في إطار الاحتفاء برموز الثقافة والأدب، شهد الصالون الثقافي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، عقد المحور الثالث "الترجمة وفهم الآخر"، ضمن مؤتمر سليمان العطار، أحد أبرز المترجمين والأكاديميين الذين أسهموا في بناء جسر ثقافي بين العالم العربي والآداب العالمية.
افتتحت الدكتورة نشوى فتحي الندوة بكلمة مؤثرة عبّرت فيها عن حبها وامتنانها لروح الدكتور سليمان العطار، مستذكرة جهوده العظيمة في إثراء المكتبة العربية بترجمات شكلت نافذة جديدة للقارئ العربي.
وأكدت أن العطار لم يكن مجرد مترجم ينقل النصوص، بل كان حاملًا لمشروع ثقافي متكامل، يسعى لتعريف القارئ العربي بأدب الآخر غير المعروف، ما أسهم في إضاءة عالم لم يكن مألوفًا للكثيرين.
من جانبه، تناول الدكتور خالد سالم، مفهوم الترجمة بوصفها جسرًا للتواصل بين الشعوب، موضحًا أنها ليست مجرد عملية نقل لغوي، بل رحلة فكرية تحترم لغة الآخر وثقافته، وتسهم في تعزيز الحوار الثقافي
واستشهد "سالم" بأهمية الترجمة من خلال لحظة فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، حيث تسابقت دور النشر العالمية على ترجمة أعماله، مما يبرز أن الترجمة ليست مجرد عملية ميكانيكية، بل اختيار مدروس للنصوص الجديرة بأن تُقدَّم إلى العالم.
وأشار إلى أن الترجمة مسؤولية ثقافية كبرى، إذ تتطلب دقة في اختيار النصوص التي تستحق أن تُنقل إلى لغات أخرى، مستعرضًا كيف دفعت أحداث كبرى مثل حرب الخليج المؤسسات الأكاديمية والثقافية إلى الاهتمام بالأدب العربي وترجمته لفهم سياقه الحضاري والثقافي.
وتابع "سالم": لكنه في الوقت ذاته حذّر من خطورة الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي في الترجمة، مؤكدًا أن العنصر الإنساني يظل جوهريًا في فهم النصوص ونقل روحها، وهو ما جسّده العطار طوال مسيرته.
في السياق ذاته، استعرضت الدكتورة زينب عبد الحميد، اللحظات المؤثرة التي جمعتها بالعطار، مشيدةً بـ"دقته اللغوية العميقة وإلمامه الواسع بمختلف مدارس الترجمة".
وأكدت أنه كان من القلائل الذين منحوا طلابهم الثقة في قدراتهم على الترجمة، وكان داعمًا كبيرًا لمسيرتهم الأكاديمية، مشجّعًا إياهم على استكمال دراساتهم العليا بسخاء معرفي ووقتي.
كما سلطت الضوء على دعم العطار للمرأة المثقفة، حيث كان متفهمًا للصعوبات التي قد تواجهها في المجال الأكاديمي والثقافي، فكان يشجعها على المضي قدمًا بثقة وثبات.
وأضافت "عبد الحميد" أنه كان يكره الاستطراد والتكرار، مفضلًا التكثيف والوضوح، وهي سمة انعكست على أعماله، وخصوصًا في كتابه الشهير "حضارة الإسلام في إسبانيا"، حيث قدّم المعلومات بطريقة دقيقة بعيدًا عن الحشو والتشويش.
وأشارت إلى أن شخصية العطار، رغم مرحها الظاهر، كانت تحمل في جوهرها بُعدًا صوفيًا عميقًا، انعكس في اختياراته لبعض الكتب التي ترجمها، والتي توافقت مع ميله الروحي العميق.