شهدت قاعة العرض بجناح وزارة الثقافة المصرية، ضمن فعاليات البرنامج الثقافي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، ندوة ضمن محور "التراث الحضاري" لمناقشة كتاب «الفلاحة» لأبي الخير الإشبيلي الشجار الأندلسي، بتحقيق ودراسة الدكتورة آية الجندي، المتخصصة في التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة عين شمس، والصادر عن سلسلة التراث الحضاري بالهيئة المصرية العامة للكتاب.
كما تطرقت الندوة إلى مناقشة كتاب "نصوص الأندلس" لابن العزري، بتحقيق الدكتور الإهواني ودراسة الدكتور أحمد عادل قرني. أدار الندوة الدكتور أسامة السعدوني، بحضور جمهور وزوار قاعة 3 بمركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية في التجمع الخامس.
في بداية الندوة، أشار الدكتور أسامة السعدوني إلى أن صاحب كتاب «الفلاحة»، أبو الخير الإشبيلي الشجار، يُعد أحد أبرز علماء الفلاحة في الأندلس. عاش بين القرنين الخامس والسادس الهجريين في مدينة إشبيلية خلال فترة ملوك الطوائف. وعلى الرغم من القيمة العلمية الكبيرة للكتاب، فإنه لم يُذكر في كتب التراجم الأندلسية، إلا أن ابن العوام الإشبيلي أشار إلى مؤلفه في كتابه "الفلاحة الأندلسية"، حيث استفاد من تجاربه وأعماله، واصفًا إياه بـ"الشيخ الحكيم".
من جانبه، أكد الدكتور أحمد عادل قرني أن كتاب «الفلاحة» يُعد من الكتب الرائدة التي تناولت الزراعة والغراسة في بلاد الأندلس، إذ ركز المؤلف على الحاصلات الزراعية والأشجار الشهيرة بالمنطقة. كما وضع الكتاب دليلًا عمليًا للمزارعين يشرح أساليب الزراعة المثلى، توقيت زراعة النباتات، وكيفية رعايتها من الري إلى التسميد ومكافحة الآفات.
وأضاف قرني أن الكتاب تطرق إلى حلول لإشكالات زراعية شائعة، مثل عدم إثمار الأشجار أو سقوط الثمار قبل نضجها، بالإضافة إلى طرق تخزين المحاصيل وتجهيزها للاستهلاك. كما شمل الكتاب حديثًا عن الحيوانات والطيور المستأنسة، إلى جانب طرق التعامل مع الحيوانات البرية والحشرات الضارة.
وتحدثت الدكتورة آية الجندي عن تجربتها مع تحقيق كتاب «الفلاحة»، مشيرة إلى أن هذه المحاولة هي الأولى لها في التحقيق والنشر النقدي للنصوص التاريخية. وأوضحت أن فكرة العمل على الكتاب بدأت كدراسة لإعادة نشره، نظرًا لحاجة النسخة السابقة الصادرة في فاس عام 1938 إلى مراجعة دقيقة. أثناء البحث، اكتشفت أن النسخة الفاسية ضمّت مخطوطات غير منسوبة إلى أبي الخير الإشبيلي، وأن الناشر لم يوضح مصدر المخطوطات المستخدمة.
وأشارت الجندي إلى أن عملية التحقيق شهدت تحديات كبيرة، منها العثور على نسخة أصلية من المخطوط. وبينما كانت تسعى للحصول عليها من معهد المخطوطات العربية بالقاهرة، اكتشفت بالصدفة وجود نسخة محفوظة في المعهد منذ عام 2012 لكنها لم تُدرج في قاعدة البيانات. وبعد مراجعة النسخة الجديدة، تبين أن النسخة السابقة كانت تفتقر إلى فصل كامل يتحدث عن الحيوانات، ما استدعى العمل على تحقيق جديد شامل للنص.
وأوضحت الجندي أن المشروع تطلب تعاونًا مكثفًا بين الباحثين، حيث تلقت دعمًا من الدكتور أسامة السعدوني والدكتور محمد الشوربجي، الذي وفر نسخًا إضافية من المخطوطات الأصلية التي اعتمدت عليها المحققة الإسبانية. وبعد مقارنة المخطوطات وإجراء إضافات جديدة، اكتمل تحقيق الكتاب وتم تسليمه للمراجعة والطباعة في يناير 2023.
وفي ختام الندوة، أعرب الحاضرون عن تقديرهم للجهود المبذولة في إعادة إحياء هذا العمل التراثي المهم، الذي يُبرز إسهامات الأندلسيين في العلوم الزراعية، ويُعد إضافة قيّمة للمكتبة العربية والتراث الحضاري.