في اليوم الـ467 للعدوان على غزة، ووسط إمعان جيش الاحتلال الإسرائيلي في إبادة أهالي قطاع غزة، أعلن الوسطاء عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل في قطاع غزة، بعد جهود مصرية قطرية برعاية أمريكية دامت لأكثر من عام، جراء أنها عُرقلت مرارًا بسبب تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حفاظًا على مصالحه السياسية.
التوصل إلى تهدئة في غزة
وأعلن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن، مساء الأربعاء، نجاح الوسطاء في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، مشيرًا إلى أنه سيبدأ تنفيذه الأحد المقبل.
وقال بن عبد الرحمن، في مؤتمر صحفي عقده بالدوحة، إن قطر يسرها الإعلان عن نجاح الوسطاء في التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى والعودة للهدوء المستدام وصولًا لوقف دائم لإطلاق النار بغزة.
وبحسب رئيس الوزراء القطري، فإن المرحلة الأولى من الاتفاق مدتها 42 يومًا، وتتضمن الإفراج عن 33 محتجزًا إسرائيليًا مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين، لم يشر إليه.
وأكد أن قطر ومصر والولايات المتحدة ستعمل على ضمان تنفيذ الاتفاق، حيث ستكون هناك آليات لمتابعة تنفيذه وأي خروق قد تحدث، متمنيًا عدم تنفيذ عمليات عسكرية خلال المدة التي تسبق بدء تنفيذ الاتفاق.
بدورها، وصفت حركة حماس، الأربعاء، اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بأنه "محطة فاصلة في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي"، مؤكدة أنه "نتاج ثمرة الصمود الأسطوري لشعبنا الفلسطيني العظيم ومقاومتنا الباسلة في قطاع غزة، على مدار أكثر من 15 شهراً".
وتابعت الحركة: "يأتي هذا الاتفاق، انطلاقا من مسؤوليتنا تجاه شعبنا الصابر المرابط في قطاع غزة العزة، بوقف العدوان الصهيوني عليه، ووضع حد لشلال الدم والمجازر وحرب الإبادة التي يتعرض لها".
وأعربت عن تقديرها للمواقف الرسمية والشعبية التي وقفت إلى جانب غزة، وساهمت في فضح ممارسات إسرائيل ووقف العدوان، على المستويات العربية والإسلامية والدولية.
وتوجهت حماس بالشكر إلى الوسطاء الذين بذلوا جهودا كبيرة للوصول إلى هذا الاتفاق، مشيدة بالدور البارز الذي قامت به كل من قطر ومصر في إنجاح الوساطة.
ومنذ أيام شهدت الدوحة جولة من المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، بهدف التوصل إلى اتفاق في قطاع غزة، شارك فيها مسؤولون أمريكيون من إدارتي الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترامب، ووفد إسرائيلي يضم رئيس الموساد ديفيد برنياع، ورئيس الشاباك رونين بار.
ولأكثر من 13 شهرًا، أجرت مصر وقطر بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، لم تسفر عن نتائج تذكر، جراء عدم تجاوب تل أبيب مع مطالب الأولى، التي تتمسك بتحقيق وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وهو ما توصل إليه الاتفاق الراهن، برغبة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
محطات اتفاق وقف إطلاق النار
مع دخول ليلة الـ30 نوفمبر 2023، كثفت مصر وقطر اتصالاتهما من أجل تمديد الهدنة القائمة في قطاع غزة آنذاك، والتي عرفت بـ"هدنة الأيام السبعة" إلا أن تلك المساع قوبلت بتعنت إسرائيلي بحت، إذ اختارت مواصلة حربها على القطاع، دون القبول بأي عرض مقدم لاستكمال مسار التهدئة حتى ولو ليوم إضافي.
وفي صباح الأول ديسمبر 2023، عاود جيش الاحتلال الإسرائيلي شن غاراته على قطاع غزة، بعد هدنة دامت سبعة أيام، وعلى الرغم من ذلك واصلت مصر وقطر بذل جهودًا حثيثة في سبيل تقريب وجهات النظر بين حركة حماس وإسرائيل.
وفي هذا الإطار، قدمت مصر في ذات الشهر مقترحًا لهدنة بين حماس وإسرائيل في محاولة منها لتقريب وجهات النظر بين كل الأطراف المعنية، سعيًا وراء حقن الدماء الفلسطينية، ووقف العدوان على قطاع غزة، وإعادة السلام والاستقرار للمنطقة، وتمت صياغة هذا الإطار بعد استماع مصر لوجهات نظر كل الأطراف المعنية بهذا الشأن.
وفي محطة لافتة من تلك المحادثات، فإن حركة حماس قبلت بالمقترح الذي صاغته "تل أبيب" بشأن وقف إطلاق النار في السادس من مايو الماضي، في حين أكد مجلس الحرب الإسرائيلي مواصلة العمل العسكري في القطاع.
وفي الـ27 من مايو الماضي، وافق جميع أعضاء مجلس الحربي الإسرائيلي، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، رفض عرض المقترح على المجلس الوزاري الموسع، وفق تصريحات لـ جادي آيزنكوت الوزير المستقيل من مجلس الحرب الإسرائيلي، مفسرًا ذلك بأن هناك اثنين من شركائه "يمسكانه من رقبته"، في إشارة إلى الوزيرين إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين رفضا الصفقة وطالبا بالاستيطان في غزة.
وقابلت إسرائيل المقترح الذي قدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن، في خطاب ألقاه الـ31 من مايو الماضي، بعدم الاكتراث، علمًا بأن كان يتضمن تحقيق وقف دائم لإطلاق النار في غزة، إضافة إلى إطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين الإسرائيليين.
وفي الثاني من يوليو الماضي، قبلت حركة حماس بما عرضه الوسطاء، بناءً على مقترح بايدن، وهو ما يضمن تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى محاذاة الحدود، وفي المقابل تمسكت إسرائيل ممثلة في رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بمواصلة حربها على القطاع، والبقاء في محوري نتساريم وفيلادلفيا، ما يعد نسف لمسار المفاوضات بالكامل.
وآنذاك، وتزامنًا مع حديث الوسطاء عن أن المؤشرات أكثر إيجابية للوصول إلى تهدئة في القطاع، ارتكب جيش الاحتلال مجزرة المواصي في الـ13 من يوليو الماضي، والتي أسفرت عن سقوط 400 فلسطيني بين شهيد وجريح، رغم تصنيفها على أنها ضمن "المناطق الآمنة"، وبتبعية فقد أضر ذلك بالمحادثات.
وواصلت إسرائيل عرقلة جهود الوسطاء حتى اللحظة الأخيرة، ففي خضم محادثات الفرصة الأخيرة، التي عقدت في أغسطس الماضي، جدد نتنياهو تمسكه بمجموعة الشروط التي ترفضها حركة حماس، ولم يقبل بها الوسطاء، واعتبرها وزير الدفاع الإسرائيلي المقال يوآف جالانت، ورئيس الموساد ديفيد برنيع، قبل ذلك، أنها ستعرقل التوصل إلى الصفقة.
وفي الثاني من سبتمبر الماضي، أكدت الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يفعل ما يكفي من أجل التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى مع حركة حماس، رغم أنها زعمت مرارًا أن الأخيرة هي من تقف كحجرة عثرة في مسار التهدئة.. وبهذا يتبين أن لو كان السنوار أعاق المفاوضات مرة.. فقد أعاقها نتنياهو مرارًا.
ومع فوز الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية، التي عقدت في نوفمبر الماضي، شدد على ضرورة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في قطاع غزة.
وعلى إثر ذلك، استضافت القاهرة جولى أخرى من المحادثات في ديسمبر الماضي، أكدت الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس، أن الاتفاق "بات أقرب من أي وقت مضى، إذا توقفت إسرائيل عن وضع اشتراطات جديدة".
لكن في الـ25 من ديسمبر الماضي، اتهمت إسرائيل بوضع شروط جديدة تتعلق بالانسحاب من غزة ووقف إطلاق النار والأسرى وعودة النازحين، مما أجل التوصل لاتفاق كان متاحًا.
في الثاني من يناير 2025، أعلن نتنياهو، إرسال تل أبيب وفدًا إلى الدوحة لاستكمال المفاوضات بشأن صفقة تبادل أسرى مع الفصائل الفلسطينية في غزة.
واليوم الأربعاء، تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، يتكون الاتفاق من ثلاث مراحل، تنطلق الأولى الأحد القادم، ومدتها 42 يومًا.
وتتضمن الإفراج عن 33 محتجزًا إسرائيليًا مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين، أما المرحلتان الثانية والثالثة من الاتفاق، فيتم الاتفاق على تفاصليها في وقت لاحق.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حربًا مدمرة ضد قطاع غزة، خلفت أكثر من 156 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.