الثلاثاء 7 يناير 2025

ثقافة

«لويس برايل».. الطفل الذي خرج من العتمة فأضاء حياة الملايين بنقاط من نور

  • 6-1-2025 | 02:51

لويس برايل

طباعة
  • همت مصطفى

اسمٌ مضيء في سماء الإنسانية، فقد بصره طفلا لكنه أضاء العالم بابتكاره، لكافة من فقدوا بصرهم، من بعده، فهو مبتكر نظام الكتابة والقراءة للمكفوفين الذي يحمل اسمه «برايل»، ورغم الظلام الذي أحاط بعينيه، أضاءت «برايل» الطريق لملايين المكفوفين حول العالم، إنه  المبدع والمبتكر  الفرنسي لويس برايل​.

وقصة « لويس برايل» ليست فقط دربًا من الإبداع؛ بل إنها نموذجًا من الإصرار على تحقيق المستحيل، وعن قوة الأمل والإيمان بأن النور الحقيقي ينبع من الداخل؛ ولم يكن  «برايل» مجرد مبتكر فحسب؛ بل كان أستاذًا وموسيقارًا،  رغم رحيله المبكر، في مثل هذا اليوم 6 يناير عنا عام 1852، إلا أن إرثه استمر، بعد ما استلهم «برايل» فكرته العظيمة من نظام الكتابة الليلية، الذي كان يُستخدم في الجيش الفرنسي، بتطويرٍ عبقري وإرادة لا تلين، نجح في ابتكار نظام مكون من ست نقاط بارزة، مما أتاح للمكفوفين القراءة والكتابة بسهولة،   وتحول نظام «برايل»، إلى لغة عالمية تمكّن المكفوفين من الإبحار في2

 الميلاد والنشأة

ولد لويس برايل في 4  يناير عام 1809م في قرية كوبفراي شرق باريس، وفي الثالثة من عمره كان برفقة والده الذي كان يعمل في صناعة السروج، وبينما هما في مكان العمل راح يلعب بمثقابين هناك، وبينما كان يحمل المثقابين ويجري بهما تعثَّر وأصاب المثقابان عينيه فأصيب بالعمى في ذلك اليوم 

 وعالج الطبيب المحلي عين «برايل» وضمدها، ورتب موعد له، مع جراح متمكن في باريس لكن العين كانت متضررة بالكامل ثم ازدادت إصابتها لتعدي العين الأخرى أيضًا، وببلوغه الخامسة كان قد فقد البصر كليًا في كلتا عينيه.

تعليم لويس برايل

تلقّى «برايل» الاهتمام والعناية والتشجيع مِمَن حوله وهذا كان من غير المألوف في ذلك الوقت حيث عانى فاقدو البصر من سوء المعاملة والخدمات، وتعلّم «برايل» التنقل في أنحاء قريته باستخدام عصا من صنع والده، أبهر برايل معلميه في مدينته بعقليته الفذة، وعقليته المتوقدة،  وتلقى التشجيع للحصول على تعليم أكثر.

وتعلم «برايل» في مدينته حتى بلغ عمره 10 أعوام، حصل برايل على منحة تعليمية إلى معهد للمكفوفين اليافعين في باريس، لكن  الأوضاع في المعهد كانت سيئة جدا  حيث لم يحصل الطلاب في العادة على أكثر من الخبز والماء للطعام، وأحيانًا كانت تُسَاء معاملتهم كنوع من العقاب،  غير أن  لويس برايل كان طالبًا متفوقًا في المعهد وخاصة في دروس الموسيقى.

نظام كتابة برايل

وكان في العهد الذي ذهب إليه «برايل» بباريس،  آلة تكتب على الورق من جهة فتبرز الحروف من الجهة الأخرى، ويلمسها الكفيف بإصبعه لقراءتها،  لكنها طريقة غير عملية، وهذا النظام كان له الكثير من السلبيات إذ لم يكن نظامًا عمليًا لنشر الكتب، المعهد كان يحتوي على 14 كتاب بذلك النظام، برايل قرأها  لويس برايل جميعها.

وفي عام 1821م قدِم إلى معهد المكفوفين أحد الضباط في الجيش الفرنسي ويدعى شارل باربيار، وخلال تلك الزيارة أخبر لويس برايل أنَّه ابتكر طريقة جديدة للكتابة، وهي طريقة مشفرة يمكن للجنود التواصل من خلالها فيما بينهم في أمور سرية دون الحاجة للكلام، مبدأ تلك الطريقة أن تبرز على أوراق سميكة نقاط، قد تصل إلى 12 نقطة، ولكل نقطة منها دلالة في الكلام، وتُقرأ بتمرير الأصابع على الحروف المكتوبة بنتوءات بارزة.

حسَّ لويس برايل بصعوبة تلك الطريقة، خاصة، أنَّ عدد النقاط كبير، فقلَّل عدد النقاط إلى 6 نقاط فقط، وفي العام نفسه بدأ «برايل» بالعمل على نظام الكتابة الجديد، وفي عام 1824م انتهى من ذلك النظام وكان عمره آنذاك 15 عامًا فقط، ثمَّ وسَّع » نظامه ليستوعب رموز الموسيقى والرياضيات، ونشر أول كتاب في نظام « كتابة برايل» عام 1829م، وبعد تطويره لنظام الكتابة القديم للمكفوفين أصبح لويس برايل  مدرسًا في المعهد نفسه، ولكن آنذاك للأسف لم يُعتَمَد نظام الكتابة الجديد الذي طوَّره «برايل» في المعهد رسميًا، في فترة حياته،  وإنَما اعتُمِد  رسميا لاحقا في فرنسا عام 1854م،  أي بعد وفاة «برايل»  بعامين وهو نظام ذو أهمية عالمية إلى يومنا هذا .

رحيل ضوء العالم

عاش لويس برايل معظم حياته مريضًا، فقد عانى منذ أيام طفولته من أمراض في الجهاز التنفسي بشكل دائم، وكانت حالته الصحية تسوء كلما تقدم في العمر، وعندما اشتد عليه المرض استقال من وظيفته، وفي أواخر أيامه عاد إلى بيت أسرته في مسقط رأسه كوبفراي،  وعلم أنَّ مرضه قد وصل إلى المرحلة الأخيرة وأنه على وشك الموت،  غعاد إلى بيت عائلته ورحل عن عالمنا لويس في عام 1852م عن عمر يناهز 43 عامًا فقط، ودفن في مقبرة العظماء أو البانثيون  بالحي اللاتيني في باريس، والذي يضم رفات بعض عظماء الفرنسيين.

 

مواضيع متعلقة

الاكثر قراءة