يستعرض رئيس وزراء فرنسا "فرانسوا بايرو" اليوم في خطابه أمام الجمعية الوطنية "مجلس النواب الفرنسي" سياسته العامة واستراتيجية عمله وأهم الملفات التي ستناقشها حكومته في الفترة القادمة، في محاولة لتحقيق توازن بين مختلف الأحزاب السياسية، وكسب تأييد اليسار، خاصة الاشتراكيين، دون أن يخسر دعم الكتلة الرئاسية ومعها اليمين، وهي مهمة صعبة وسط أزمة سياسية غير مسبوقة تشهدها البلاد، وفي ظل انقسامات شديدة وعدم وجود أغلبية داخل الجمعية الوطنية، وذلك في إطار تجنب أية محاولة لحجب الثقة عن حكومته والتي تم تشكيلها في 23 ديسمبر الماضي.
وكان بايرو، وهو أيضا رئيس حزب "الاتحاد من أجل الديمقراطية"، المنتمي إلى وسط اليمين، وأبرز حلفاء الرئيس الفرنسي، قد تم تعيينه رئيسا للحكومة الفرنسية، وذلك بعد نحو عشر أيام على حجب الثقة عن حكومة سلفه، ميشيل بارنييه، في البرلمان، وأصبح بايرو، البالغ من العمر 73 سنة، سادس رئيس وزراء في عهد إيمانويل ماكرون منذ ولايته الرئاسية الأولى في 2017 والرابع في عام 2024 وحدها، في مؤشر على عدم استقرار سياسي لم تشهده البلاد منذ عقود.
ويسعى بايرو منذ توليه منصبه، إلى تحقيق هذا التوازن، لذا أجرى مشاورات مع عدد كبير من ممثلي الأحزاب الفرنسية ومع ممثلي النقابات العمالية، لمناقشة الملفات التي عليها خلاف، وخاصة موازنة الدولة للعام الجديد وغيرها من الملفات الاقتصادية المهمة، إلا أن قانون إصلاح نظام التقاعد قد ظهر مجددا على طاولة المفاوضات..
فبعد أقل من عامين على تمريره عبر المادة 49.3 من الدستور خلال حكومة إليزابيث بورن، في ظل عدم وجود أغلبية في الجمعية الوطنية، عاد قانون إصلاح التقاعد والذي ينص على رفع سن التقاعد إلى 64 سنة، للنقاش مرة أخرى.
وخلال المناقشات الجارية حتى اللحظة، يسعى بايرو إلى التوصل إلى اتفاق مع أحزاب اليسار لتجنب سحب الثقة في الأشهر المقبلة.
ومن المنتظر أن يقدم اليوم الاستنتاجات التي تم التوصل إليها بعد مشاورات هذا الأسبوع خلال خطابه السياسي، وسط مطالب بإلغاء القانون أو تعليقه لفترة معينة، حيث إن الاشتراكيين يريدون تعليق هذا الإصلاح مؤقتا، بينما يطالب حزب "الخضر" اليساري بتغييرات كبيرة فيه.
وفي الوقت نفسه، ترفض أحزاب اليمين "العودة إلى الوراء" ولا يريد حزب "الجمهوريون" المساس بهذا الملف، فيما اعتبر رئيس مجموعة اليمين الجمهوري في الجمعية الوطنية، لوران فوكييه، في تصريح نقلته صحيفة "لو باريزيان" أمس أول الأحد، أن تعليق إصلاح نظام التقاعد دون سيناريو بديل هو بمثابة القفز دون مظلة، ويشاركه في الرأي رئيس مجلس الشيوخ جيرالد لارشيه الذي طالب بعدم تعليق أو إلغاء لقانون إصلاح نظام التقاعد.
ومن المنتظر أن يتخذ بايرو اليوم قرارا في هذا الصدد خلال عرض لسياسته العامة، إما أن يرفض تعليق قانون إصلاح نظام التقاعد، وإما أن يقبل تعليقه لفترة معينة، وهو ما يطالب به أحزاب اليسار، وخاصة وأن هذا القانون لا يحظى بشعبية بين الفرنسيين وكان سببا لمظاهرات كبيرة شهدتها البلاد.
وكذلك يعد ملف الزراعة ومطالب المزارعين من ضمن أولويات الحكومة الفرنسية، حيث أجرى "بايرو" عدة لقاءات مع ممثلي نقابات المزارعين والتي تطالب بـ"إجابات ملموسة" بحلول المعرض الزراعي الدولي المقبل.
وقد دعا رئيس اتحاد النقابات العمالية الزراعية الفرنسية مرة أخرى إلى تحقيق الوعود التي قطعتها السلطة التنفيذية لصالح المزارعين، ومن المنتظر أن يتحدث بايرو اليوم عن هذا الملف المهم.
من ناحية أخرى، لا تزال المفاوضات جارية حول مشروع ميزانية الدولة لعام 2025 بينما يتفاقم عجز فرنسا المالي.
وكانت الحكومة السابقة بقيادة ميشيل بارنييه تعتزم خفض عجز الميزانية من 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024 إلى 5% عام 2025، من خلال حزمة بقيمة 60 مليار يورو من تقليص الإنفاق وزيادة الضرائب، لكن نواب من اليسار واليمين عارضوا هذه الخطط "التقشفية" وصوتوا لصالح سحب الثقة من حكومة بارنييه؛ ما أدى إلى سقوطها، وبالتالي إلغاء موازنة الدولة المقترحة لعام 2025، وهو ما أدى أيضا إلى اضطرابات سياسية واقتصادية عصفت بالبلاد.
ويحاول رئيس وزراء فرنسا تجنب هذا المشهد وتمرير ميزانية الدولة لعام 2025، وقد صرح إريك لومبار، وزير الاقتصاد والمالية في حكومة بايرو، في 6 يناير الجاري، بأن مشروع قانون ميزانية 2025 الذي تعمل عليه الحكومة الجديدة يستهدف توفير 50 مليار يورو في التكاليف، وهو أقل مما كانت تستهدفه الحكومة السابقة.
وأضاف "لومبار" أن الحكومة تستهدف الآن عجزا في 2025 يتراوح ما بين 5% إلى 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي، من أجل حماية النمو.
ويسعى لومبار – والذي تولى سابقا منصب رئيس صندوق الودائع والأمانات - إلى توفير ما يقرب من 50 مليار يورو من الميزانية بشكل إجمالي، مع توفير وخفض نفقات تراكمية.
وأجرى خلال الأيام الماضية حوارات مع الأحزاب السياسية المختلفة للتوصل إلى اتفاق بهذا الشأن والحصول على موافقة البرلمان على مشروع الموازنة.
ومن المنتظر أن يعرض رئيس الوزراء خطته المالية هذه اليوم الثلاثاء في الساعة الثالثة بعد الظهر "بتوقيت باريس" في خطابه حول السياسة العامة أمام الجمعية الوطنية، آملا في تجنب مصير سلفه ميشيل بارنييه، وفي عودة الاستقرار السياسي في البلاد.