رحلة فريدة بين دروب الظلم والجحود، كانت القصة بلا شك البطل الحقيقي لهذا العمل السينمائي الذي يحمل رسالتين غاية في الأهمية الأولى والأهم أن باب الله أساس السعادة والنجاة، والثاني أن كل منا مسؤول عن حصاد نتاج أعماله "هتزرع ورد هتحصد فل هتزرع كراهية هتجني حنضل".
تحمل القصة في طياتها محاولة جريئة من محمد سعد للابتعاد عن أدواره النمطية التي طالما ارتبط بها، إلا أنه لم يستطع بشكل كامل الخلاص من ظلال شخصية رياض المنفلوطي التي ظهرت بشكل خافت في بعض المشاهد.
أما باسم سمرة فقد قدم أداء جيدا لكنه لم يخرج من عباءة شخصية عيسى الوزان التي قدمها في مسلسل العتاولة، وكأنه يخشى التجديد، بالرغم من إنه ممثل من العيار الثقيل إلا إنه حصر نفسه في نوعية أدوار مكررة، في المقابل أبدع الفنان خالد الصاوي في أداء دور الطبيب عديم الضمير، استطاع إقناع المشاهدين منذ لحظة ظهوره الأولى، بالرغم أيضا من بعض التشابه مع شخصية الطبيب النفسي التي سبق وقدمها في فيلم كده رضا.
ومن بين إبداع التمثيل وصراع الشخصيات كانت نسرين إمام إحدى النقاط المضيئة في العمل تجسيدها للشخصية جاء بإبداع خال من التكلف جعلها قريبة إلى قلوب المشاهدين، أما زينة فرغم قلة مشاهدها إلا أنها أضفت بخفة ظلها روحا مميزة للفيلم.
وعودة للدشاش محمد سعد فقد حمل على عاتقه تحدي خاص، عندما قدم مشهدًا مثيرًا للجدل في أول 20 دقيقة من العمل، وهو مشهد مقارن بشكل مباشر مع مشهد الفنان صلاح عبد الله في فيلم كباريه ولا ننسى تصريحات الأخير بأن سعد ليس لديه جديد ليقدمه، فكان ذلك المشهد والتحدي، بلا شك سعد ممثل خطير ولكن أخذ عليه توظيف بعض الإفيهات في غير أماكنها مما أضعف الأثر الدرامي للمشهد.
الفيلم يضع المشاهد أمام حبكة درامية متدرجة تتطور من البساطة للأكثر تعقيداً ومع ذلك فإن هذا التدرج قد يترك المشاهد في حالة من الملل في بعض اللحظات.
فكرة خداع الشخصية الرئيسية بالمرض ليس جديد فقد تناولتها السينما والدراما بأشكال متعددة، أبرزها فيلم "زهايمر" للنجم عادل إمام ومع ذلك كان هناك تطور واضح في تقديم القصة بحبكة مركبة وأبعاد إنسانية أضافت عمقا إلى العمل.
إسقاطات ورمزية موت الدشاش
كانت أحد أكثر المشاهد تأثيراً فكان عودة بدير للمسجد إعلان موت الدشاش، والذي يعد إسقاطا رمزيا لموت الظلم والجحود.
الموت لم يكن مجرد نهاية للقصة، بل إعلان عن تحول كبير في مفاهيم الانتقام والعدالة، فالدشاش رغم كل الألم والصدمة فكل من حوله لم يلجأ لقتل أي ممن أساؤوا إليه، بل اكتفى باستعادة حقه، في إشارة إلى الجانب الطيب الذي ظل حاضراً بداخله حتى اللحظة الأخيرة.
اللمسات الأخيرة كانت بين التناقض والتأثير مشهد احتضان الدشاش لشقيقته رغم أفعالها، كان ذروة إنسانية في الفيلم إذ يعكس التصالح الداخلي الذي وصل إليه البطل، ومع ذلك أثارت نهاية الفيلم تساؤلات عديدة حول قبول الرقابة لاستعادة البطل للأموال التي قام بتوزيعها بعد اكتشاف مرضه، مما يفتح باب النقاش حول مفهوم المال الحرام والخلاص منه.
والنهاية كانت مليئة بالرسائل
رغم بعض العيوب، استطاع فيلم الدشاش أن يترك بصمة لدى المشاهدين، خاصة من خلال رمزية المشاهد النهائية والرسائل الإنسانية التي حملها العمل، فيلم يدعونا للتأمل في القيم الإنسانية والصراعات الداخلية التي تصوغ ملامح حياتنا، الدشاش ليس مجرد فيلم، بل رحلة نحو إعادة اكتشاف الذات وسط عواصف الظلم والجحود.