ليس من المبالغة القول إن «الحروب المستقبلية، ليس بالضرورة سلاحًا.. طيرانًا يحلق فى السماء، وآلات حربية تنطلق أرضًا، بينما تحاصر السفن البلاد بحرًا»، بل هى وعى فكرى، يسيطر عليه المُعتدى، لترويض الطرف الآخر بهدف تدميره، والانقضاض على مقدراته، وبسط نفوذه وهيمنته على الموارد المادية، بعد هدمه معنويًا.
وخلال العقد الأخير من الزمن، لم تكن الدولة المصرية تهتم فقط بالمشروعات القومية العملاقة، ولكن كانت القضية الأصيلة، هى بناء الإنسان وهى هدف إيجابى، بداية من مقولة الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما رفع شعار «البناء فى الإنسان»، وظهر هذا من خلال العديد من المبادرات الرئاسية، من أجل صياغة الجمهورية الجديدة لمفهوم جديد لحقوق الإنسان، يتضمن حقه فى حياة كريمة وصقله فكريًا وثقافيًا فى مختلف مراحل العمر، لاسيما شريحة الشباب، التى شهدت اهتماما خاصا من الرئيس السيسى، تمثل ذلك فى عقد مؤتمرات دولية لشباب مصر، وهذا ما تحدث عنه خبير الإعلام الرقمى تامر الخشاب، فى الحوار التالى:
أولًا.. صف لنا كيف تتم صناعة الوعى الحقيقى للشعوب؟
هناك العديد من العوامل التى تؤثر فى صناعة وعى حقيقى للمواطنين، أهمها الإعلام والمؤسسات الحكومية.. فعلى سبيل المثال عندما يتعرض مواطن ما، لتجربة سيئة عند تعامله مع المصالح الإدارية، يتحول على الفور إلى بيئة خصبة لتلقى وبث رسائل وعى مزيف من جانب أهل الشر، أما الإعلام فهو الأداة الأساسية فى صناعة الوعى وتوجيه الفكر وتشكيل الرأى العام للجمهور، من خلال وسائله المختلفة، المقروءة والمرئية والمسموعة، وقد تطور الأداء الإعلامى مؤخرًا بشكل ملحوظ وإيجابى، حيث أصبح يوجه المواطنين من خلال رسائل توعية تتناسب مع المتغيرات التكنولوجية الحالية بما يلقى اهتماما من الشعب، بالإضافة إلى أن الإعلام أصبح يقدم محتوى مميزا يُشعِر المواطن بأن الدولة مهتمة بما يشغل باله دائمًا.
كيف ترى أداء الدولة المصرية فى صناعة وتشكيل وعى المصريين؟
منذ اللحظة الأولى لتولى الرئيس عبدالفتاح السيسى إدارة البلاد، وهو يعمل وفق شعار «يد تبنى ويد تحمل السلاح»، فقام بتحديد كافة المشكلات التى تؤرق حياة المصريين، منها على سبيل المثال مشكلة الازدحام المرورى الشديد، الذى كان يعكر صفو كل مصرى، فشرعت الدولة بتنفيذ أكبر عملية تطوير وتوسعة لشبكة الطرق فى تاريخ البلاد، ليختفى مصطلح «التكدس المرورى» من قاموس المصريين خلال سنوات قليلة، الأمر الذى جعل المواطن يشعر بأن دولته تهتم بما يحلم هو به، وتقف إلى جانبه وتعمل بجهد وشرف وأمانة لتحقيق أهداف الحياة الكريمة لأبنائها..
أما على مستوى الخدمات الحكومية، والتى كانت مصدر إزعاج للمواطنين، من تدنى ما يتم تقديمه لهم، وهو ما تم تجسيده - حرفيًا، من خلال أحداث الفيلم الشهير «الإرهاب والكباب» للزعيم عادل إمام، فقد جسد واقعا كان يعيشه كل مصرى عند تعامله مع المصالح الإدارية، إلا أن الدولة المصرية استشعرت هذه المعاناة التى تواجه مواطنيها، وطورت منظومة الخدمات الحكومية بعد مبادرة الرئيس السيسى للتحول الرقمى، الأمر الذى طور من أداء كافة الجهات التى تخدم المصريين، فأصبحنا اليوم قادرين على استخراج كافة المستندات والوثائق الحكومية «أون لاين»، أو من خلال مراكز الخدمات الحكومية الثابتة أو المتنقلة التى تقدم خدماتها بأسرع طريقة ممكنة.
كما أن الإعلام يسعى حاليًا لربط الإنجازات والمشروعات العملاقة، التى نفذت على مدار العقد الأخير، بمقدار الاستفادة التى تنعكس على المواطن وحياته جراء تلك الاستثمارات البناءة، وذلك للقضاء على فكرة أن الحكومة خصم للمواطن، بل باتت الدولة فى خدمة أولادها، تعمل على توفير حياة كريمة لهم.
إذن.. هل أصبح الإعلام حاليًا يقدم ما ينوط به فعليًا فى ظل التحديات المرتبطة بتشكيل الوعى؟
قبل عام 2011، كان الأداء الإعلامى - أقل ما يوصف به، هو «الكارثى»، نظرًا للانفلات الكبير، الذى انتشر عبر الشاشات والقنوات الفضائية والبرامج الحوارية، حتى على مستوى الإعلام الرياضى والفنى وغيره من التخصصات، فقد كانت الرسائل التى تصدر للمواطن سلبية تبث اليأس فى نفوس المواطنين وتقلل من عزيمتهم، مما وفر البيئة المناسبة لصعود المنصات الإعلامية المضادة للدولة، التى كان أهل الشر يتخذونها كمنابر لهم، تنشر وتبث الأكاذيب عن البلاد، وبمرور الوقت ومع تشكيل كيانات إعلامية متخصصة، اختلف الأداء الإعلامى المصرى تمامًا، فشهد الإعلام التقليدى والإلكترونى تطورًا كبيرًا وملحوظًا بصورة أعادت للمواطن ثقته مجددًا بالإعلام المحلى، إلا أنه ما زال أداء الإعلام التقليدى متأخرًا بخطوة عن غيره، ويحب أن يظل التطوير والتحديث مستمرًا عبر مختلف الوسائل، لمجابهة الإعلام المضاد، الذى يسخر كل إمكانياته من أجل هدم عزيمة وإرادة المصريين وزعزعة الثقة مرة أخرى بين المواطن وحكومته.
كما يجب أن يسلط الإعلام الضوء بشكل مفصل، على التحديات التى واجهت المصريين أثناء تنفيذ المشروعات القومية العملاقة، وتلك التى أنجزت على أرض الواقع خلال العقد الأخير، وكيف تمكن المصريين بإرادتهم القوية وعزيمتهم الكبيرة وتأهيلهم المتطور، فى التغلب على كافة هذه العقبات.
برأيك.. ما الأدوات الإعلامية التى يجب التركيز عليها فى عملية تشكيل الوعى؟
هناك العديد من السبل والطرق التى يستطيع الإعلام انتهاجها فى عملية تشكيل وعى صحيح وسليم للمصريين، وقد تم تطبيق العديد منها مؤخرًا، مثل استخدام الدراما فى بناء وعى المصريين من خلال تجسيد الأعمال البطولية والملحمية التى قامت بها القوات المسلحة المصرية وعناصر الشرطة المدنية بجانب أهالى سيناء الشرفاء خلال الحرب ضد الإرهاب والعناصر الإجرامية فى سيناء والحدود الغربية، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، مسلسل «الاختيار» بأجزائه المتعددة، حيث رصد وجسد بطولات أبناء الجيش والشرطة المصرية، والتضحية فى سبيل الحفاظ على مصر من خطر سيطرة العناصر الإرهابية، كما هو الحال فى كثير من الدول المحيطة..
وقد ساهمت تلك الأعمال الفنية الهادفة، فى تشكيل وعى المصريين بمختلف أجيالهم، بل وتركت أثرًا كبيرًا سيظل محفورًا فى أذهان الشعب، عن تلك الفترة الحرجة من تاريخنا، وكيف كانت جماعة الإخوان المحظورة الإرهابية تسعى بشتى الطرق الإجرامية خلال العقد الأخير، لمعاقبة مصر، بعد إخراجهم من السلطة، مما شكل لدى المصريين وعيا كافيا لرفض أى محاولات لعودتهم مرة أخرى للمشهد، كما لمسنا حين عرضت تلك المسلسلات البطولية، ردود الأفعال الإيجابية من الأطفال والشباب، على هذه الأعمال الدرامية، التى رصدت الواقع ببراعة وإتقان، وبالفعل حققت المردود منها، ورغم كل هذا، يجب التنويع فى الأدوات التى يستخدمها الإعلام، حتى لا يشعر المواطن بالملل من المحتوى، فعلى سبيل المثال يجب أن ينتقل الإعلام التقليدى والإلكترونى إلى تطبيق أفكار غير نمطية تناسب الشباب باعتبارهم الهدف الأثمن للأجهزة المعادية لمصر، ونذكر مثالًا، حين ظهرت العديد من الأفكار غير التقليدية خلال تغطية مهرجان العلمين الأخير، التى ساهمت فى خلق حالة من الرضا والمتابعة لمشروع قومى نفذته الدولة، وهو مدينة العلمين الجديدة، لذا يجب أن تحذوا وسائل الإعلام نفس النهج الذى اتخذته مع هذا المشروع، مع بقية استثمارات ومشروعات الدولة الأخرى، فيجب على الإعلام أن ينتقل إلى المرحلة الإبداعية.
ما تقييمك بشأن مواجهة الدولة المصرية لمحاولات نشر وعى مزيف من جانب أهل الشر؟
يعتمد إعلام هؤلاء «الخونة»، على نشر أكاذيب وشائعات بين المواطنين، مستغلين فى ذلك بعض الثغرات الصغيرة التى تحدث فى أى دولة حول العالم، فيقومون بتصدير هذه الهفوة إلى المواطنين باعتبارها أزمة كبرى مع إضافة بعض الافتراءات عليها، إلا أن الدولة المصرية أصبحت أكثر وعيًا أمام مثل هذه الممارسات المضللة، وتعكف دائما على الشفافية والمصارحة مع أولادها، فلا يمر وقت إلا ويخرج رئيس الوزراء بنفسه متحدثًا فى مؤتمر صحفى أمام كافة وسائل الإعلام، للرد على استفسارات المواطنين وتوضيح النقاط التى تشغل الرأى العام.. فضلًا عن تدشين المرصد الحكومى للشائعات، لتسليط الضوء عليها وتصحيحها وتكذيبها، الأمر الذى يقطع الطريق أمام كل محاولات أهل الدمار، لبث الفتن والوقيعة بين الشعب ودولته.
وهل تختلف عملية بناء الوعى للشباب عن بقية فئات المجتمع الأكبر عمرًا؟
بالطبع، فالشباب لديهم طاقة كبيرة من النشاط والحيوية والإبداع والانطلاق، ودائما يسعون لكل ما هو جديد، فهم إحدى الثروات القومية للدولة، ودائما ما تكون الأخيرة فى مخيلة الشباب، عبارة عن رجل رصين يرتدى بدلة كلاسيكية، لذلك كنا نجد الشباب دائمًا ما يعزفون عن متابعة أى أنشطة تنظمها الدولة، أما بعد تولى الرئيس السيسى الحكم، فقد استثمر كثيرًا فى عملية بناء وعى الشباب، من خلال عدة أنشطة، مثل مؤتمر شباب العالم، وكذا تأهيل الشباب المصرى عبر الأكاديمية الوطنية للتدريب، التى تؤهل الكوادر الشابة للقيادة، وأصبح هناك العديد من نواب المحافظين والوزراء فى الحكومة من شباب الجنسين، ولكن لا زال المشوار طويلًا، فى ظل المحاولات المستمرة من قبل العدو الخارجى، لمحاربة شبابنا، بتصدير أفكار لا تتناسب مع الهوية المصرية عبر وسائل التواصل الاجتماعى وغيرها، أملًا منهم فى طمس الهوية الوطنية للشباب المصرى.. وبالتالى فهى ستظل إحدى أهم معارك حرب الوعى التى تخوضها مصر شعبًا وقيادة، باحترافية وثبات يبهر العالم.
ماذا عن الآليات الأخرى التى يمكن أن تستخدمها الدولة فى بناء وعى سليم للمواطن؟
الوعى الصحى يأتى من خلال لغة تواصل جيدة بين المواطن ودولته، فكلما تقاربت اللغة التى يتواصل بها النظام الحاكم مع شعبه، انعكس ذلك إيجابًا على تشكيل وعى صحيح وسليم وصحى للمصريين، والعكس صحيح، مع الأخذ فى الاعتبار ضرورة تحديث وتطوير هذه اللغة الحوارية، بما يتناسب مع اهتمامات المواطنين، وكذلك آليات العدو المضادة، ويجب أن يشمل ذلك، ضرورة تحديث وتطوير أداء الجهات المنوطة بتشكيل الوعى، مثل الكنائس والمساجد والمدارس والجامعات، ودور الثقافة، وزارة الشباب والرياضة ومراكز الشباب المختلفة والنوادى الرياضية.
كيف يلعب الوعى دورًا محوريًا فى حروب الجيل الرابع؟
أولًا يجب أن نتفق أن الشعوب هم خط الدفاع الرئيسى ضد أى تهديدات تستهدف أمن وسلامة الدول، ففى اللحظة التى يغيب فيها وعى الشعوب تسلب منهم ثرواتهم ومقدراتهم وأرضهم كذلك، وهو ما يؤكد عليه الرئيس السيسى منذ توليه الحكم بضرورة التحلى بقدر عالٍ من الوعى السليم، ولنا فى الدول المجاورة العديد من الأمثلة الحية على نتائج غياب الوعى لشعوبها، فقد تم استغلال ثرواتها ودمر جيشها ووصلت - أحيانًا، إلى تقسيم أرضها، لذا يجب أن ننتبه لتلك الممارسات التى تستهدف الوعى فى ظل تحديات اقتصادية ومستويات متصاعدة من التضخم أدى لارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة بشكل فاحش، ودائمًا ما تسعى القوى المعادية لهدم القامات العلمية والفنية والرياضية المشرفة، مثل نجمنا محمد صلاح، الذى وصل لمستوى عالمى غير مسبوق، وهو لاعب يعشق وطنه، إلا أن هناك محاولات خارجية، يسخرون ذيولهم عبر منصات السوشيال ميديا لهدم القدوة الوطنية المتمثلة فى لاعب مصرى محترف حقق المجد لنفسه ولبلاده رافعًا علم مصرنا الحبيبة عاليًا، وليس صلاح فقط، بل يستهدف أهل الشر كل الرموز الوطنية، يهدمون الثوابت والقيم للأسرة المصرية، يحاولون بث شعور السخط لدى المصريين من حياتهم، وذلك حتى يقوم الشعب بتدمير نفسه ودولته دون الحاجة لتحريك قوى عسكرية من الخارج.
هل تعد منصات التواصل الاجتماعى أخطر أدوات حروب الوعى حاليًا؟
وسائل التواصل الاجتماعى مجرد أداة من ضمن عدة سبل، ولكنها عنصر رئيسى، نظرًا لاعتماد القطاع الأكبر من المصريين، ممثلًا فى الشباب، على السوشيال ميديا، ولكن حروب الوعى تعتمد على مجموعة من الأدوات التى تتكامل معًا من أجل تحقيق هدف تلك الحروب، ألا وهو هدم وعى الشعوب، ويجب ترويض وسائل التواصل الاجتماعى، لخدمة الأهداف النبيلة، خاصة أنها سمة تكنولوجية أساسية من سمات العصر الحالى، لا يمكن الاستغناء عنها، فضلًا عن تداخل تطبيقاتها فى العديد من أوجه الحياة اليومية للمواطنين مؤخرًا، خاصة منذ تفشى وباء كورونا.. ويجب توجيه الشباب لاستخدام تلك الوسائل بطريقة إيجابية هادفة.
أخيرًا.. ما الذى توصى به لحماية أمننا القومى من خطورة غياب الوعى؟
أصبح الوعى السليم حاليًا هو عامل أساسى من عوامل حماية الأمن القومى للدول، ويتميز المصريون بجينات فريدة من نوعها، فمهما اختلف الشعب سواء فى العقيدة أو الانتماء الأيديولوجى أو حتى التعصب الكروى، أو حتى على المستوى المادى والمعيشى، إلا أنهم جميعًا حاملين لهذه الصفات الوراثية، التى تستشعر تلقائيًا الخطر المحدق بأمن بلادهم القومي، ليتحول المصريون جميعا إلى رجل واحد، نتجنب الخلافات ونتحد من أجل أمن وسلامة مصرنا.. هكذا هم أبناء هذا الوطن الغالى، يتميزون بمستوى تاريخى فريد جدًا من الوعى الفطرى الصحيح، وهو ما جعل المواطن المصرى ثابتًا مستندًا على دولته، رغم ضخامة ثمن فاتورة الإصلاح، ولكنه يبارك الخطوات التى تتخذها قيادته، طامحًا فى مزيد من الاستقرار والتقدم، بل تحول لجندى مدافع عن وطنه بكل قوة إذا تطلب الأمر.