الأربعاء 22 يناير 2025

ثقافة

الروائي جورج أورويل.. صاحب الكتابات الممنوعة ومؤلف «مزرعة الحيوان»

  • 21-1-2025 | 22:28

جورج أورويل

طباعة
  • همت مصطفى

كاتبٌ وصحفي وروائي  وناقد إنجليزي شهير، يتميَّز عمله بالذكاء وخِفَّة الظل، والوعي العميق بالظلم الاجتماعي، والإيمان بالاشتراكية الديمقراطية أثرى المكتبة العالمية بأجمل الروايات السياسية الناقدة، حيث برز من خلالها وعيه السياسي للواقع المرير الذي عاصره، و ألّف العديد من الروايات التي تركت بصمة في تاريخ الأدب العالمي، وتُرجمت للغات عدة منها العربية،  إنه الأديب المتميز البريطاني جورج أورويل.

قدم  «أورويل» لسيرته الذاتية في روايتي «إطلاق النار على الفيل» ورواية «أيام بورما»، حيث سرد تجربته الذاتية وردوده على الحكم الاستعماري البريطاني في بورما، فقد عبّر أ«ورويل» من خلال رواياته عن شخصية كاتب ملتزم بالدفاع عن الطبقات الفقيرة والمُستعمَرة، وبقي يغني العالم بكتاباته حتى ترحل  عن عالمنا في مثل هذا اليوم 21 يناير في لندن عام 1950.

بدايات جورج أورويل
 

وُلد «إريك آرثر بلير»، الشهير بالاسم المستعار «جورج أورويل»، في موتيهاري في البنغال في الهند في 25 يونيو عام 1903، لوالده ريتشارد والمسلي بلير، الموظف البسيط في الخدمة المدنية الهندية، ولوالدته فرنسية الأصل،  إيدا مابل ليموزين ، وإخوته  مارجوري بلير ، وإيفريل بلير، وعاد مع والديه إلى إنجلترا، ثم أُرسل في سن الثامنة لمدرسة داخلية على ساحل ساكس في جنوب شرق إنجلترا.

ظهر على «أورويل» النبوغ والفكر المتقد، بالرغم من ذلك كان فتىً كئيبًا وانطوائيًا، فاعتبره البعض غريب الأطوار، وحصل على منح دراسية في مدرستين رائدتين هما ويلينجتون وإيتون، وإيتون هي واحدة من أكبر المدارس الثانوية المستقلة وأكثرها عراقةً، درس «أورويل» في «ويلينجتون»  ثم  انتقل إلى ايتون، وبقي فيها حوالي أربعة أعوام من عام 1917 حتى عام 1921.

 

تأثر « أورويل» أثناء دراسته بالروائي الإنجليزي «ألادوس ليونارد هكسلي»، بحيث نشر الأخير كتاباته الأولى في دوريات المدرسة، وفيما بعد قرر عدم مواصلة دراسته متبعًا تقاليد أسرته، ففي عام 1922، وهو في التاسعة عشر شدَّ رحاله إلى بورما، وهناك عمل كمساعد مشرف في الشرطة الإمبراطورية الهندية.

روايات جورج أورويل من وحي حياته

أثّرت خدمة «أورويل»  في بورما كثيرًا على أفكاره، فكان شخصا يتمتع بحس أخلاقي عال، فشعر بالخجل من نفسه بسبب عمله كضابط شرطة استعماري، هذه التجربة كان لها دورٌ كبيرٌ في بلورة أفكاره وإنتاجه لروايات من وحي ما عاشه.

اسم الكاتب جورج أورويل المستعار اشتق من نهر« أورويل»، في إيست إنجيليا، ونشر روايته الأولى تحت هذا الاسم، ومن ثم استمر بالكتابة تحت هذا الاسم، كتب جورج أوريل الأجزاء الأخيرة من رواية «1984»، في فترات بين نوبات دخول المستشفى بسبب مرض السل ومنزله في جزيرة جورا.

ضد الرأسمالية 
بسبب ضيق « أورويل» من الرأسمالية ورفضه الشخصي من الحياة البرجوازية، أطلق على نفسه لقب أناركي، وبدأ يعتبر نفسه اشتراكيًا، رفض « أورويل» الخدمة العسكرية إبان الحرب العالمية الثانية، وترأس الخدمة الهندية لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.

رحلة «أورويل» مع الإبداع

 ذهب «أورويل»في عام 1927، في إجازة إلى إنجلترا مقررًا عدم العودة إلى بورما، واتخذ قراره في أول يناير عام 1928 بالاستقالة من الشرطة الإمبراطورية البريطانية، حيث شعر بالذنب بسبب الحواجز العرقية والطبقية التي حالت بينه وبين الاختلاط مع البورميين، وكنوع من التكفير عن الذنب قرر أن يعيش كحياة الفقراء والمنبوذين في أوروبا، فانتقال للطرف الشرقي من لندن حيث عاش في مساكن متواضعة.


و انتقل «أورويل» إلى باريس وعمل في عدد من الفنادق والمطاعم الفرنسية كغاسل للأطباق، كان لهذه التجربة دورًا في صقل شخصيته وانطلاق مخيلته لتأليف روايته «أيام في بورما » عام 1934، والتي كانت بمثابة صك على بياض للاعتراف بجورج أوريل كأديب وروائي يتبنى قضية إنسانية وهي المساواة والعدالة الاجتماعية.

وعبّر «أورويل» من خلال هذه الرواية عن رأيه الناقد لطريقة تعامل المستعمر مع السكان الأصليين في بورما، من خلال تسليط الضوء على موظف صغير يسعى للتواصل مع السكان البورميين محاولًا الابتعاد عن الفوقية والنظرة الاستعمارية الشوفينية الضيقة لزملائه البريطانيين.


 ألّف  «أورويل» رواية «ابنة رجل الدين»، 1935موهي تحكي قصة  فتاة عانس تعاني من الكآبة وتسعى لتتحرر من خلال تجربة العمل بين بعض المزارعين، أما في عام 1937، وألّف  «أورويل» أطروحته السياسية «الطريق إلى رصيف ويجان»، سلّط الضوء من خلالها على تجربته في العيش بين المعوزين وعمال المناجم والعاطلين عن العمل، حيث وجّه انتقادًا لاذعًا للحركات الاشتراكية القائمة آنا ذاك.
 

وانضم «أورويل» إلى قوات المعارضة الجمهورية في إسبانيا في الحرب الأهلية أثناء الثورة على فرانكو، قاتل في آرغون وتيرويل، وأُصيب بجراح خطيرة فيها، كما قاتل ضد الشيوعيين في برشلونة، وكان لهذه التجربة أثرًا كبيرًا عليه وأسس لخوفه الدائم من الشيوعية، ليؤلف كتابه الشهير «الحنين إلى كاتالونيا» في عام 1938، والذي يعتبره كثير من النقاد والقراء من أفضل أعماله الأدبية.

و ألف رواية «الصعود إلى الهواء» في عام 1939، أثناء قضائه إجازة في المغرب، ونُشرت قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بفترة وجيزة، تجمع هذه الرواية بين الخوف من الحرب الوشيكة وذكريات الطفولة الحالمة على ضفاف نهر التايمز، تدور أحداث الرواية في العصر الإدواردي من عام 1901 حتى عام 1910، ملخص الرواية الحنين ومحاولة استعادة أمجاد الماضي، ويناقض هذه الصورة تحطم أحلام الشباب والعمل المضجر والتقدم بالعمر.


في عام 1943، عمل «أورويل» كمحرر أدبي في صحيفة اشتراكية يسارية لها ارتباطات مع زعيم حزب العمال البريطاني أنورين بيفان، كتب فيها العديد من المقالات، كما كتب عن تشارلز ديكينز في العديد من الصحف.


وفي العام التالي، انتهى  «أورويل» من روايته «مزرعة الحيوان»، تتكلم الرواية عن مجموعة من الحيوانات التي تطرد قادتها البشر المستبدين، ليؤسسوا مجتمع قائم على العدالة والمساواة، وما يلبث أن ينقلب قادة الثورة والمحبين للسلطة على أتباعهم ليشكلوا دكتاتورية أكثر قمعًا وظلم من أسيادهم البشر، وهي رواية ناقدة بشكل رمزي للتجربة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي، ولخيانة ستالين للثورة الروسية.

أشهر الروايات.. «مزرعة الحيوان»
 

حققت رواية «مزرعة الحيوان»، شهرة واسعة وذلك بسبب الاسقاطات التي قام بها أورويل على التجربة السوفيتية والأنظمة الدكتاتورية التي حكمت بعض دول العالم بشكل عام، إنها رواية ليومنا هذا يمكن إسقاطها على كثير من الأنظمة الشمولية الموجودة في عدد كبير من دول العالم، والظلم والاضطهاد الذي تمارسه بحق مجتمعاتها، لقد كتب أورويل هذه الرواية بصيغة أدبية رائعة ممزوجة بالخيال الخصب.
 

ألّف «أورويل» في عام 1949،  رواية «1984»، حذّر  في هذه الرواية من الأنظمة الشمولية، حيث يتكلم عن أوقيانوسيا وأوراسيا وإيستاسيا وهي ثلاث دول دكتاتورية وذات نظام شمولي لكنها متحاربة بشكل دائم، فأوقيانوسيا يحكمها حزب واحد يروج لأفكار متناقضة ويرفع شعارات الحرب سلام، والحرية عبودية والجهل قوة، ويسيطر على كل مقدرات الدولة فيها، ويحارب الفكر الحر؛ كما حذّر أورويل في هذه الرواية من النظامين التوأمين النازية والستالينية، ومن أخطار الأنظمة التوليتارية الشمولية.

مؤلفات «أورويل»
ومن مؤلفات «أورويل» كتاب متشرّد في باريس ولندن» عام 1933م، رواية «ابنة القس» عام 1935م، كتاب الطريق إلى رصيف ويجان  ورواية «Keep the Aspidistra Flying» عام 1936، كتاب الصعود إلى الهواء عام 1939، وكتاب «Inside the Whale» عام 1940.

 وكتاب «الكتب مقابل السجائر» عام 1946. وكتاب« تحية كاتالونيا»  عام 1952م، كتاب «All art is propaganda ، كتاب «Diaries، كتاب «Orwell on Truth»، كتاب « A Life in Letters»

ومن أهم مؤلفات «أورويل» كتاب «الحنين إلى كاتالونيا» و«الخروج إلى الهواء»، إلا أنَّ أشهرها على الإطلاق روايته الديستوبية «1984»، وروايته القصيرة الساخرة «مزرعة الحيوانات»

وتجاوزَت نسبةُ مبيعات الروايتَين معًا نسبةَ مبيعات أيِّ كتابَين لأي مؤلِّف آخَر في القرن العشرين، نالت  مؤلفات  «أورويل»غيرُ الأدبية،  ومنها «الطريق إلى رصيف ويجان» — والعديد من المقالات التي كتبها في السياسة والأدب واللغة والثقافة؛ شهرةً واسعة. و استمر تأثير «أورويل» في الثقافة المعاصرة، الشعبية والسياسية، حتى بعد عقودٍ من وفاته.

أشهر أقوال جورج أورويل
 من أقوال «أورويل»..  جوهر الإنسان هو أن المرء لا يسعى إلى الكمال»،  «اللغة السياسية…. صُممت لجعل الأكاذيب تبدو صادقة، والقاتل محترمًا، وتعطي مظهر الصلابة للرياح النقية».

 ومن أقواله جميع الحيوانات متساوية، لكن بعض الحيوانات أكثر مساواة من غيرها، الليبرالي عابد القوة بدون قوة.

 الحياة الشخصية

 وتزوج «أورويل» من الكاتبة البريطانية إيلين بلير في 9 يونيو عام 1936، وبقيا معًا حتى وفاتها في 29 مارس 1945.

وفاة جورج أورويل

رحل  الأديب  جورج أورويل، عن عالمنا  عن عمر ناهز 46 عامًا، في أحد مستشفيات لندن بعد معاناته مع مرض السل في 21 يناير عام 1950، ودُفن في أكسفوردشير شمال غرب لندن، لكن بقي أثره في حياتنا حتى اليوم بتقديم رواياته بالعديد من الأعمال الفنية بالإذاعة والمسرح والسينما  والتلفزيون.

الاكثر قراءة