الإثنين 3 فبراير 2025

مقالات

أعمال كوكب الشرق بين الأصل والتقليد


  • 3-2-2025 | 14:47

كريمان حرك

طباعة
  • كريمان حرك

 أم كلثوم (1908 - 1975) والذى يحتفل العالم بمرور خمسين عاما على رحيلها وليس فى مصر وحدها وإنما فى الوطن العربى والجاليات العربية فى أوربا والدليل دعوة مسرح فيلهارمونى دى باريس لدار الأوبرا المصرية لتشارك بليلة كلثومية فى عاصمة النور يحييها المطربتان رحاب عمر وإيمان عبدالغنى بمصاحبة فرقة موسيقية يقودها المايسترو علاء عبدالسلام يوم 2 فبراير 2025، وهذا الحدث يجعلنا نلقى الضوء على محاولة إعادة غناء أغانى كوكب الشرق بأصوات أخرى وقد كانت هذه الألحان سبباً فى شهرة هؤلاء.

وهذه المحاولة من أداء ألحان سبق أن شدت بها أم كلثوم.. مرت بمراحل حيث ظلت أم كلثوم متربعة على عرش الغناء ولم يجرؤ أحد على ترديد أعمالها ومحاولة تقليدها فكانت التاج المتوج لأكثر من نصف قرن على هذا العرش وبعد وفاتها عام 1975 وبالرغم من تأسيس فرق لاكتشاف التراث كان هناك ممنوع الاقتراب لتقليد أم كلثوم حيث عاش صوتها فى وجدان كل العرب ولكن كانت أول خطوة جريئة فى إعادة غناء أغانى أم كلثوم بأصوات أخرى بدأ بشجاعة من المايسترو حسين جنيد(1918-1990) فى ثمانينيات القرن الماضى الذى اكتشف سوزان عطية وجعلها تغنى الأعمال الصعبة لكوكب الشرق والتى مضى على إنتاجها فى حينها خمسون عاما فأصبحت من التراث..

غنت سوزان وأجادت فى أغنية "الأهات" و"يا ظالمنى"، وغيرها وفى عام 1993 غنت "الأطلال" فى دار الأوبرا فى الدورة الثانية لمهرجان الموسيقى العربية ومن هنا بدأ تقليد أغانى كوكب الشرق فى فرق الموسيقى العربية التراثية.. وأصبح هناك نجوما اشتهروا بأداء ألحان كوكب الشرق مثل فاطمة الجناينى وعزة نصر فى فرقة الموسيقى العربية التى تم تسميتها باسم مؤسسها عبدالحليم نويرة (1916-1985) ورغم أن فترة الستينيات وأوائل السبعينيات اتجهت كوكب الشرق لأغانى معاصرة تناسب إمكانات صوتها فى هذه المرحلة العمرية مثل "أنت عمرى" و"سيرة الحب" و"إنت الحب" و"ألف ليلة وليلة" وابتعدت بعض الشىء عن غناء الأغانى الطويلة والقصائد حتى فاجئت الناس برائعة السنباطى قصيدة "الأطلال" عام 1965 وأيضا جاءت بأسلوب حديث بعيد عن ترديد الآهاات وكاد الجمهور أن ينسى تراث أم كلثوم لولا أنه ظهرت موجة على الإذاعة المصرية تقدم أغانى كوكب الشرق وأطلق عليها المستمعون إذاعة أم كلثوم ومن هنا تعرف الجمهور وخاصة الشباب فى هذا التوقيت على روائع تراث أم كلثوم مثل أغانى "هلت ليالى القمر" و"أغار من نسمة الجنوب" و"الآهات" و"يالى كان يشجيك أنينى" و"الحلم".. وغيرها من الألحان العظيمة التى كانت توقفت أم كلثوم عن غنائها فى الحفلات العامة مما جعل جمهور فرقة معهد الموسيقى العربية التى تم تسميتها باسم فرقة أم كلثوم يتقبل هذا النوع من الغناء ويتذوقه وكانت رتيبة الحفنى (1931-2013) تقدم برنامجا فى التليفزيون تخصص فى أعمال التراث الموسيقى والغنائى وتعتمد فيه على حفلات نويرة وجنيد وكانت تحرص عل تقديم سوزان عطية مما جعل المشاهدين فى كل أنحاء البلاد يتعرف على تراث أم كلثوم من خلال إذاعة أم كلثوم من ناحية وصوت سوزان عطية من ناحية أخرى..

بعد افتتاح دار الأوبرا عام 1988 وانتقال فرقة الموسيقى العربية إليها.. كما أيضا أسست رتيبة الحفنى الفرقة القومية للموسيقى العربية يقيادة المايسترو سليم سحاب وكان فى البداية مثل الفرق الأخرى يقدم الصيغ القديمة التى كانت تغنيها أم كلثوم وكان يقوم بتقديم أغانى عن طريق المجموعة بتوزيع متميز وللأسف هذه الأعمال لم تعد تقدم الآن من هذه الأغانى "الحلم" و"أنا فى انتظارك" و"ما دام تحب بتنكر ليه" و"الورد جميل"، ثم بدأ البحث عن الأصوات التى تصلح لأداء أغانى أم كلثوم وتدريبها فكانت ريهام عبدالحكيم التى دربها الفنان عمار الشريعى فى مسلسل أم كلثوم وكانت تلعب دور أم كلثوم فى الصغر، وقبلها تم اكتشاف آمال ماهر التى تمتلك خامة صوتية قادرة على غناء التراث..

وفى إحدى دورات مهرجان الموسيقى العربية اعتذرت آمال ماهر فجأة يوم الحفل فقدمت رتيبة الحفنى ريهام عبدالحكيم التى نجحت نجاحا كبيرا ولتشتهر بعد ذلك بأغانى كوكب الشرق من نفس الجيل ظهرت مى فاروق للتفوق فى أداء الأغانى والقصائد ولمع نجمها فى مهرجانات الموسيقى العربية ولكن التلميذة النجيبة للمايسترو سليم سحاب كانت ريم كمال التى تقريبا جعلها تؤدى معظم أغانى وقصائد كوكب الشرق وأصبح لديها ريبرتوار كبير وكونت فرقتها الخاصة "روائع النغم" واستطاعت أن تضيف لريبرتوارها أغانى أخرى لكوكب الشرق ومن الأصوات التى غنت أيضا لكوكب الشرق نهاد فتحى وعفاف رضا وغادة ادم وآيات فاروق..

وبعد افتتاح مسرح معهد الموسيقى العربية وتكوين فرقة التراث بقيادة المايسترو فاروق البابلى بدأت تظهر أصوات تغنى تراث كوكب الشرق القديم مثل ولاء رميح.. ثم بدأت تظهر على هذا المسرح سلسلة (كلثوميات) وهي نوع من الحفلات ابتكرها المايسترو صلاح غباشي قائد فرقة عبدالحليم نويرة يقدم من خلالها صوتين فقط يؤدى كل صوت اثنتين من أغاني أم كلثوم وذلك بمصاحبة تخت موسيقى يتكون من حوالى خمسة عشر عازفاً، وهنا ظهرت رحاب عمر، ومروة ناجى، وعدد من نجمات فرقة نويرة..

وأحيانا كان يستعين بمطربات من الفرق الأخرى القومية والتراث والإسكندرية، وأما فرقة إسكندرية للغناء العربى كان هناك صوت تخصص فى أم كلثوم وما زالت حتى الآن مروة حمدى، ولكن أيضا كانت تغنى أغانى الستينيات والسبعينيات ثم اهتمت الأوبرا بعد ذلك بالبحث عن أصوات لغناء أغانى أم كلثوم حيث تلقى إقبالا جماهيريا منهم رحاب مطاوع وياسمين على وحسناء وإيمان عبدالغنى، وتعد الأخيرة أقلهم فى الرصيد الفنى حيث لم تغنى سوى "عودت عينك" وبعض أغانى متدوالة ومن ناحية أخرى حرص نجوم الغناء مدحت صالح ومحمد الحلو ومحمد ثروت وأحمد إبراهيم أن يؤدوا مقاطع من أغانى كوكب الشرق فى حفلاتهم بمهرجان الموسيقى العربية ضمن أغانيهم من التراث ولكن أيضا كان يتم اختيار مقاطع من الألحان الحديثة نوعا ما..

ولكن ظهور الفرق المستقلة على الساحة الغنائية والتى كونها نجوم فرق الموسيقى العربية بالأوبرا بدأوا يؤدون أغانى لكوكب الشرق لم يكن يتاح لهم أدائها فى إطار الفرق الكبيرة وكانت أول هؤلاء الفنانة أحلام أحمد من فرقة التراث التى كانت تحرص فى حفلاتها الخاصة على أداء أغانى كوكب الشرق ولأن أم كلثوم كانت نجمة فى الوطن العربى والجاليات العربية فى العالم اشتهر من يؤدى أعمالها ومعظمهم تعرفنا عليهم فى حفلات مهرجان الموسيقى العربية منهم حياة الإدريسى وكريمة الصقلى ودلال أبو منة والتى غنت فى يوم وليلة فى المهرحان السادس عشر للمهرجان حيث كانت ضمن فريق أوركسترا لوس أنجلوس..

وبتتبع مسيرة فرق الموسيقى العربية فى دار الأوبرا نجد مى فاروق التى اشتهرت فى حفلات دول الجوار وأيضا ريهام عبدالحكيم والاثنتان يحاولان الخروج من عباءة أم كلثوم وغناء أغانى أخرى ولكن من الملاحظ أنهما يتجنبان الأعمال الصعبة والغير متداولة مما جعل أدائهما ضمن أغانى المنوعات وابتعدوا عن إضافة أعمال غير متدوالة لكوكب الشرق ربما هناك مشاكل فى التدوين أو قادة الفرق لا يريدون اللجوء للصعب كما كان يفعل سليم سحاب وصلاح غباشى والبابلى.. بالنسبة لآمال ماهر تعد من أقدر الأصوات ولكن جمهور الموسيقى العربية الحقيقى تعرف عليها من خلال بعض التسجيلات لأنها أعطت مجهودها خارج البلاد رغم أنها أكثر من يستطيع إعادة غناء أعمال كوكب الشرق الصعبة والتى عدم تداولها يجعلها تدخل فى طى النسيان.. هناك بعض الأصوات الرجالية شدت بأعمال أم كلثوم ولكن ليس هناك تقليد وإنما إحياء للعمل الفنى الكلمة واللحن من الذين تفوقوا محسن فاروق (1961-2017) فى أدائه لقصيدة "سلوا قلبى" وأمجد العطافى فى قصيدة "رباعيات الخيام" ولطفى بوشناق "أنا فى انتظارك" وحاليا من الأصوات التى تغنى تراث أم كلثوم نجم فرقة التراث أحمد محسن..

وأخيرا رغم انتشار من يؤدى بأصواتهم أعمال كوكب الشرق إلا أنه ما زالت أعمالها بصوتها تلقى الإقبال، وتبرع كثير من هواة التراث لجمع أعمالها وتقديمها على منصات التواصل الاجتماعى. لكن هناك حقيقة أيضا أن أغانى كوكب الشرق ومحاولة تقليدها كانت وراء شهرة النجمات اللاتي سبق ذكرهن فى هذا المقال.. ومازال هناك أصوات قادرة تسطيع ولا تجد الفرصة لأن الأمر لا يحتاج مجرد صوت بل قائد فاهم ومحفظ ومدون ورعاية من مؤسسات الدولة..

أخبار الساعة

الاكثر قراءة