الثلاثاء 14 يناير 2025

المصور

«الوعى» فى زمن «الشائعات».. صناعة «واجبة»

  • 13-1-2025 | 23:02

صورة أرشيفية

طباعة
  • تقرير: رانيا سالم

«لا تتوقف ماكينة الشائعات عن العمل»، حقيقة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها، ليس هذا فحسب، لكنها يومًا بعد الآخر تتطور وتطبق أحدث التكنولوجيات، ولهذا لم يتوقف الأمر عند حد صناعة شائعة أو ترويج أخبار كاذبة «مفبركة» باستخدام آليات تكنولوجية كالفوتو شوب أو التزييف العميق، لكنه تحول إلى تخليق الأحداث، لتصبح الشائعات التحدى الأكبر فى عصر الذكاء الاصطناعى، لكن يبقى الوعى السلاح الأول لمواجهتها ويصبح المواطن حائط الصد أمامها.

«شائعات_وحقائق»، هاشتاج المركز الإعلامى لمجلس الوزراء للرد السريع على سيل الشائعات التى يتم إطلاقها والترويج لها بشكل دورى على منصات التواصل الاجتماعى، ويمكن متابعة «يوميات صناعة الشائعات» ورد رئاسة مجلس الوزراء عليها بسهولة على صفحات مجلس الوزراء على منصات التواصل الاجتماعى، لتكتشف حجم التضليل والفبركة التى تتعمدها قوى الشر، وحتى لا نعيد الترويج لهذه الشائعات سيتم الإشارة لأشهر الشائعات الساذجة التى لا تحتاج لرد سوى أن تقرأ نصوص دستور بلدك، وبالرغم من ذلك تولى المركز الإعلامى بمجلس الوزراء الرد عليها منها «اعتزام بيع هيئة قناة السويس»، وهو ما تم الرد عليه، بأن هيئة قناة السويس مُصانة دستوريًا بموجب المادة 43 من الدستور المصرى التى تنص على «التزام الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها والحفاظ عليها بصفتها ممرًا مائيًا دوليًا مملوكًا لها، كما تلتزم بتنمية قطاع القناة باعتباره مركزًا اقتصاديًا مميزًا».

 

استغلال الجهل بنصوص القانون كانت سببا فى انتشار شائعة «إلغاء التوقيت الصيفى» وهو ما رد عليه مجلس الوزراء، بأن «التوقيت الصيفى والشتوى لهما قانون ولا يحددهما قرار»، وهو القانون رقم 24 لسنة 2023، والذى ينص على أنه «اعتبارًا من الجمعة الأخيرة من شهر أبريل حتى نهاية يوم الخميس الأخير من شهر أكتوبر من كل عام ميلادى، تكون الساعة القانونية فى جمهورية مصر العربية هى الساعة بحسب التوقيت المتبع مقدمة بمقدار ستين دقيقة».

 

«المياه المسمومة»

 

«شائعة لكل مواطن»، هكذا تطبق قوى الشر سياستها، فالشائعات فى كل المجالات يمكنك رصد التصدى لها والرد السريع عليها من المركز الإعلامى لمجلس الوزراء وصفحاته على منصات التواصل الاجتماعى، منها شائعة أطلقت فى 25 سبتمبر الماضى، حيث تم تداول رسائل صوتية على تطبيق «واتس آب» تزعم إصدار شركة المياه منشورا تحذيريا بعدم استخدام المياه لأغراض الشرب، وهو ما تم نفيه، مشددةً على أن مياه الشرب بكافة محافظات الجمهورية سليمة وآمنة تمامًا وخالية من أى ميكروبات ضارة أو ملوثات، ومطابقة للمعايير والمواصفات القياسية، ويتم مراقبتها على مدار الساعة من خلال منظومة المعامل والجودة.

 

«التقاوى الفاسدة»

 

شائعة فى 7 أبريل الماضى عن «استيراد مصر شحنات تقاوى فاسدة»، وهو ما نفته وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، موضحةً أن «جميع التقاوى المستوردة سليمة وآمنة ومطابقة لكافة المواصفات القياسية، وتخضع جميعها للفحص والرقابة من قبل إدارة الحجر الزراعى المصرى».

 

وفى هذا السياق، قالت الدكتورة فاطمة شعبان، رئيس قسم الإذاعة والتليفزيون بالمعهد الدولى العالى للإعلام بأكاديمية الشروق: «الوعى» هو مزيج بين الثقافة والصناعة، فهو فى حاجة إلى أسس ثقافية قوية تأتى عن طريق التعليم والتنشئة الاجتماعية، وهذا دور الأسرة، وفى الوقت ذاته فى حاجة لمحتوى إعلامى مقدم مدروس، وتكون هناك آليات يستخدمها الإعلاميون لتوعية الجماهير، وهو دور الإعلام.

 

«بناء الوعى عملية مستمرة»، حسبما أكدت «د.فاطمة»، وهذه العملية تحتاج إلى تكامل وجهود مشتركة بين الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والمؤسسات الحكومية بشكل عام، فهى منظومة متكاملة تتضافر جهودها من أجل خلق وصناعة الوعى كسلاح لمواجهة وتصدى لكافة المخاطر، وعلى رأسها الشائعات والأخبار المفبركة والمضللة، التى أصبحت سلاح العصر فى حروب الجيل القادمة.

 

وأضافت: التصدى للشائعات يلزمه العمل على ثلاثة مسارات رئيسية، أولها توفير المعلومات الدقيقة ويكون هناك شفافية بشكل دورى من الجهات الرسمية، وكل ما توفرت المعلومات كل ما تناقصت الشائعات، والمسار الثانى هو الرد السريع، فلا يجب أن أتعامل مع الشائعات وأنتظر أن تنتهى من تلقاء نفسها، وتحديدًا مع الشائعات المتعلقة بالصحة والسلع الغذائية، فلا بد أن يكون هناك رد سريع على الشائعة فور ظهورها لمنع انتشارها وتحولها فيما بعد بما يعرف بـ «الحقائق الزائفة»، وفى هذه المرحلة حتى ولو تم الرد على الشائعة وتصحيحها لا تلقى قبولا أو تصديقا من الأفراد، لهذا يطلق عليها الحقيقة الزائفة.

 

«التربية الإعلامية»، المسار الثالث الذى حددته أستاذة الإعلام فى مواجهة الشائعات، وهى تنشئة الجمهور على أن يقوم بالتمييز بين الأخبار الموثوقة والمفبركة، من خلال تمكنه من التفكير النقدى، وهو ما تطبقه وزارة التعليم بشكل تدريجى تخرج من إطار التلقين والحفظ إلى التفكير النقدى تعلم النشء ألا يبقى متلقيا سلبيا، وكيف يُفكر، والتميز بين الأخبار الموثوقة والمفبركة.

 

«أسباب متنوعة جعلت من منصات التواصل الاجتماعى بيئة حاضنة للشائعات والأخبار المفبركة والمضللة»، هذا ما أكدته «د.فاطمة»، وأرجعته إلى سهولة النشر على هذه المنصات، وانعدام الرقابة، فالجميع لهم الصلاحية لنشر كافة المحتويات، لكن فى الوقت ذاته يمكننا تحويلها لمنصة للتوعية أو صناعة الوعى، وهى الميزة الأهم فى منصات التواصل الاجتماعى، فيمكننا كمؤسسات إعلامية أن نحولها لمنصات توعوية، وأن نستخدمها بشكل صحيح لنشر الحقائق.

 

وضربت «د.فاطمة»، مثالًا بالاستخدام المثالى لصفحات مجلس الوزراء، وتحديدًا المركز الإعلامى لمجلس الوزراء فى النشر بشكل فورى والرد على الشائعات وهو دور مهم، وهى خطوة إيجابية، ومحمودة، فمجلس الوزراء استخدم المنصات التى تنشر الشائعات كمكان للتصدى لها.

 

وعن الشائعات الساذجة والتى يتم الإصرار على ترويجها قالت أستاذة الإعلام: هناك عدد من الشائعات الساذجة التى يتم الإصرار على ترويجها ومنها شائعة بيع قناة السويس وإلغاء التوقيت الصيفى وإلغاء المخصصات التموينية، هذه نتيجة الثقة المنخفضة للأفراد، وفى الوقت ذاته الجهل بالقوانين، وهنا لا بد أن نقابله بإعادة بناء الثقة وزيادة الوعى، وهو ما يحاول تطبيقه مجلس الوزراء فى بوستات شائعات وحقائق، فهو يطرح ردًا سريعًا ويقدم معلومات مؤكدة وموثقة، برد من الوزارات والهيئات الحكومية أو نصوص القانون والدستور، لكن على مجلس الوزراء بناء الوعى وتعريف المواطنين بشكل مستمر بنصوص القانون والدستور بشكل دورى وبشكل مبسط، لآن بناء الثقة وزيادة الوعى عملية متراكمة.

 

كما شددت على عدم انتظار الشائعة، فعلى المركز الإعلامى لمركز الوزراء والمؤسسات الحكومية أن تسبق بخطوة بطرح المعلومات بشكل مبسط وبصرى ومحبب للأفراد، كالإنفوجراف والفيديوهات القصيرة والريلز، والطرح بشكل مستمر للتوعية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للمواطنين، حتى تتراكم المعرفة لديهم ويزداد الوعى ويصبح المواطن هو حائط صد أمام الشائعات.

 

كما أشارت إلى أن «الجهل لا يعنى قلة التعليم، فهناك عدد كبير من لديهم مستوى تعليم عال لكن ليس لديهم علم بنصوص الدستور والقوانين والاتفاقيات، ولهذا عندما يتم طرح معلومات مضللة يمكن تصديقها، لمجرد أن من طرح الخبر المضلل ذكر أنها نص قانونى، لكن هل لدى وعى لقراءة الدستور والقانون والتأكد من هذه الأخبار المضللة».

 

وأعطت «د.فاطمة»، مثالا أثناء التعديلات الدستورية، حيث تم طرح العديد من الشائعات والأخبار المفبركة، وكان يتم نسبتها للتعديلات، لكن لم يهتم أحد بقراءة هذه التعديلات ودراستها، ولهذا عندما تم مواجهتهم بنصوص التعديلات اكتشف الجميع أن ما يطرح من نصوص ومواد لا يخرج عن كونه شائعات وأخبار مفبركة، لهذا إذا توافر الوعى توافر عدم تصديق للشائعات، إذا كان هناك جهل كان هناك انتشار للأخبار المفبركة والشائعات.

 

«التعليم والإعلام» تقع عليهما مسئولية الوعى كما ترى «د.فاطمة»، التى أوضحت أن «التعليم الجامعى وما قبل الجامعى مسئول عن رفع الوعى للطلاب، والإعلام عن طريق برامج مسئولة عن رفع الوعى، فالدول النامية لا بد أن يكون فيها الإعلام توعويا، ليس فقط للترفيه، فالهدف الأساسى والرئيسى لكل المؤسسات الإعلامية هو التوعية، فنسبة الجهل والأُمية مرتفعة حتى من يتلقى تعليما عاليا، فهناك جهل وأُمية قانونية وثقافية ولهذا لابد أن أكون إعلاما توعويا فهو واجب».

 

كما شددت على أن «سرعة الرد على الشائعات ضرورية لكنها غير كافية»، لأنه يتم ترويج شائعات بشكل مستمر، ورغم الرد السريع لكن هذا لا يُوقف الشائعات، لهذا علينا أن نقضى على مستنقع الشائعات، والقضاء عليها برفع الوعى بخطة شاملة تتركز على بناء وعى وقائى من خلال التعليم وهو ركيزة أساسية، يليها تنظيم حملات إعلامية منتظمة، فلا أنتظر الشائعة حتى أقضى عليها، وتشجيع البحث العلمى لتنفيذ المقترحات والتوصيات الخاصة بالتعامل مع الشائعات والأخبار المفبركة.

 

أستاذة الإعلام، فى سياق حديثها أكدت أن «وأد الشائعات والقضاء عليها أمر صعب فى عصر الذكاء الاصطناعى، لاسيما أنه أصبح ممكنًا تصنيع أحداث لم تحدث فى الواقع، فهى آلية تتفوق على الفوتو شوب والتزييف العميق، لكن بالوعى وتقوية منظومة الإعلام الرسمى».

 

بدورها، قالت الشيماء على عبدالعزيز، أستاذ العلوم السياسية، رئيس قسم بحوث الاتصال الجماهيرى والثقافة بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن «غياب الرقابة على منصات التواصل الاجتماعى جعلها مفتوحة للجميع وفكرة التخفى وصعوبة التواصل عليها يجعل من منصات التواصل بيئة سهلة لانتشار الشائعات».

 

وأضافت أن «منصات التواصل الاجتماعى شهدت تنوعا فى محتوى الشائعات التى يتم إطلاقها، فمنها شائعات مرتبطة بمواسم معينة كفترات الدخول الامتحانات، وفترات نهاية السنة المالية، والعلاوات الاجتماعية وارتفاع الأسعار، وحتى فترات حصاد المواسم الزراعية، ولا يمكننا أن نغفل شائعة ثمرة الطماطم وأسنان الثعبان على الرغم من أن الثعبان لا يتغذى عليها، والتى تعتبر من الشائعات الساذجة التى تم الترويج لها بكثافة مع موسم حصاد الطماطم».

 

«د.الشيماء»، لفتت إلى أن «هدف الشائعة يختلف بناء على من أطلقها، فهناك شائعات لها أهداف شخصية مثل التى تثار حول الفنانين والنجوم والمشاهير، وهناك شائعات لها أهداف سياسية واقتصادية، وهى الأكثر ترويجًا على منصات التواصل الاجتماعى، والشائعات التى تسعى لتحقيق تأثيرات سياسية واقتصادية واجتماعية ليست مجرد معلومة غير صحيحة، ولكنها معلومة مضللة مفبركة تهدف لإحداث تأثير سلبى، ويتوقف التأثير على قدر حجم الشائعة وتأثيرها، فشائعات أسعار العملة يمكنها أن تؤدى إلى تضخم وارتفاع الأسعار بشكل كبير».

 

«غياب المعلومات الموثقة وعدم الرد السريع عليها»، عنصران أكدت «د.الشيماء»، أنهما السبب فى انتشار الشائعات، فعدم توافر المعلومات الموثقة والحقيقية يجعل المتلقى يستقبل ما يقدم له من معلومات على أنها الحقيقة، وفى حالة تأخر الرد على الشائعات يجعل المتلقى يتعامل مها على أنها حقائق يتم تصديقها.

 

وتابعت أن توفير المعلومات وحرية الحصول عليها على أن تكون دقيقة وموثوقة كفيل بالرد على الشائعات وهو الفرق ما بين تعامل الدول المتقدمة والدول النامية مع الشائعات، فالمتقدمة لا تجد بيئة حاضنة للشائعات، ويتم التصدى لها فور إطلاقها لتوفير إمكانية الوصول بحرية للمعلومة.

 

«الوعى» يمكننا التعامل معه على أنه صناعة، وهذا أمر آخر تحدثت عنه «د.الشيماء»، مضيفة أننا «يمكننا صناعته من خلال مؤسسات التنشئة، وكل له دور، من أول الأسرة مرورًا بالمدرسة ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية، كل منهم يقوم بدواره فى بناء الوعى، فهذه المؤسسات عليها أن تتمتع بثقة ومصداقية، حتى تشارك فى صناعة وبناء وعى سليم ومعلوماتى لجيل بأكمله، وتكون مصدرا للتحقق لهذا الجيل».

أخبار الساعة

الاكثر قراءة