً عن شركائها المتغيرين مثل العراق ولبنان.
وفي أواخر عام 2024، وبعد نزاع استمر لأكثر من 13 عامًا، شهدت سوريا في الأيام الأخيرة تحولًا جذريًا تمثل في بدء الفصائل السورية هجومًا واسعًا في شمال البلاد، أسفر عن إعلان دخول دمشق و"فرار" الرئيس بشار الأسد.
وفي فجر الثامن من ديسمبر 2024، فُتح سجن صيدنايا، الذي يطلق عليه السوريون "المسلخ البشري"، ليخرج منه آلاف المعتقلين، وفي تلك اللحظة، أدرك الشعب السوري أن ثورته قد حققت هدفها، وأن نظام بشار الأسد قد سقط.
وفيما يلي عرض لعدة أيام شهدت تغييرات غير مسبوقة في تاريخ سوريا الحديث:
ردع العدوان
في الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء 27 نوفمبر، نفذت الفصائل السورية هجومًا ضد القوات الحكومية وحلفائها، تحت مسمى "ردع العدوان"، جاء ذلك بعد مواجهات عنيفة شهدتها مناطق الاشتباك في ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي، وكانت هذه العملية الأولى من نوعها منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في مارس 2020.
وخلال الساعات الأولى من الهجوم، حققت الفصائل تقدمًا ملحوظًا، مظهرة تنسيقًا وتنظيمًا أكبر من خلال "غرفة عمليات عملية ردع العدوان"، حيث تمكنت من السيطرة على 20 بلدة وقرية في ريفي حلب وإدلب، بالإضافة إلى قاعدة الفوج 46، التي تعد نقطة استراتيجية هامة على الطريق المؤدي إلى حلب.
في اليوم التالي، 28 نوفمبر، واصلت الفصائل تقدمها، حيث تمكّنت من السيطرة على مزيد من القرى في ريف إدلب الشرقي، مقتربة من طريق M5 السريع الذي يربط شمال سوريا بجنوبها ويشمل مدنًا استراتيجية مثل حلب وحمص وحماة.
واستمر الهجوم، حيث حققت الفصائل السورية مزيدًا من التقدم في ريفي إدلب وحلب، وتمكنت من السيطرة على مدن وقرى جديدة، أبرزها مدينة سراقب في ريف إدلب، التي تشهد تقاطع طريقين دوليين.
في 29 نوفمبر، شنت الفصائل هجومًا مكثفًا على مدينة حلب، وبحلول ساعات قليلة، تمكنت من السيطرة على عدة أحياء رئيسية، منها الحمدانية، والجميلية، وصلاح الدين، ومع نهاية اليوم، كانت القوات قد وصلت إلى الساحة الرئيسية في وسط المدينة.
وفي الساعات الأولى من يوم 30 نوفمبر، تمكنت الفصائل من السيطرة على قلعة حلب ومقر المحافظ، مما دفع القوات الحكومية إلى الانسحاب نحو معاقل محدودة في إدلب، كما تراجعت أيضًا في مدينة حلب.
وفي تلك الأثناء، تم الإعلان عن سيطرة الفصائل على كميات ضخمة من الأسلحة التي تركها النظام وراءه، بما في ذلك دبابات من طراز T-90A، وبطارية من نظام الدفاع الجوي S-125 Neva، بالإضافة إلى أنظمة Pantsir-S1 وBuk-M2، إلى جانب مروحيات وطائرات مقاتلة كانت متمركزة في قواعد حلب ومنغ الجوية.
بحلول مساء 30 نوفمبر، أحرزت الفصائل تقدمًا سريعًا نحو محافظة حماة، وتمكنت من السيطرة على عشرات البلدات والقرى الرئيسية، بما في ذلك مطار حلب الدولي.
في المقابل، عززت القوات النظامية وجودها حول حماة، حيث تم نشر تعزيزات ضخمة في مناطق مثل جبل زين العابدين، بينما شنت الطائرات الروسية عدة غارات جوية عنيفة، من بينها غارة على مخيم للاجئين في إدلب أسفرت عن مقتل تسعة مدنيين وإصابة العشرات، وأخرى استهدفت مستشفى جامعة حلب مما أسفر عن مقتل 12 شخصًا.
السيطرة على مدينة حماة
وبحلول 5 ديسمبر، أعلنت الفصائل السورية سيطرتها الكاملة على مدينة حماة وبدء تقدمها نحو السجن المركزي، حيث نجحت في تحرير مئات السجناء، بينما أعلن النظام عن تموضع قواته خارج المدينة.
وضعت هذه التطورات الفصائل السورية على مشارف مدينة الرستن، حيث تمكنت من السيطرة على قاعدة عسكرية استراتيجية تقع إلى الشمال منها.
في محاولة لوقف تقدم الفصائل، شنت الطائرات الروسية غارة استهدفت الجسر الرئيسي الذي يربط بين حمص وحماة، بهدف عرقلة تحركاتهم.
السيطرة على مدينة القصير
وسيطرة الفصائل على حمص فتحت الطريق سريعًا للسيطرة على مدينة القصير، واحدة من أبرز المدن الحدودية مع لبنان، لكن هذا التقدم لم يتوقف عند هذا الحد، ففي 6 ديسمبر، استولت فصائل سوريا على مدينة الرستن، مما جعل طريقها مفتوحًا نحو حمص.
بالتوازي مع هذه التطورات، وسعيًا لاستغلال تراجع قوات النظام في شمال غرب سوريا، بدأت فصائل سورية تعزيز مواقعها منذ نهاية نوفمبر، وتمكنت من الاستيلاء على مواقع استراتيجية في حلب كانت قد انسحبت منها القوات الحكومية، وأبرز هذه المواقع مطار حلب الدولي وبلدتا نبل والزهراء، قبل أن تفقد هذه المناطق لاحقًا لصالح المعارضة.
وفي 3 ديسمبر، شنت فصائل سورية هجومًا مفاجئًا على مواقع الجيش السوري قرب بلدتي خشام والصالحية في دير الزور، بهدف تعزيز سيطرتها في المنطقة الشرقية، ورغم تقدمها في البداية، اضطرت القوات للانسحاب بعد ساعات قليلة من الهجوم.
مع بداية 5 ديسمبر، واصلت الفصائل تقدمها نحو مدينة الرقة، حيث تمكنت من السيطرة على حقول نفطية في مناطق الثورة والرصافة، فضلاً عن عدد من المواقع الاستراتيجية الأخرى، عقب انسحاب قوات النظام والمجموعات الموالية له.
في 6 ديسمبر، بدأ قوات النظام انسحاباً واسعاً من مدن دير الزور، الميادين، القورية، والبوكمال باتجاه دمشق، في خطوة تهدف إلى تعزيز موقف الحكومة والرئيس بشار الأسد الذي يعاني من ضغوطات، نتيجة لذلك، تمكنت الفصائل من فرض سيطرتها على مدينة دير الزور، لتتمدد بعدها نحو البوكمال وتصل إلى الحدود العراقية، ما أدى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة الشرقية.
بحلول مساء 6 ديسمبر، انسحبت قوات النظام بشكل مفاجئ من السويداء باتجاه العاصمة دمشق لتعزيز دفاعاتها هناك، ما مهد الطريق أمام قوات الفصائل للسيطرة على المدينة دون مقاومة تذكر.
وفي صباح 7 ديسمبر، استمر الانهيار السريع للقوات الحكومية، حيث انسحبت من مدينة القنيطرة، الواقعة على الحدود مع هضبة الجولان المحتلة من قبل إسرائيل، لتتمكن الفصائل من السيطرة عليها في غضون ساعات قليلة.
ومع استمرار انسحابات قوات النظام أمام تقدم الفصائل، تمكنت الأخيرة من هزيمة ما تبقى من قوات النظام في مدينة حمص ودخولها في مساء ذلك اليوم، حيث احتفلت بتأكيد سيطرتها على أبرز معالم المدينة، مثل ميادينها وجامع الصحابي خالد بن الوليد.
وفي نفس اليوم، تقدمت الفصائل السورية نحو ريف دمشق الجنوبي، بينما انسحبت قوات النظام من عدة بلدات هامة، ما جعل المعارضة تقترب لمسافة 10 كيلومترات فقط من ضواحي دمشق.
وبعد حصار الفصائل للعاصمة، لا سيما من جبهة درعا والسويداء من الجنوب، ومن ريف دمشق الشرقي والغربي، تمكنت قوات الفصائل في فجر 8 ديسمبر، من السيطرة على دمشق بالكامل، ودخول أهم المؤسسات الاستراتيجية والحيوية مثل مطار المزة العسكري، وقصر الشعب، ومبنى الإذاعة والتلفزيون، ورئاسة الأركان.
وألقى القائد العسكري في الفصائل السورية، أحمد الشرع -الملقب بالجولاني- خطاب في الجامع الأموي في قلب دمشق، قائلا: "النصر الذي تحقق هو نصر لكل السوريين"، مؤكدًا أن "الرئيس المخلوع بشار الأسد نشر الطائفية، واليوم بلدنا لنا جميعًا".
الأحداث بعد سقوط نظام الأسد
وفي يوم الاثنين ٩ ديسمبر، واصلت إسرائيل تقدمها داخل الأراضي السورية، في وقت أعلنت فيه عدة دول ومنظمات أممية إدانتها للتحركات الإسرائيلية.
وأوضح وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن الجيش الإسرائيلي سيطر على مناطق جديدة ضمن المنطقة العازلة على الحدود مع سوريا.
وفي يوم الثلاثاء ١٠ ديسمبر، أعلن محمد البشير تشكيل أول حكومة لإدارة سوريا، وهي حكومة مؤقتة تهدف للتعامل مع الأوضاع الراهنة في البلاد، في وقت عادت فيه الحياة إلى طبيعتها بعد أيام من التوتر والقلق.
وفيما يخص التصعيد العسكري، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي تدمير معظم قدرات الجيش السوري بعد شن 480 غارة خلال 48 ساعة، إضافة إلى عدة هجمات استهدفت مواقع ومقدرات للجيش السوري.
وأفاد الكرملين بأن قرار بشار الأسد بالتنحي عن السلطة في سوريا كان قرارًا شخصيًا.
وفي يوم الأربعاء ١١ ديسمبر، دعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الفصائل السورية إلى الامتناع عن تولي قيادة البلاد أو إدارة عملية شاملة، وذلك في إطار مساعيها لتشكيل حكومة انتقالية.
فيما أعلن أحمد الشرع، المعروف بـ "الجولاني"، القائد بالفصائل السورية، عزمه حل القوات الأمنية التابعة للفصائل.
من جانبها، أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن قواتها ستواصل وجودها في سوريا لاحتواء تهديدات تنظيم داعش ومنعه من استغلال الوضع الراهن.
وأوضح الكرملين أن روسيا تواصل اتصالاتها مع السلطات الجديدة في سوريا بشأن وجودها العسكري وعلاقتها الدبلوماسية مع موسكو.
وفي الخميس ١٢ ديسمبر، أعلن وزير النقل بالحكومة الانتقالية فى سوريا، أنه خلال الساعات المقبلة سيتم فتح الأجواء السورية أمام حركة الطيران، نقلًا عن وسائل إعلام سورية.
كما أعلنت الحكومة الانتقالية في سوريا تعليق العمل بالدستور الحالي وتجميد برلمان البلاد لمدة 3 أشهر.
أعلنت حكومة تصريف الأعمال السورية أن الحياة بدأت بالعودة تدريجيًا إلى معظم المحافظات والمدن والبلدات، مع استئناف تقديم الخدمات الأساسية.
أفادت الأمم المتحدة بأن أكثر من مليون شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، قد نزحوا في الأيام الأخيرة داخل سوريا.
وفي يوم الجمعة ١٣ ديسمبر، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إن المجتمع الدولي سيقدم دعمه لسوريا لتحقيق انتقال سياسي شامل في الفترة المقبلة.
من جهته، أمر وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الجيش بالاستعداد للبقاء في المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل طوال فصل الشتاء.
وفي يوم السبت ١٤ ديسمبر، دعت الحكومة السورية المؤقتة، في أول خطوة لها، مجلس الأمن الدولي إلى اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل لوقف هجماتها على سوريا والانسحاب من المنطقة العازلة التي توغلت فيها بعد التطورات الأخيرة.