بموقف ثابت لا يتزعزع ومرتكزات واضحة للعالم، لعبت مصر على مر العقود دورا بارزا في القضية الفلسطينية، من خلال الدعم السياسي والإنساني والاقتصادي وعلى كل المستويات، سنوات طويلة من الجهد، كانت آخر محطاته بالإعلان عن اتفاق التهدئة في غزة ووقف إطلاق النار في الحرب على القطاع المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023.
وأعلنت مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية، أمس، عن توصل طرفي النزاع في غزة إلى اتفاق لتبادل الأسرى والمحتجزين والعودة إلى الهدوء المستدام بما يحقق وقفًا دائمًا لإطلاق النار بين الطرفين، ومن المتوقع أن يبدأ سريان الاتفاق اعتبارًا من يوم 19 يناير 2025.
الدور المصري فى دعم القضية الفلسطينية
منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي، وتعتبر مصر القضية الفلسطينية بمثابة أمن قومي لها، وليست مجرد قضية تخص الفلسطينيين وحدهم، فكانت مصر طرفاً أساسياً في الأحداث التي سبقت حرب عام 1948، وكان الجيش المصري في مقدمة الجيوش العربية التي شاركت في هذه الحرب، وكانت الهزيمة في فلسطين أحـد الأسباب التي أدت لاندلاع ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة الضباط الأحرار.
وفي عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كانت القضية الفلسطينية على رأس الأولويات، حيث تبنى شعار «لا اعتراف، لا صلح، لا تفاوض» مع إسرائيل في القمة العربية بالخرطوم 1967، بجانب توقيع اتفاقية «القاهرة» تدعيماً للثورة الفلسطينية.
كذلك دعم الرئيس الراحل أنور السادات، القضية الفلسطينية، حيث طالب خلال خطابه الشهير في الكنيست الإسرائيلي بالعودة إلي حدود ما قبل 1967، وفي أكتوبر عام 1975 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراها رقم (3375) بدعوة منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك في جميع المؤتمرات المتعلقة بالشرق الأوسط بناءً على طلب تقدمت به مصر وقتها نتيجة إعلان مصر والدول العربية أكتوبر 1974 على مناصرة حق الشعب الفلسطيني في إقامة السلطة الوطنية المستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
وكان لمصر دور كبير، في إنجاز صفقة تبادل الأسرى في قضية شاليط في نوفمبر 2011 حيث تم الأفراح عن أكثر من 1000 أسير فلسطيني مقابل جندي إسرائيلي واحد.
دعم مصر للقضية الفلسطينية في عهد الرئيس السيسي
ومنذ 2014، بعد تولي الرئيس السيسي الحكم، ظلت القضية الفلسطينية قضية مركزية بالنسبة لمصر، فعملت مصر على استمرار جهود حقن دماء المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني وفتح معبر رفح لاستقبال الجرحى والمصابين الفلسطينيين والمساعدات الغذائية والدوائية للشعب الفلسطيني.
كذلك استمرت جهود تحقيق المصالحة الفلسطينية، وكان من أبرز محطاتها توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس في أكتوبر 2017، في القاهرة، ووضع خارطة طريق إتمام المصالحة.
وفي 2021، أعلن الرئيس السيسي عن تقديم مصر مبلغ 500 مليون دولار كمبادرة مصرية تخصص لصالح عملية إعادة الإعمار ووجه الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك في تنفيذ عملية إعادة إعمار قطاع غزة نتيجة الأحداث التي شهدها القطاع آنذاك، وكان لمصر دورا كبيرا في تحقيق التهدئة ووقف إطلاق النار وحقن الدماء.
الموقف المصري تجاه الحرب على غزة
وتبنت الدولة المصرية، منذ الساعات الأولى لاندلاع العدوان على قطاع غزة، في أكتوبر 2023، موقفا ثابتا على عدة مرتكزات، أكدها الرئيس عبد الفتاح السيسي في عدة محافل عربية ودولية، من خلال مطالبته بالوقف الفورى والمستدام لإطلاق النار فى القطاع بلا قيد أو شرط، ووقف جميع الممارسات التى تستهدف التهجير القسرى للفلسطينيين إلى أى مكان داخل أو خارج أرضهم، وكذلك اضطلاع المجتمع الدولى بمسئوليته، لضمان أمن المدنيين الأبرياء من الشعب الفلسطينى.
كما طالبت مصر ضمان النفاذ الآمن والسريع والمستدام، للمساعدات الإنسانية، وتحمل الكيان المحتل مسئوليته الدولية، بعدّها القوة القائمة بالاحتلال، والتوصل إلى صيغة لتسوية الصراع، بناء على حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وأكدت مصر رفض تصفية القضية على حساب دول الجوار، كما دعت إلى إجراء تحقيق دولى فى كل ما تم ارتكابه من انتهاكات ضد القانون الدولى.
وبادرت مصر بالدعوة لعقد مؤتمر القاهرة الدولي للسلام بحضور ممثلي 34 دولة في 21 أكتوبر 2023، حيث طرح المؤتمر خريطة طريق متكاملة لحل أزمة غزة والقضية الفلسطينية ككل، وخلاله قدم الرئيس السيسي مقاربة شاملة لحل الأزمة مؤكدا رفض مصر لتصفية القضية الفلسطينية ومخططات التهجير وضرورة إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني وضمان حقوقه في إقامة دولته.
وتواصلت جهود المساعدات المصرية لقطاع غزة فأكثر من 80% من إجمالى المساعدات الإنسانية التى أرسلت لقطاع غزة، منذ 7 أكتوبر 2023، جواً وبراً وبحراً كانت مساعدات مصرية، ومنها 72.2% من المساعدات التى دخلت لقطاع غزة برياً.
كذلك تواصلت جهود مصر دورها فى دعم الأشقاء الفلسطينيين ومساندتهم عبر جولات المفاوضات المتتالية التي عقدت في القاهرة بحضور كافة الأطراف، بجانب استضافة وفد حركتي حماس وفتح في أشهر أكتوبر ونوفمبر وديسمبر الماضين لإتمام المصالحة.
وحشدت القاهرة الجهود الدولية الدبلوماسية على كافة المستويات، لحشد الدعم الدولى للأشقاء، ومنع تصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير القسرى لأهالى الضفة الغربية وقطاع غزة، وساهمت هذه الجهود في دعم اعتراف بعض الدول بالدولة الفلسطينية منها النرويج والمجر وإسبانيا.
وبذلت مصر جهودا مضنية على مدار الأشهر السابقة في التوصل إلى توافق على بنود الهدنة، فتحققت الهدنة الأولى في 24 نوفمبر 2023 واستمرت عدة أيام إلى أن تمت خرقها ، تم فيها تبادل عدد من الأسرى ووقف مؤقت لإطلاق النار، وإدخال أطنان من المساعدات من مصر والدول الأخرى .
ثم في يناير 2024، شهدت العاصمة الفرنسية اجتماعا دوليا بمشاركة ممثلين من مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل، بهدف وضع إطار تفاوضي لإقامة صفقة تبادل للأسرى بين حماس وإسرائيل، ورغم الاتفاق المبدئي على إطار التفاوض، رفض الطرفان المعنيان مخرجات الاجتماع .
وشهد فبراير 2024 سلسلة من المحادثات والمفاوضات في القاهرة، تنوعت بين لقاءات الوسطاء وجولات تفاوض غير مباشرة بمشاركة ممثلين عن حماس وإسرائيل، واستمرت المحادثات تلك الفترة في القاهرة والدوحة، استضافت القاهرة اجتماعا عربيا بمشاركة السلطة الفلسطينية، ركّز على سبل إقامة هدنة إنسانية في القطاع، بهدف إنقاذ من بقي وتخفيف المعاناة الإنسانية عليهم.
إعلان اتفاق الهدنة
ويتضمن الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان، وأعلن عنه أمس، ثلاثة مراحل، تشتمل المرحلة الأولى ومدتها 42 يومًا على وقف لإطلاق النار، وانسحاب وإعادة تموضع القوات الإسرائيلية خارج المناطق المكتظة بالسكان، وتبادل الأسرى والمحتجزين، وتبادل رفات المتوفين، وعودة النازحين داخليًا إلى أماكن سكناهم في قطاع غزة، وتسهيل مغادرة المرضى والجرحى لتلقي العلاج.
كما تتضمن المرحلة الأولى تكثيف إدخال والتوزيع الآمن والفعال للمساعدات الإنسانية على نطاق واسع في جميع أنحاء قطاع غزة، وإعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية والمخابز، وإدخال مستلزمات الدفاع المدني والوقود، وإدخال مستلزمات إيواء النازحين الذين فقدوا بيوتهم بسبب الحرب.
وفي هذا الإطار، أكدت جمهورية مصر العربية ودولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية أن سياستهم كضامنين لهذا الاتفاق هي التأكيد على أن جميع مراحله الثلاث ستنفذ بشكل كامل من قبل الطرفين. وعليه، فإن الوسطاء سيعملون بشكل مشترك لضمان تنفيذ الأطراف لالتزاماتهم في الاتفاق والاستمرار الكامل للمراحل الثلاث.
وسوف يعمل الضامنون أيضًا بالتنسيق مع الأمم المتحدة والدول المانحة والشركاء من جميع أنحاء العالم لدعم الزيادة السريعة والمستدامة في المساعدات الإنسانية إلى غزة بموجب الشروط المنصوص عليها في الاتفاق. وفي هذا السياق، نحث الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي على دعم هذه الجهود بموجب الآليات المتبعة في تنفيذ الاتفاق.