السبت 11 يناير 2025

ثقافة

ويليام جيمس .. «مؤسس علم النفس الأمريكي»

  • 11-1-2025 | 03:05

ويليام جيمس

طباعة
  • همت مصطفى

 فيلسوف وعالم نفس أمريكي،  من أصل أيرلندي ، وأول معلّم يقدم دورة في علم النفس في الولايات المتحدة الأمريكية،وهو من الدعاة البارزين للبراجماتية، يُعتبرمفكرا رائدا في أواخر القرن التاسع عشر، وأحد أكثر الفلاسفة نفوذاً في الولايات المتحدة الأمريكية،وهو فيلسوف الحرية،  إنه «مؤسس علم النفس الأمريكي».. ويليام جيمس.

 الميلاد والنشأة

ولد ويليام جيمس، في أستور هاوس بمدينة نيويورك في 11 يناير من عام 1842م، وكان ابن هنري جيمس الأب وهو عالم لاهوت مشهور وغني إضافة لكونه عضو في الكنيسة الجديدة، وعلى دراية بالنخب الأدبية والفكرية في عصره،وكان شقيق الروائي المعروف هنري جيمس وأليس جيمس كاتبة اليوميات،  وكان الذكاء الفكري لبيئة عائلة  ويليام جيمس والمواهب البارزة الرسائلية للعديد من أعضائها موضع اهتمام مستمر للمؤرخين وكتاب السيرة والنقاد.

التعليم  والفلسفة

تلقى ويليام جيمس، العلم والفلسفة في معاهد وجامعات أمريكية وإنجليزية وفرنسية وسويسرية وألمانية حتى حصل على الدكتوراه في الطب من جامعة هارڤرد 1869م، وعيّن فيها أستاذًا للتشريح والفيسيولوجيا 1873م، ثم أستاذا لعلم النفس 1875م، فأسس أول معمل لعلم النفس في أمريكة، ثم أستاذاً للفلسفة  1879م حتى استقالته عام 1907م.

تطورويليام جيمس الفكري بمراحل ثلاث، في الأولى اهتم بعلم النفس، وفي الثانية ركز على شرح فلسفته العملية، وفي الأخيرة شُغل بنوع من الواقعية عُرفت باسم «الواحدية المحايدة».

معارضًا للنظرة العامة المادية للعالم
عارض «جيمس» النظرة العامة المادية للعالم، وكان على وعي بعيوب المنهج الميتافيزيقي، ورفض الجدل أيضاً وأقر اللاعقلانية، و أكد تحليله للعقل الذي وصفه بأنه «تيار الوعي»، أهمية العناصر الإرادية والانفعالية، وأدى به ذلك إلى علم النفس، فاستطاع أن يقيم من السيكولوجية علماً على أساس من مقتضيات التجريبية الصارمة «المتطرفة»، وهي مذهب جديد في تفسير العلاقة بين الذات والموضوع، أو بين الشعور من جهة والعالم الموضوعي من جهة أخرى، كما أنها في الحقيقة ردّ ذاتي للواقع إلى «خبرة خالصة»، إلى الوعي.

 الظواهر العقلية
ويرجع فضل ويليام جيمس، في علم النفس أيضًا إلى اتباعه المنهج الأدائي، في تناول الظواهر العقلية، وتأكيده على الاستبطان وسيلة لمعرفة وظائف العقل معرفة تجريبية، لا يمكن أن تتحصل إلا بالنظر إلى الباطن، والفصول التي كتبها في تيار الفكر ووعي الذات لا يبزها شيء مما كتب في علم النفس الاستبطاني.


 ويسلم ويليام جيمس، بأن الظواهر الوجدانية تجري في تيار متصل، ولا يمكن ردّها إلى ظواهر فسيولوجية، وأشهر ما طرحه جيمس هو «نظرية جيمس ـ لانغ في الانفعالات»، إذ يعد الانفعال النفسي كالخوف والغضب مجرد الإحساس بالحالة الفيزيولوجية المترتبة على إدراك الموضوع، ومعنى ذلك «أنني إذ أرى الذئب أهرب فأخاف، بدلاً من القول إننا إذ نرى الذئب نخاف فنهرب»، فالانفعال يأتي نتيجة للحالة الجسدية وليس العكس، ومع ذلك فالحالة الانفعالية ظاهرة مستقلة بذاتها.

 ثنائية  «العقل والمادة»
ويدخل جيمس في التجريبية المتطرفة بمقالة «هل الشعور موجود» 1904م، ويرى أنه لا وجود لشيء اسمه الشعور وإنما توجد الخبرة الخالصة، وأن العارف وموضوع المعرفة جزءان من أجزائها التي هي مادة وتفكير لاحق، وهذه المادة إذاً ليست هي العقل وليست هي المادة بالمعنى المقابل في الثنائية القديمة «العقل والمادة» ولكنها شيء خاص به، شيء واحد محايد، وهذا معنى نظريته «الواحدية المحايدة»، التي تعرّف المادي والروحي بأنهما جانبان مختلفان «لخبرة» واحدة، وليس الاختلاف بين العقل والمادة إلا اختلافاً في التنظيم.
واستعاض جيمس بمبدأ المنفعة الذرائعي «العملي» عن الفهم الموضوعي للحقيقة، ومهد الطريق للمذهب الإيماني، ودافع عن حق إرادة الاعتقاد بما لا يمكن إثباته أو التدليل عليه، وكشف في محاضرته عن البراجماتية 1898م «المفاهيم الفلسفية والنتائج العملية» عن أهمية الفلسفة العملية التي تجعل من العمل مبدأً مطلقاً، وأكد بذلك أهمية مقال تشارلز ساندرز بيرس 1878م «كيف نوضح أفكارنا؟» الذي يعد بداية لحركة البراجماتية.

 مذهب البراجماتية
ويتلخص مذهبه البراجماتي في قوله «إن تصورنا لموضوع هو تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر»، فالفلسفة العملية تدرس الواقع لا المجرد، والفيلسوف العملي يهتم بالمدرك Percept وليس المتصور Concept، والمنهج العملي هو المنهج الذي يفسر أي معنى بتعقب نتائجه العملية، والمذهب العملي هو مذهب في البحث، ومن ثم يصلح لعدة فلسفات، وهو ضد فكرة وجود حقيقة واضحة أو عقل مطلق، والفكرة الصادقة ليست الفكرة المطابقة للواقع، ولكنها التي تؤدي بنا مباشرة أمام الموضوع المراد معرفته، وتصبح الفكرة حقيقة عندما تثبت التجربة بأنها صالحة ومفيدة، ويصير الحق هو الملائم في مجال التفكير، والخير هو الملائم في مجال السلوك، وليست المنفعة الفردية هي معيار صدق الفكرة، لكن الفكرة الصادقة هي التي تتلاءم مع غيرها من الأفكار التي ثبتت صحتها عملياً، ويتم الحكم على الأفكار أحياناً باللجوء إلى إرادة الاعتقاد، حيث يكون الاعتقاد في أمانة شخص مثلاً باعثاً له على السلوك بأمانة.

نظرية ويليام جيمس في الأخلاق والدين
أفاد  ويليام جيمس من المنهج البراجماتي في نظريته في الأخلاق والدين، فاعتبر الدين تجربة فردية، وجوهرها العاطفة الدينية لا الطقوس، وأن الشعور الديني شعور باطني بالمشاركة في موجود أعظم، وهو شعور بالانسجام والسلام، وأن التجربة الدينية أكثر واقعية من التجربة العلمية لأنها تبدأ بالمجسم أي العاطفة والإحساس والفكر، والتجربة العلمية تبدأ بالمجرد، والعلم تجربة ولكن الدين واقعة حية نعيشها، والله موجود لأن فرض وجوده نافع، والله في التجربة الدينية هو أنت، فهو متناه ولا يحيط بكل شيء، والله هو باطن الأشياء، فهو المثال، وهو ليس مسؤولا عن الشر، بل على العكس هو شريكنا الأعظم في محاربة الشر، ولذلك يتدخل الله لتغيير مجرى الأحداث، فتحدث المعجزات في العالم.


وبهذا دافع جيمس عن الدين، فقد كان عضوًا نشيطًا في منظمة خاصة أسسها في نيويورك لبحث «الخبرة» الصوفية، ودافع عن حق الإنسان في الاعتقاد بما يراه مفيدًا له في حياته وسلوكه، وحقه في الإيمان ببعض الفروض في الدين والأخلاق، إذا كانت هذه الفروض نافعة، والمعيار هنا هو أساس نفسي وحضاري.

مؤلفات ويليام جيمس
ومن أشهر مؤلفاته  وآثاره: «مبادئ علم النفس» 1890م، و«إرادة الاعتقاد» 1897م، و«الفلسفة العملية» 1907م، و«معنى الحقيقة» 1909م، و«مقالات في التجريبية المتطرفة» 1912م.

ومن أقوال ويليام جيمس
«إن الاكتشاف الأعظم الذي شهده جيلي والذي يقارن بالثورة الحديثة في الطب كثورة البنسلين هو معرفة البشر أن بمقدورهم تغيير حياتهم عبر تغيير مواقفهم الذهنية».

 ومن أقواله أيضًا.. «إن أعمق مبدأ في الطبيعة الإنسانية هي التماس التقدير».

 وكان كتاب «عالم متعدد» الذي صد عام 1909 آخر مؤلفات ويليام جيمس الصادرة خلال حياته، وفي العام الذي يليه ذهب في زيارة أخيرة إلى منزل عائلته الصيفي في تشوكوروا في ولاية نيو هامبشاير، في إقليم انجلترا الجديدة شمال شرق الولايات المتحدة الأمريكية،   وتوفيّ هناك عن عمرٍ يناهز 68 عام بسبب قصور في القلب في 26 أغسطس 1910.

الاكثر قراءة