لأكثر من 7 أيام تستمر حرائق لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وسط صعوبة تواجه السلطات للسيطرة عليها، فوفقا لتقديرات المسؤولين في الولاية المدينة تقدر نسبة احتواء الحرائق في منطقتي باليساديس وإيتون، بنسبة 13% و27%، مع توقعات استمرار إجراءات إخلاء المناطق، للسيطرة على الحريق الذي دمر أكثر من 12 ألف مبنى حتى الآن.
فيما كشف خبراء بيئة أسباب صعوبة السيطرة على حرائق لوس أنجلوس حتى الآن، ومنها عوامل المناخ بسبب هبوب العواصف ونشاط الرياح القوي، بخلاف صعوبة توقع الأماكن التي ينتقل إليها الحريق والتعامل معها.
حرائق لوس أنجلوس
ويقول الدكتور تحسين شعلة، خبير البيئة، إن الحرائق التي تشهدها الغابات حول العالم في الآونة الأخيرة هي نتيجة مباشرة للتغيرات المناخية وظروف الطقس القاسية التي تزيد من احتمالية اندلاع الحرائق وانتشارها بشكل واسع يصعب السيطرة عليه، موضحا أن حرائق لوس أنجلوس جزء منذ هذه الظروف القاسية.
وأوضح شعلة في تصريح خاص لـ"بوابة دار الهلال"، أن حرائق الغابات تبدأ عادة مع دخول فصل الخريف، حيث تتساقط أوراق الأشجار وتتراكم على الأرض لتشكّل طبقة من المواد العضوية القابلة للاشتعال، مضيفا أن هذه الطبقة قد يصل سمكها إلى مترين أو ثلاثة أمتار، وتحتوي على نسبة كبيرة من الحرارة، مما يجعلها أكثر عرضة للاشتعال عند تعرضها لأي مصدر شرارة مثل البرق أو رمي أعقاب السجائر.
وأشار إلى أن الرياح القوية والأعاصير تلعب دوراً كبيراً في تفاقم هذه الحرائق، حيث تنقل النيران من منطقة إلى أخرى بسرعة هائلة يصعب السيطرة عليها، موضحا أنه عندما يحدث إعصار بسرعة 225 كيلومتراً في الساعة مثل إعصار بيتا الذي شهدته الولايات المتحدة مؤخراً، فإن الكتل الهوائية تحمل معها ألسنة اللهب من المحيطات أو البحيرات إلى الغابات، مما يؤدي إلى انتشار الحرائق على نطاق واسع".
وأكد أن الأعاصير ليست مجرد عواصف مدمرة تهدم البيوت والبنية التحتية، بل إنها تحمل معها نيران الحرائق وتزيد من قوة التدمير، موضحا أن هذه الأعاصير يمكن أن تستمر لمدة تصل إلى 24 أو 48 ساعة، ما يعني أن الحرائق تنتقل بسرعة كبيرة خلال هذه الفترة، مما يصعّب مهمة رجال الإطفاء في احتوائها.
وفيما يخص حرائق لوس أنجلوس، أكد أن الولايات المتحدة شهدت مؤخراً موجة من الأعاصير المدمرة، بدءاً من إعصار "ميلتون" في فلوريدا، والتي تسببت في خسائر فادحة نتيجة تزامنها مع حرائق الغابات، مضيفا أن الدمار الناجم عن هذه الكوارث ليس فقط تدميراً مادياً للمنازل والبنية التحتية، بل يمتد إلى خسائر بيئية هائلة نتيجة احتراق مساحات شاسعة من الغابات".
ظاهرة يصعب السيطرة عليها
وأكد خبير البيئة أن السيطرة على حرائق الغابات أمر بالغ الصعوبة، خاصة مع وجود عوامل مساعدة مثل الأكسجين والرياح والمواد العضوية المتراكمة في الغابات، مؤكدا أن النار مع وجود الرياح القوية تتحول إلى كارثة طبيعية يصعب إيقافها، خاصة إذا كانت مصحوبة بأعاصير تحمل النيران لمسافات طويلة".
وأوضح أن غضب الطبيعة لا يمكن السيطرة عليه، والحرائق والفيضانات والأعاصير هي من الظواهر الطبيعية التي لا يمكن للإنسان التحكم بها.
وأكد الدكتور تحسين شعلة أن ما نشهده اليوم من حرائق غابات وأعاصير وفيضانات هو نتيجة التغيرات المناخية التي باتت تهدد العالم، موضحا أن الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، رفضت خلال السنوات الماضية دعم المبادرات العالمية لمكافحة التغيرات المناخية، وهو ما أدى إلى تفاقم الكوارث الطبيعية، وظهرت ظواهر "النينو" و"اللانينا" التي تغير الأنماط المناخية حول العالم، ما يؤدي إلى زيادة الأمطار والفيضانات في بعض المناطق، في حين تتعرض مناطق أخرى إلى جفاف وحرائق.
وأكد ضرورة أن تعيد الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، النظر في سياساتها تجاه التغيرات المناخية، مشيراً إلى أن الخسائر الاقتصادية والبيئية الناجمة عن الكوارث الطبيعية لم يتم حصدها بعد، وهناك خطر كبير يهدد الأمن الغذائي العالمي بسبب هذه الكوارث، وعلينا التحرك سريعاً للحد من آثار التغيرات المناخية قبل فوات الأوان".
ظاهرة التخمر وعوامل طبيعية
ومن جانبه، يؤكد الدكتور مجدي علام، الخبير البيئي، أن حرائق الغابات في الولايات المتحدة أصبحت أكثر تكراراً في السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن ما يميز هذه الحرائق الأخيرة هو حجمها الهائل وسرعة انتشارها في مناطق سكنية غالية الثمن، مثل تلك التي يقطنها مشاهير السينما والنجوم في كاليفورنيا.
وأوضح علام في تصريح خاص لـ"بوابة دار الهلال"، أن طبيعة البيئة في الولايات المتحدة تختلف عن غيرها من دول العالم، ما يجعل توقع أماكن الحرائق وطرق السيطرة عليها أمراً بالغ الصعوبة، فهي بلد مترامي الأطراف، تختلف ظروفه المناخية من منطقة إلى أخرى، لذلك لا يمكن مقارنة ما يحدث هناك بما يحدث في أماكن مثل الصين أو اليابان، فلكل منطقة ظروفها الطبيعية التي تؤدي إلى نشوب الحرائق وانتشارها".
وأشار الخبير البيئي إلى أن أحد أسباب اشتعال الحرائق بشكل سريع هو ظاهرة تخمر أوراق الأشجار المتساقطة في الغابات، موضحاً أن سقوط الأوراق وتراكمها تحت الأشجار، ثم تعرضها لمياه الأمطار، يؤدي إلى تخمر الأوراق وإطلاق غاز الميثان، الذي يساعد على انتشار النيران بسرعة كبيرة.
وقال علام: "هذه الأوراق المبللة تبدأ في التخمر، وعند إطلاقها غاز الميثان، يكون كافياً لاشتعال الحرائق عند تعرضها لأي شرارة، ومن هنا تبدأ النيران في الانتشار، فالشجرة الواحدة يمكن أن تشعل شجرتين، ثم يتحول الأمر إلى كارثة عندما تشتعل عدة أشجار معاً، وتنتقل النيران إلى مساحات واسعة من الغابات".
وأضاف أن وجود الغطاء النباتي الكثيف في الولايات المتحدة يجعل السيطرة على الحرائق أمراً صعباً للغاية، فكلما زادت الكثافة النباتية، زادت احتمالات التخمر واندلاع النيران.
البنية التحتية غير مهيأة لمواجهة حرائق بهذا الحجم
وأوضح الدكتور مجدي علام أن البنية التحتية في الولايات المتحدة ليست مهيأة بشكل كامل لمواجهة حرائق الغابات بهذا الحجم والسرعة، مؤكدا أن مقاطع الفيديو التي تم تداولها مؤخراً تظهر كيف لجأ السكان إلى إزالة المياه من منازلهم باستخدام "الدلو" والأواني، لعدم وجود بنية تصريف للمياه أو آليات كافية لإخماد النيران.
وأضاف: "حتى الطائرات المخصصة لإخماد الحرائق، التي تستخدم لرش المياه أو المواد المخصصة لإطفاء الحرائق، ليست كافية للتعامل مع هذه الكارثة، موضحا أنه كنا نتوقع أن تكون الولايات المتحدة مجهزة بمعدات حديثة، ولكن اتضح أن الأمر مختلف تماماً، وأن البنية التحتية هناك غير كافية للتعامل مع حرائق الغابات على هذا النطاق.
اختلاف الفصول يؤثر على الحرائق
وأوضح الخبير البيئي أن الحرائق في فصل الشتاء تختلف عن الصيف من حيث طبيعة الرطوبة ونسبة المياه في الجو، مشيراً إلى أن فصل الشتاء يتميز بوجود شبورة مائية في الصباح، ما يجعل الجو مليئاً بالرطوبة التي تقلل من احتمالات نشوب الحرائق، لكن مع ذلك، فإن موسم الشتاء الحالي بدأ بقوة، ولم يعطِ فرصة للاستعداد، حيث شهدنا أمطاراً غزيرة وحرائق في نفس الوقت
وأكد الدكتور علام أن حرائق الغابات في الولايات المتحدة أصبحت ظاهرة طبيعية يصعب السيطرة عليها بسبب طبيعة الغطاء النباتي الواسع والكثيف، موضحاً أنه من الصعب توقع متى وأين يمكن أن تبدأ الحرائق.
وقال: "لا يمكن لأحد توقع مكان أو توقيت الحريق، ولا حجمه أو سرعة انتشاره، لأنه قد تشتعل النيران فجأة في منطقة، وتنتقل بسرعة إلى مناطق أخرى دون سابق إنذار، وهذا ما يجعل الحرائق في الولايات المتحدة كارثة طبيعية مستمرة".
وأشار إلى أن الحرائق قد تستمر في الاشتعال لفترة طويلة إذا لم يكن هناك تدخل سريع بطائرات الإطفاء أو رش المواد المضادة للنيران، ولكن حتى مع هذه التدخلات، فإن السيطرة على النيران في الغابات المفتوحة أمر بالغ الصعوبة.
تأثير التغيرات المناخية
وأضاف الخبير البيئي أن ما يحدث الآن في الولايات المتحدة هو جزء من تأثيرات التغيرات المناخية التي أصبحت تهدد العالم بأسره، مشيرا إلى ظواهر مثل حرائق الغابات والبراكين والعواصف الشديدة أصبحت أكثر تواتراً نتيجة التغيرات المناخية، وهذا ما يدق ناقوس الخطر حول العالم".
وأشار إلى أن بعض الدول، مثل البرازيل، شهدت أيضاً قطعاً عشوائياً للأشجار في غابات الأمازون، مما ساهم في تدمير البيئة وزيادة احتمالات الحرائق.
وأضاف: "ما حدث في البرازيل كان كارثة بيئية بكل المقاييس، حيث تم تدمير مساحات شاسعة من الغابات لصالح مشروعات عمرانية وطرق، مما أدى إلى زيادة احتمالات نشوب الحرائق في هذه المناطق".