السبت 4 يناير 2025

بورتريه الهلال

عبد الباسط عبد الصمد.. صوت مكة

  • 2-1-2025 | 09:50

عبد الباسط محمد عبد الصمد

طباعة
  • فاطمة الزهراء حمدي

نسج من أوتار صوته الرخيم خيوط من الخشوع وأسر الأرواح، خطى الجميع على دربه في محبة الرحمن متأثرين بروعة التلاوة والصوت العذب الذي أشجى الملايين بترتيله لآيات الذكر الحكيم، وبصوته تتفتح القلوب وتسبح العقول في جمال الكلمات المنيرة، وجاب العالم مرتلًا للقرآن في آناء الليل وأطراف النهار، إلى جانب المصحف المرتل والمجود لبلدان عربية وإسلامية، إنه قيثارة السماء وصوت مكة عبد الباسط عبد الصمد، الذي ترك للإذاعة زخم من روائع التسجيلات، ما جعل الأذن في حالة من الصفاء والنقاء، بمجرد سماع صوته تعش في حالة من الروحانية مع الله، لا تشعر بأحد من حوالك لامتلاكه الحنجرة الجوهرية التي تزلزل القلوب بصوته الذي كان شاهدا على رحلة طويلة في خدمة وطاعة الله، ليبقى رمزا للخشوع والجمال القرآني الذي أصفى هموم الناس.

عبد الباسط محمد عبد الصمد

يعد الشيخ عبد الباسط عبد الصمد من أبرز قراء القرآن الكريم بمصر والعالم العربي، ولد عام 1927م بقرية المراعزة بمحافظة قنا، التحق بكتاب القرية وهو بالسادسة من عمره ليتعلم أحكام وتجويد القرآن الكريم، وقد ساعدته بيئة المنزل القرآنية على سرعة وسهولة الحفظ، كما أن حلاوة وعذوبة صوته ظهرت منذ الصغر.

 يعد جده الشيخ عبد الصمد من الحفظة المشهود لهم بالتمكن من حفظ القرآن وتجويده بالأحكام، ووالده الشيخ محمد عبد الصمد، كان أحد المجودين المجيدين للقرآن حفظًا وتجويدًا، وسار الأبناء على نهج آبائهم، والتحق أبناء "محمد" محمود وعبد الحميد بالكتاب لحفظ القرآن وعلى نفس النحو لحقهما أخوهما الأصغر سنًّا "عبد الباسط" وهو في السادسة من عمره.

التحق عبد الباسط بالكتاب بأرمنت فاستقبله شيخه أحسن استقبال؛ لأنه توسم فيه كل المؤهلات القرآنية التي أصقلت من خلال سماعه القرآن يُتلَى بالبيت ليل نهار بكرةً وأصيلًا، مما أثر ذلك عليه وجعله يتميز بجملةٍ من المواهب والنبوغ تتمثل في سرعة استيعابه لما أخذه من القرآن وشدة انتباهه وحرصه على متابعة شيخه بشغف وحب.

كما لُاحظ عليه دقة التحكم في مخارج الألفاظ والوقف والابتداء وعذوبة في الصوت، وكان يرتل ما سمعه من الشيخ رفعت بصوته القوي الجميل متمتعًا بأداءٍ طيبٍ يستوقف كل ذي سمع، أثناء عودته إلى البيت.

أتم الشيخ حفظ كتاب الله في سن الـ10، لكنه أراد أن ينهل أكثر، ورغب في تعلم القراءات،  ومن هنا قرر أن يخوض رحلة طويلة في سبيل تلقى علوم القرآن والقراءات، لكن ذلك لم يثنه عن طلب العلم.

وبعد رحلة خاضها لتصقيل موهبته وحفظه للقرآن، في عام 1951 طلب منه الشيخ علي محمد الضباع، التقدم إلى الإذاعة كقارئ الذي كان قد حصل على تسجيل تلاوة لـ"عبد الباسط" حيث قدمه إلى لجنة الإذاعة فانبهر الجميع بالأداء القوي العالي الرفيع المحكم المتمكن، وكان دخول الإذاعة المصرية يعتبر بمثابة ختم الجودة لأي قارئ قديمًا أو حديثًا.

ومن هنا اعتمد الشيخ كقارئ بالإذاعة، ونجح في تحقيق شهرة واسعة في غضون فترة صغيرة، لم تقتصر عند حدود الدولة المصرية، بل ذاع صيته في مختلف الأقطار والأرجاء. 

وتقدم للإذاعة المصرية بعد تشجيع له، فصوته يرقى لأن يبث من الإذاعة المصرية، حيث رضخ لرغباتهم والتحق بالإذاعة المصرية وأعتمد كقارئ رسمي بها، وكان الشيخ الجليل سبب في إقبال الناس على الإذاعة بوجه خاص وعلى تسجيلاته بوجه عام، كما ساهم في إثراء المكتبة الإذاعية بتسجيلاته للمصحف المرتل والمجود.

وفي يوم 21 ربيع الآخر 1409هـ، 30 نوفمبر 1988 فقدت فيه الإذاعة المصرية صاحب الحنجرة الهبية والجوهرية، الشيخ عبد الباسط عبد الصمد بعد صراع طويل مع مرض السكرى الذي أنهك صحته بالإضافة تكاسل الكبد مما زاد عليه التعب، كما حضر جنازته الكثير من الناس التي تعلقت بصوته المميز.

الاكثر قراءة