تساءلت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية عما إذا كانت ما وصفته بـ "الهزات الارتدادية" التابعة لهجمات السابع من أكتوبر توقفت وانتهت في منطقة الشرق الأوسط أم ستستمر خلال عام 2025؟!
وذكرت المجلة الأمريكية أنه في أوائل ديسمبر 2023، صرح مسؤول استخباراتي إسرائيلي كبير متقاعد تعليقا على هجوم حماس في السابع من أكتوبر والديناميكيات المتغيرة بسرعة في الشرق الأوسط، أن السابع من أكتوبر "كان زلزالا، وستتعامل المنطقة بأكملها مع الهزات الارتدادية لبعض الوقت".
وبينما لم يتنبأ بمكان وقوع الهزات الارتدادية، إلا أن توقعاته للهزات العميقة حدثت بالفعل وبشكل ملحوظ. فبعد أكثر من عام بقليل على الهجمات، تم تدمير حماس كقوة مقاتلة، واغتيل كبار قادتها؛ وتعرض حزب الله لخسائر كبيرة، وقتل زعيمه حسن نصر الله وكثير من قياداته العليا؛ وانهار نظام الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا. والواقع أن المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط تحول بشكل ملحوظ نتيجة لهذه الهزات الارتدادية.
ولكن مع وقف إطلاق النار في لبنان، واحتمالات التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وانشغال الزعماء الجدد في سوريا بتعزيز بلادهم، فإن السؤال اليوم –وفقا لفورين بوليسي- هو ما إذا كانت الهزات الارتدادية التي حدثت في السابع من أكتوبر قد اقتربت من نهايتها أخيرا.
وأشارت المجلة إلى أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تعهد "بإنهاء الحروب" بسرعة، حتى قبل توليه منصبه. كما أعرب كبار مسؤولي الدفاع الجدد في فريق ترامب عن رغبتهم في إعادة توجيه الولايات المتحدة نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ولكن من المنظور الواقعي، قد يكون الانسحاب من الشرق الأوسط أكثر صعوبة مما يتوقعه هؤلاء المسؤولون، وأن الهزات الارتدادية ستستمر خلال 2025؛ مما يهدد المصالح الأمريكية لبعض الوقت في المستقبل .
وأوضحت المجلة الأمريكية أن الهزة الأولى بدأت بالفعل في اليمن. فعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، كثف الحوثيون استهدافهم لإسرائيل، حيث أطلقوا أكثر من 200 صاروخ و170 ضربة بطائرات بدون طيار. وفي حين نجحت إسرائيل والولايات المتحدة في صد معظم هذه الهجمات، إلا أن الحوثيين ينفذون الهجمات بوتيرة متزايدة، ما يزيد الضغوط على الحكومة الإسرائيلية لشن رد أكثر قوة.
وفي هذا الصدد، ضربت الطائرات الحربية الإسرائيلية، الموانئ اليمنية والبنية الأساسية الأخرى في محاولة لردع المزيد من هجمات الصواريخ الحوثية. ولكن تتمثل المعضلة في أن الحوثيين غير خائفين من الانتقام الإسرائيلي،" .
ونوهت "فورين بوليسي" إلى أن مثل هذا الخطاب العدواني قد يتحول بسرعة إلى واقع عسكري محفوف بالمخاطر ، وحيث إن اليمن تبعد أكثر من 1300 ميل (2092 كيلومترا) عن إسرائيل، فإن أي حملة جوية ستكون أكثر تعقيدا من الناحية اللوجستية بالنسبة لإسرائيل مقارنة بغزة أو لبنان المجاورتين. أضف إلى ذلك أن إسرائيل تعتبر حزب الله عدوها الأساسي منذ عام 2006 على الأقل، وقضت أكثر من عقد من الزمان في الاستعداد لمحاربته. وعلى النقيض من ذلك، لم تنظر إسرائيل إلى الحوثيين باعتبارهم تهديدا وشيكا حتى وقت قريب، لذا قد لا تكون الحملة ضد الحوثيين سريعة أو ذات نتائج مذهلة مثلما حدث مع حزب الله.
ولفتت المجلة إلى أن الغارات الجوية الإسرائيلية ركزت حتى الآن على الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون في الحديدة والصليف ورأس قنتب، فضلا عن مطار صنعاء الدولي، وذلك في محاولة لقطع إمدادات الأسلحة الإيرانية إلى الجماعة. كما تعهدت إسرائيل باستهداف قيادة الحوثيين، وهي الخطوة التي تجنبتها إسرائيل والولايات المتحدة حتى الآن. وإذا نجحت هذه الجهود، فقد يتم تقليص القدرات العسكرية الحوثية في نهاية المطاف، دون القضاء عليها بالكامل.
ونبهت المجلة إلى أن العمل العسكري في اليمن سيكون له تداعيات إنسانية كبيرة. ففي عام 2020 على سبيل المثال، قدرت الأمم المتحدة أن 70% من إجمالي واردات اليمن و80% من إجمالي المساعدات الإنسانية بما في ذلك قدر كبير من الغذاء، التي يعتمد عليها 21 مليون يمني (ثلثا السكان)، تتدفق عبر نفس الموانئ التي تتدفق منها الأسلحة الإيرانية. كما أن احتمالات امتداد الصراع يشكل تهديدا لإمدادات الطاقة العالمية.
أما الهزة الارتدادية الثانية، فتتمثل في إيران التي ستكون حال حدوثها أكثر خطورة. ففي حين خاضت إسرائيل وإيران حربا خفية لفترة طويلة، إلا أنه بعد السابع من أكتوبر، اندلعت هذه الحرب في العلن. فبالإضافة إلى تسليح مجموعة من الجماعات الموالية لها، بما في ذلك حماس وحزب الله والحوثيين، شنت إيران مرتين هجمات صاروخية وأطلقت طائرات بدون طيار على إسرائيل مباشرة، فيما ضربت إسرائيل منشآت عسكرية في إيران في المقابل. والواقع أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تصور السابع من أكتوبر والحروب التي تلته على أنها حرب كبرى واحدة ضد إيران، حيث أصبحت حماس وحزب الله والحوثيون مجرد بيادق –على حد وصف المجلة- في الصدام الأكبر مع نظام طهران.
وترى "فورين بوليسي" أن إيران خلال 2024 شهدت عاما كارثيا، حيث عانى وكيل تلو الآخر من الهزائم، وجردتها الغارات الجوية الإسرائيلية من بعض أكثر دفاعاتها الجوية تقدما. وفي المقابل، تعاطت إيران بما تراه وضعا أمنيا متدهورا من خلال مضاعفة جهودها في برنامجها النووي، وهو ما يضع إيران على مسار تصادمي ليس فقط مع إسرائيل، بل أيضا مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى. وفي حين أشارت إدارة ترامب إلى العودة إلى حملة الضغط القصوى على إيران من خلال فرض العقوبات عليها، فقد يكون النظام على بعد بضعة أسابيع فقط من القنبلة النووية، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت العقوبات قادرة على العمل بسرعة كافية لمنع اندلاع حرب نووية.
وأكدت المجلة الأمريكية أنه بالإضافة إلى الحوثيين وإيران، فإن هناك عددا لا يحصى من خطوط الصدع الإقليمية الأخرى التي تدوي بهدوء ولكن بصوت مسموع. فلا تزال السياسة السورية بعيدة عن الاستقرار. كما أن المخاوف من إطلاق قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد سراح الآلاف من سجناء تنظيم الدولة "داعش"، تتزايد، حيث إنه إذا تم إطلاق سراحهم، فإن صفوف الدولة سوف تتضخم، ما من شأنه أن يشكل مشكلة فورية للعراق وبقية دول المنطقة، وللولايات المتحدة أيضا باعتبار التنظيم جماعة إرهابية عالمية.
وختاما، اعتبرت المجلة أن التحدي الأساسي الذي تواجهه الإدارة الأمريكية القادمة، يتمثل في كيفية الخروج من الشرق الأوسط، دون تكلفة باهظة، حيث إن ترك الحوثيين دون معالجة يهدد باستمرار الهجمات المتبادلة، واحتمال امتداد الصراع. كما أن تجاهل مشكلة إيران يهدد بالسماح لدولة تجاهر بالعداء لأمريكا وإسرائيل بامتلاك أسلحة نووية، ناهيك عن إشعال فتيل المزيد من الانتشار النووي في الشرق الأوسط المتقلب، فضلا عن أن الانسحاب الكامل من سوريا يهدد بعودة تنظيم الدولة والإرهاب.
لذا، يجب التفكير في هذه القضايا بمنطق الزلازل والهزات الارتدادية، بمعنى التعامل مع الدمار الناتج عن الزلزال لبناء شيء أفضل في أعقاب الكارثة، أو محاولة التخفيف من ضررها.
ويستدعي ذلك من إدارة ترامب التفكير بشأن مسار سياستها القادمة في الشرق الأوسط، حيث يمكنها المفاضلة بشأن مدى وحجم الفعالية التي سوف تستجيب بها للاضطرابات المستمرة في الشرق الأوسط، وإدراك أنها لا تستطيع إنهاء هذه الاضطرابات بمجرد تصريح أو قرار رئاسي.