الأحد 12 يناير 2025

المصور

حلمى النمنم يكتب.. خلى السلاح صاحي

  • 12-1-2025 | 14:26

الكاتب الصحفي حلمي النمنم

طباعة
  • بقلم: حلمى النمنم
تأتى ذكرى حرب أكتوبر العظيمة هذا العام، في ظل ظروف استثنائية بالغة التعقيد على حدودنا الجنوبية الأمور مشتعلة في السودان الشقيق. منذ منتصف أبريل سنة 2023 بين طرفين كل منهما غير قادر على حسم المعركة وغير راغب فى الوصول إلى تفاهم وسلام، بل إن أحد القادة الكبار أدلى بتصريح الشهر الماضى ذكر فيه «نحن على استعداد للصمود مائة عام». وهذا يعنى أن الحرب لن تتوقف بكل ما جلبته من دمار وخراب حوالى عشرة ملايين سوداني هجروا مدنهم وقراهم وبيوتهم. شبح المجاعة يخيم. الرعاية الصحية في انهيار. في الشمال الشرقي لم تتوقف بعد العمليات العسكرية الإسرائيلية لتدمير غزة والضفة، عام بالتمام والكمال، أكثر من ذلك امتدت الحرب إلى جنوب لبنان، والواضح أنها مرشحة للاتساع على حدودنا الغربية، لم تستقر الأمور تماما في ليبيا. وهكذا فى كل مكان حولنا نيران ولهيب دعوات السلام فشلت جهود الوسطاء لم تنجح، الأمم المتحدة نفسها عجزت عن تقديم حل.. في كل صراع يتحرك الطرفان وفق أيديولوجية وأهواء كل منهم.. وهذا ينعكس علينا سلبا، سواء فى المجال الاقتصادي أو السياسي الاجتماعي فضلا عن أنه يضيف المزيد من الأعباء علينا سياسيا واجتماعيا. هنا، تحديدا، نحتاج إلى روح أكتوبر سنة 1973، روح الجهد الدءوب والعمل الخالص والانتصار العظيم.. تتمثل روح أكتوبر في عدة أمور.. ابتداء لابد من وجود الدولة الوطنية»، تمثل التيار الجامع لكل المصريين فى مشروع وطنى واضح المعالم، يحافظ على الأراضى المصرية وتماسك الجماعة الوطنية، وهنا يكون دور القيادة السياسية ومؤسسات الدولة لصيانة أهداف وطموحات ذلك المشروع، فضلا عن الدفاع عن ثوابته جغرافيا وإنسانيا. في القلب من هذه المؤسسات لابد من وجود الجيش الوطني» أو «جيش وطنى قوى وفق مبادئ ثورة 23 يوليو 1952.. يمثل ذلك الجيش إجماع واحترام المصريين، يتكون من كل أبناء المصريين. جيش وطني، أي ليس طائفيا ولا حزبيا ولا أيديولوجيا كذلك. ولابد لهذا الجيش من تدريب كف وتسليح رفيع المستوى وقيادة محترفة.. بهذه المعانى والقيم تكونت روح أكتوبر، خضنا الصعاب بل المستحيلات. حاول الأعداء، وغير الأعداء تخويفنا قبل الحرب، وكانت تحذيراتهم أن خط بارليف يحتاج قنبلة نووية تعادل مرة ونصف قنبلة هيروشيما كي يتم تدميره، وأن المانع المائي لا يمكن عبوره لأن أنابيب النابالم تمتد تحت سطح الماء وبضغطة زر سوف تتحول المياه إلى كتل من النيران، قالوا لنا أيضا إن العدو متفوق تكنولوجيا ومخابراتيا علينا، وقالت «جولدا مائير» رئيسة وزراء إسرائيل وقتها إن المصريين أمامهم نصف قرن حتى يكونوا جاهزين للقتال، لكننا كنا جاهزين وبدأنا حرب الاستنزاف بعد عدة أسابيع فقط من حرب يونيه 1967 واستمرت حتى 30 يونيه 1970، ثم دخل وقف إطلاق النار وبدأ الاستعداد لمعركة العبور. وبين حين وآخر نسمع من ينادون لخوض الحرب لأي سبب مهما كان بسيطا، والحق أن قرار الحرب ليس من السهل اتخاذه ويجب دراسة أبعاده ومدى الاستعداد له، والاحتمالات التي يمكن أن تترتب عليه سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، قبل كل ذلك وبعده وطنيا. في حرب أكتوبر 1973، ذهبنا إلى الحرب باعتبارها الخيار الأخير، لا خيار غيره، قبل الرئيس عبد الناصر مبادرة روجرز وزير الخارجية الأمريكية، باعتبار أنها يمكن أن تفتح الباب لتحرير الأراضي المحتلة وإحلال السلام، لكن إسرائيل لم تلتزم كانوا في وضع التفوق العسكري، لذا ما كانوا بحاجة إلى السلام.. ثم جاء الرئيس أنور السادات وأعلن في 4 فبراير 1971 مبادرة للسلام، تقوم على انسحاب إسرائيل لمسافة 15 كيلو مترا شرق القناة، ويتم تطهير قناة السويس واستئناف الملاحة البحرية، ثم تدخل في عملية سلام تصور الجميع أن العالم سوف يرحب بالمبادرة لأن فيها عائدا اقتصاديا ضخما للتجارة العالمية باختصار وقت وتكلفة الانتقال إلى أوربا والولايات المتحدة.. لكن إسرائيل رفضت المبادرة، كان لسان حالهم، ولماذا تنسحب ؟! وهكذا تقرر الدخول إلى الحرب، وكان لابد من الاستعداد بالتسليح الجيد. وهنا أتت المعضلة الكبرى الاتحاد السوفييتي، لا يقدم لنا السلاح المطلوب، كان شعار السوفييت أنهم لا يقدمون لأحد أسلحة هجومية، يقدمون فقط أسلحة دفاعية، ولذا توترت علاقة الرئيس السادات بهم. في صيف سنة 1973 كان الاستعداد للعبور أوشك على الاكتمال الخطة وضعت بالكامل التدريبات على قدم وساق في القوات المسلحة مشكلة الساتر الترابي على الشاطئ الشرقى للقناة تم حلها، كانت القوات المسلحة قد أقامت ساترا مشابها له في دهشور وبدأ ضربه بالمدفعية، فلم يتحقق أي نجاح كان التراب يتطاير ويملأ الجو غبارا ثم يعود ليستقر من جديد، تم ضربه بالقنابل فلم تفلح، وأخيرا كانت فكرة خراطيم المياه، من خلال تجربة بناء السد العالي اقترحها العميد باقى زكى يوسف، وهو ضابط مهندس بالقوات المسلحة، شارك في بناء السد.. نجحت التجربة. وتبين وجود مضخات مياه ذات قدرة معينة موجودة في ألمانيا، تستعمل لرش الحدائق والمزارع بالمياه، وطبقا المذكرات وزير الحربية السابق الفريق أول محمد أحمد صادق أرسل الملحق العسكري المصري في ألمانيا مضخة تم تفكيكها ثم ركبت هنا، فوجدت مناسبة، وتم استيراد شحنة منها لصالح شركة مساهمة البحيرة، وكانت تعمل في استصلاح الأراضي، وصلت الشحنة ونقلت إلى مزارع الشركة وأراضيها ومن هناك نقلت سرا إلى قواتنا المسلحة... في 30 أغسطس سنة 1973 عقد الرئيس السادات في منزله اجتماعا لمجلس الأمن القومي كي يخطرهم أننا على وشك دخول الحرب وأنه لا خيار أمامنا السفير أشرف غربال حضر ذلك الاجتماع، كان عضوا بالمجلس وكتب عنه في مذكراته، ذكر أن وزير التموين اعترض على دخول الحرب لأن مخزون القمح لدينا يكفى لمدة أربعين يوما فقط، وإذا قامت الحرب لن تتمكن من الاستيراد.. الوزير المسئول عن المالية، وزير الخزانة رفض أيضا، لأن الاحتياطى الأجنبى النقدى لدينا لا يكفى الدعم العمليات الحربية لأكثر من ثلاثة أيام، وتحدث الفريق أول أحمد إسماعيل على وزير الحربية عن نقص الذخيرة والسلاح لدينا قياسا على ما لدى العدو، وقال رحمه الله لكن لأن الأمر يتعلق بكرامتنا، لابد من خوض الحرب". بعدها بشهر 30 سبتمبر 1973، عقد الرئيس اجتماعا آخر، رفيع المستوى، ليعلن فيه أن الحرب قد تكون خلال أيام.. وطبقا للسفير أحمد أبو الغيط في مذكراته أن الفريق محمد حافظ إسماعيل كان متخوفا من الحرب وأراد أن نعود ثانية إلى حرب الاستنزاف.. لكن بعد النقاش المطول استقرار الرأى على قرار العبور... ماذا يعنى ذلك كله ..؟ الحرب ليست نزهة ولا خطابا عنتريا ولا هي فنجرة بق». فارق كبير بين حرب تخوضها دولة وجيش نظامي وحروب الهواة التي تشنها بعض الميليشيات أو العصابات، وفارق بين حرب تقوم لهدف وطنى وهو تحرير الأرض وتلك التي تخاض للسلب والنهب أو لتحقيق مكاسب سياسية صغيرة أو تلك التي تشن بالوكالة أو الإيجار ولنستبعد حروب المقاهي والخطب العصماء الجوفاء.. هذه حروب الخيال تسير مع الدخان الأزرق بالمقهى. حروب الدول ينبغى أن تكون محسوبة بأدق التفاصيل.. ولذا انتصرنا وتحقق العبور خلال ست ساعات بتعبير توفيق الحكيم عبرنا الهزيمة» وبتعبير الرئيس السادات في خطابه يوم 16 أكتوبر 73 بمجلس الشعب، أن قواتنا المسلحة قامت بمعجزة.... قرار الحرب هو أصعب قرار، إذا اتخذ لا يمكن الرجوع عنه ويمكن أن تبدأ حرب، لكن لا تعرف كيف تنهيها ولا يمكن التنبؤ بمساراتها، لذا يجب أن يكون هناك هدف محدد، واضح، عند الوصول إليه يمكن القول حققنا الانتصار.. ويمكن التفكير في تهدئة ويبدأ التفاوض أو السير نحو السلام، فى حرب 1973، كان هناك التوجيه الاستراتيجي الذي وجهه الرئيس بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى القائد العام.. التوجيه نشر قبل ذلك وبات معروفا وكان توجيها يسمح للقوات بحرية الحركة والهجوم وفي خطاب للرئيس السادات إلى الجنود بعد انتهاء الحرب، كان سعيدا بحق... قال حققنا الأهداف ورجعنا بنسبة 85 في المائة من أسلحتنا... وهذا يكشف مدى الكفاءة، فى التخطيط وتنفيذ العمليات. ما تزال حرب أكتوبر 1973 مليئة بالأسرار والخبايا، وما تزال بحاجة إلى الدراسة العميقة والتأمل، إلى اليوم ما تزال فرنسا وأوربا تدرس حروب نابليون وما تزال روسيا تدرس حروبها زمن القياصرة مع اليابان وغيرها، فضلا عن صمودها أثناء الحرب العالمية الثانية في لينينجراد بما أدى إلى تراجع الجيش الألماني وانحسار نفوذ هتلر.. نحن أيضا يجب أن تدرس حروبنا وما حققناه خلالها، لا ندرسها من موقع التحزب السياسي البغيض ولا تصفية الحسابات والخلافات مع الزعماء والقادة، لأن الحروب في النهاية.. خاضها الشعب بمقاتلين وجيش يمثل كل المصريين. ولأسباب كثيرة منذ الاحتلال البريطاني كنا محاصرين بالاحتلال ومحاولة القضاء على فكرة أن يكون لدينا جيش وطني قادر على حماية حدودنا، حتى بلغت القحة بالمفاوض البريطاني في معاهدة 1936 وكان وزير الخارجية البريطاني أنطوني ايدن أن يقول للنحاس باشا، حين طالب بجلاء القوات البريطانية عن منطقة القناة... نحن نود الخروج والرحيل، لكن ماذا نفعل ليس لديكم جيش قادر على حماية القناة والملاحة فيها. عدد غير قليل من قادة الحرب كتبوا مذكراتهم عنها ونشرت... المشير أحمد إسماعيل المشير الجمسى.. الفريق سعد الدين الشاذلي، الفريق كمال حسن على الفريق محمد على فهمى وغيرهم، فضلا عن الأحاديث العديدة لعدد منهم، بعد الحرب مباشرة لبعض الصحف، باختصار لدينا مادة ثرية وخصبة عن هذه الحرب وبطولاتها، نحتاج فقط القراءة المدققة والدراسات الجادة لأن الشغب والخلافات السياسية بعد الحرب مع الرئيس السادات حول أساليب التفاوض مع إسرائيل، جعل الأنظار تلتفت عن المعنى الأساسي وهو الحرب والانتصار العظيم.. حين نرى الانكشاف المخابراتي والمعلوماتي الضخم والمخيف الحزب الله أمام إسرائيل، فلابد أن تتذكر الرئيس السادات ورجال سلاح الإشارة بالقوات المسلحة حين استعملوا اللغة النوبية كشفرة اتصال على الجبهة ولما أمكن للإسرائيليين التنصت عليها، عجزوا عن حلها، لأنها لغة شفهية منطوقة وليست مكتوبة.. هذا درس بسيط جدا قد يراه بعضنا بسيطا فما بالنا بالجوانب الأخرى ؟! والآن بعد 51 عاما على انتصار أكتوبر، لا تزال المخاطر حولنا قائمة، خاص جيشنا حربا شديدة في سيناء منذ سنة 2014، في عملية حق الشهيد»، وأمكن تحرير سيناء كاملة من ميليشيات الإرهاب والإرهابيين، الذين هبطوا علينا بمشروع الإسلام السياسي» لضرب الدولة الوطنية وضرب مؤسساتها الراسخة بدءا بالقوات المسلحة.. وكان ذلك تحديا قاسيا، واجهناه بعزم وقوة، وكلل الله جهودنا بالانتصار، ولم تنته التحديات ولن ننتهى، لأن مصر بحكم موقعها وثقلها مطمع للكثيرين، خاصة مشروع الإسلام السياسي والشرق الأوسط الجديد وهما وجهان لنفس العملة.. وأصحاب المشروع المتأسلم ومشروع الشرق الأوسط الجديد أو الفوضى الخلاقة» يدركان جيدا أن مصر هو البلد الذي يمكنه التصدى لهذه المشاريع، لذا تشتد الحرب علينا بالميليشيات والجماعات الإرهابية تارة، والطابور الخامس من أعضاء جماعة حسن البنا تارة أخرى، أولئك الذين يسمون "الخلايا النائمة" هؤلاء يحاربون بسيل الشائعات أو ما يعرف بالحرب النفسية وتارة يمارسون حروبا اقتصادية. كل هذه الحروب تستهدف الدولة الوطنية كمشروع وحلم، فصلا عن أنها واقع من خلال مؤسسات عتيقة وراسخة يحاولون هز الثقة في المؤسسات وفي القائمين عليها، يزعزعون ثقتنا بالهوية الوطنية لكنهم لن ينجحوا بفصل الوعى الجمعي من هنا لابد من التركيز على بناء الوعي لدى المواطن الوعى بالتحديات التي تواجهنا. وحين تنظر حولنا ونتأمل أحوال المنطقة، فلابد أن ندرك... أنه طوال الوقت يجب أن يكون لدينا "جيش وطنى قوى"، لديه أحدث تسليح ممكن وأفضل تدريب وإعداد وأن يضم كذلك أفضل الجنود والمقاتلين.. دون ذلك سوف يتجرأ علينا الإرهابيون والأعداء التقليديون.. والكارهون الحاقدون باختصار "خلى السلاح صاحى لا لتهديد أحد ولا للمزايدة على أحد، بل حماية وتأمين حدودنا وأمننا القومى.. وجود الجيش والسلاح، يمنع نشوب الحرب لا يعطى فرصة للصغار ولا للكارهين أن يفكروا في الاعتداء.. "خلى السلاح صاحي"، كان شعارنا سنة 1973، ويجب أن يبقى شعارنا دائما وأبد .....

أخبار الساعة

الاكثر قراءة