بطولات المقاتل المصرى خلال نصر أكتوبر العظيم عصية على الحصر. غنية عن التعريف، لا تحتاج إلى الشرح والتوضيح. يعلمها أهل العسكرية عن يقين. ويفهمها أساتذة العلوم الاستراتيجية عن قناعة. ويدرسها طلاب الأكاديميات المتخصصة بإمعان. ووثقتها الكاميرات بالصوت والصورة، فقد تفوق محاربونا البواسل على كل التحديات، وهزموا جميع الصعوبات، ولم يلقوا بالا لقوة سلاح العدو وعتاده. ولم يكترثوا بالمعادلات العسكرية المؤيدة لاستحالة العبور، ولم يستمعوا للنظريات الحربية القائلة بمغامرة الهجوم. لأن رجالنا السمر الشداد أحكموا خطة التحرير على كافة القوات، وجاهزية جميع الأفرع والأسلحة. وتسلحوا بالعزيمة الصلبة. وتحضنوا بالإرادة القوية. مرددين شعار «النصر أو الشهادة». فاستجاب القدر. وما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ المعارك غلايا. ويكفى أبطالنا فى القوات المسلحة شرفًا أنهم خير أجناد الأرض كما وصفهم سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ويكفيهم مهابة على مر العصور، وتتابع العقود جيلا بعد جيل، أنهم في رباط إلى يوم القيامة، وأن النصر حليفهم والتاريخ زاخر بالدروس ثرى بالعبر، فالجيش المصرى هو حامى الوطن في كل الأزمنة، ودرعه وسيفه منذ سالف الدهر، وقاطع دابر المعتدين في كل ميادين القتال عندما تحين الساعة، ونصر أكتوبر المجيد سيظل خالدا في الأذهان: لأنه الانتصار الأول على دولة الاحتلال الإسرائيلي وحلفائها من الأمريكان والأوربيين بعد ثلاث هزائم للعرب في أعقاب صراعهم مع هذا العدو الذي ابتليت به المنطقة كورم سرطاني، وأنه لو حدث العكس لكانت نهاية الأمة العربية كتبت في ذلك اليوم، وتحولت إلى جثة هامدة تتقاذفها القوى الدولية يمينا ويسارا بلا حراك لكن حسن الاستعداد للعبور تخطيطا وإعداد وتنفيذا، قلب خطط الجيش المغرور رأسا على عقب، وأفقدهم صوابهم في ست ساعات فراحوا يتخبطون من الألم، ويبكون من الوجع، ويهلوسون من فداحة الهزيمة. لقد تجلت معجزة المقاتل المصرى فى أبهى صورة، وأجمل طلعة يوم السادس من أكتوبر 1973 برا وبحرا وجوا، أبطال من فولاذ تهاوت أمام شجاعتهم كل عوائق العبور من قناة السويس باتساعها الذي يتراوح من 180 مترًا إلى 220 مترا، وبعمق 17 مترا، لا يعبئون باحتمالات الضربات الضارية من سلاح الجو الإسرائيلي المزود بأحدث الأنظمة، وأعتى القنابل الموجهة، ولم ينشغل جنودنا الأشداء. وأصبحت التجربة المصرية في القضاء على الإرهاب محط أنظار العالم، يشيد بها القاصي والداني، في وقت تهاوت فيه عدة عواصم مجاورة، وسقطت فريسة لذئاب التطرف، وعاشقى الدماء، ومخربي الأوطان، من المرتزقة، واتباع القوى الخارجية. إن أسطورة المقاتل المصرى لم تتوقف عند حدود النصر في معركة تحرير أرض الفيروز الغالية من الاحتلال الإسرائيلي البغيض، أو تطهيرها من الإرهاب اللعين، بل تقود عملية التنمية والتعمير. وتنفيذا للتوجيهات الرئاسية، انطلقت في سيناء منظومة المشروعات القومية في كافة المجالات تحت إشراف القوات المسلحة صاحبة بصمة الإنجاز في أقصر مدة زمنية وبأعلى جودة وبأقل تكلفة ممكنة، فتوالت قائمة المشروعات في البنية التحتية والإسكان والصحة والتعليم والزراعة والصناعة، ولعل الصورة تكون أوضح، عندما نعلم أن الدولة أنفقت في سبيل تنمية شبه جزيرة سيناء بشكل متكامل قرابة 1.2 تريليون جنيه، منها 800 مليار جنيه قيمة مشروعات تم تنفيذها، واستهداف مشروعات جديدة بنحو 400 مليار جنيه خلال الفترة القادمة للوصول إلى محطة التنمية المستدامة، وهذا الاهتمام غير مسبوق، ويدل على الفكر الصحيح بأن أهم محاور حماية ترابها هو زراعة سيناء بالبشر قبل الشجر والحجر. وفي هذه المرحلة الفارقة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط وهذا الإقليم المضطرب مع تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وتطاير شرارة الحرب من دولة إلى أخرى نظرا لاستمرار العمليات العسكرية لجيش الاحتلال في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وإيران التي اضطرت للرد للمرة الثانية نتيجة للانتهاكات الإسرائيلية المتتابعة لسيادة طهران واغتيال حلفائها ومنهم إسماعيل هنية وحسن نصر الله، ما أحوجنا كمصريين شعبا وحكومة إلى روح أكتوبر العظيمة، في التخطيط الواعي والإرادة الصلبة لمواجهة كل التحديات خاصة التبعات الاقتصادية علينا بالعمل مع الصبر على المكاره، ولنا القدوة الحسنة في جيل أكتوبر، فقد تحملوا التدريب الشاق العنيد وكرروا تجربة العبور قبلها بنحو 300 مرة على ماكيت إقليمي من الحجم الطبيعي على الأرض ليكون أقرب إلى مسرح القتال بكل تضاريسه، فالأقوال لا تبنى وطنا، والشكاوى لا تحل مأزقا، البناء يحتاج إلى سواعد قوية، والتقدم لا يتحقق إلا بالعرق والدموع. والاستعداد لكافة الظروف. وهنا أجدني مدفوعا بقوة إلى التوقف أمام بعض رسائل الرئيس السيسي الهامة في توقيتها ودلالتها خلال الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من أكاديمية الشرطة، وكذلك أثناء اللقاء المفتوح مع طلاب الأكاديمية العسكرية المصرية، حول الأحداث الإقليمية، ويأتي في مقدمتها أن سياسة مصر متوازنة، ونحتاج إلى التمسك بثوابت سياستنا الخارجية التي تتسم بالاعتدال والموضوعية في ظل الاضطراب الخطير فى المنطقة، والذي حذرت منه كثيرا، ثانيا: استمرار هذا الموقف سيؤدي العواقب خطيرة في الإقليم والعالم، ويزيد رقعة الصراع بالمنطقة، ثالثا: هناك تحديات على حدودنا الغربية والجنوبية والشرقية منذ ما يقرب من عام لكن الرئيس يطمئن الشعب بأن مصر بخير، والأمور مستقرة وتسير نحو الأحسن، رابعا: القيادة السياسية تدير الأوضاع بشكل يحفظ بلادنا والمنطقة ما أمكن من التورط في أي شيء قد يؤثر على الأمن والاستقرار، خامسا: على المصريين أن ينتبهوا جيدا لحجم الكذب الضخم والشائعات التي لا أساس لها من الصحة وعليهم التصدى لها بكل السبل. والأمر المؤكد والحقيقة الدامغة أمام الجميع، أن المقاتل المصرى كما استطاع أن يجعل طائرات العدو ودباباته ومدرعاته حطاما على أرض سيناء في 1973، وقهر جيشه المغرور، فإن درس أكتوبر حاضر لا يغيب، وخير أجناد الأرض مستعدون لكل التحديات جاهزون لجميع المواقف من أجل حماية الأمن القومى المصرى، فهم من حرروا الأرض، وهزموا الإرهاب، ويقودون التنمية. حمى الله مصر وشعبها وقائدها وجيشها ومؤسساتها الوطنية من كل سوء. بأنابيب النابالم السائل، الذي طالما هدد قادة تل أبيب باستخدامها في تحويل سطح القناة إلى كتلة لهب لعرقلة أي محاولة مصرية للوصول إلى الضفة الشرقية، إنها روح الفداء، وشدة الانتماء، التي تملكت مقاتلينا فهزموا الخوف، وتغلبوا على الرهبة، ودحروا الهول خاصة أنه لم يكن أحد متأكد من نجاح رجال الصاعقة الذين تسللوا إلى سيناء يوم 5 أكتوبر في إبطال مفعول النابالم الحارق، لكنه حسن القصد، وشهية الثار، لتحرير الأرض، واستعادة الكرامة، مهما عظمت التضحيات وازدادت الخسائر، فجاء النصر عزيزا مؤزرا، وسقطت كل أوهام السيطرة الإسرائيلية، وفشلت جميع الافتراءات الصهيونية. بلغة الأرقام، ودقة الإحصائيات داس المقاتل المصرى الجريء بأقدامه خرافة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وأفسد سياسة الأمر الواقع التي حاولت مرارا وتكرارا الآلة الإعلامية للعدو اللعب على أوتارها، مع التأكيد على أن الأمن الحقيقي لا يضمنه التوسع الجغرافي على حساب الدول المجاورة، ولا تفرضه قوة السلاح مهما كان مداه، أو تحصينه فالرجال يقهرون المستحيلات والهزائم تنهى الأساطير، وهكذا دائما هم أهل الحق وأصحاب الأرض، والمثال الغني عن الكلام الكثير، والتنظير الوفير هو الساتر الترابي لأنه كان في الحقيقة عقبة من الدرجة الأولى، وتحديا أساسيا للتكنولوجيا والهندسة العسكرية في أرقى صورها خلال هذه الفترة الزمنية والحقبة العسكرية، فهو يمتد بطول القناة بكاملها، أقامه العدو من مخلفات حفر القناة قديما، وعمليات التوسيع حديثا، يتراوح من 6 إلى 10 أمتار فى ارتفاعه، وكان حائطا شديد العرض والاتساع، يصل في المتوسط إلى عشرات الأمتار مما يجعل نقبه بالوسائل التقليدية بالغ الصعوبة، أما ارتفاعه فيصل إلى نحو 10، 15 و 20 مترا في المتوسط، حسبما قال عنه عالمنا الراحل وجواهرجي الشخصية المصرية د. جمال حمدان - رحمة الله عليه في كتابه «6 أكتوبر في الاستراتيجية العالمية»، لكن ما تحقق يوم العزة والكرامة في السادس من أكتوبر 1973 أذهل العدو قبل الصديق، وحير الخبراء العسكريين والاستراتيجيين سنوات وراء سنوات، وما خفى كان أعظم في سيرة النصر العظيم. وبالطبع لا يقل العائق الثالث وهو خط بارليف المنيع صعوبة عما قبله من حصون؛ لأنه لم يكن قابلا للتدمير بإصابات القنابل المباشرة، سواء بالمدفعية الثقيلة، أو من الطائرات القاذفة، لكن أيضا كان فصل الخطاب في إصرار الرجال، وشكيمة الأبطال، وهنا يقول د. جمال حمدان: "لقد كانت ملحمة اكتساح خط بارليف في جوهرها صراعا بين الشجاعة والمناعة شجاعة المقاتل البحتة ومناعة الأبراج المشيدة، مثلما كانت مواجهة بين فلسفة الخطوط الزاحفة المتحركة ونظرية الخطوط المحصنة الثابتة، وفي الحالتين تغلبت الأولى على الثانية، وتغلبت الإرادة على الأرض، والإنسان على السلاح، وأصحاب الأرض على الغاصبين، لقد جاءوا رأوا وانتصروا .. عبروا .. اكتسحوا وانطلقوا". إن قواتنا المسلحة لم تقل نصرا سهلا من وراء ظهر جيش الاحتلال، إنما انتزعناه من بين أسنانه بجدارة واقتدار»، حسب تعبير د. جمال حمدان، وهذا هو دأبها على مدى عدة سنوات صعاب خلال محاربة الإرهاب في سيناء وعلى كل الجبهات، فقد دخلت في حرب متواصلة مع أهل الشر من جماعة الإخوان الإرهابية وحلفائها في الداخل والخارج من التنظيمات المتطرفة تارة بالعمليات التخريبية الخسيسة ضد مختلف مؤسسات الدولة، وتارة بالشائعات الهدامة لضرب استقرار الوطن، لقد وقف رجال القوات المسلحة بالمرصاد لكل المتآمرين على وحدة البلاد وأمن العباد، رغم التضحيات الهائلة بالدم والروح، من أجل تثبيت أركان الدولة، ووضعها على الطريق الصحيح للتنمية ومواصلة البناء في كل القطاعات، وفقدنا في هذه المعركة المقدسة 3277 شهيد، بالإضافة إلى 12 ألفا و 280 مصابا، ووصلت فاتورة الخسائر المادية لنحو 84 مليار جنيه حتى عام 2017 بتكلفة شهرية مليار جنيه، وفقا لتأكيدات الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال إفطار الأسرة المصرية في 2022 ونتيجة لهذه الدماء الطاهرة، وتلك التضحيات العظيمة نجحت مصر في كسر شوكة الإرهاب، وإنقاذ الوطن من شروره وواد مخططاته.