ما إن يطرق شهر«أمشير» أبواب الزمن، ويأتينا في فبراير من كل عام الميلادي حتى يثور الكون كأنما استيقظت الرياح من سباتها، وأطلقت زفراتها الباردة تهز الأغصان وتدفع السحب في سباق محموم عبر السماء.
إنه شهر العواصف والزوابع، حيث يتراقص الغبار في الطرقات كراقص هائج، وتصفع الرياح الأبواب والنوافذ كأنها غاضبة على العالم بأسره، وفي «أمشير»، تتبدل الأحوال بين دفءٍ خادع يليه بردٌ قارس، وكأن الطبيعة تلهو بالبشر، تغريهم بشمس وديعة، ثم تفاجئهم برياح عاتية تهبّ بلا رحمة.
إنه الشهر الذي تتحدث عنه الأمثال الشعبية قائلة «أمشير أبو الزعابيب الكتير»!، فكل شيء فيه يتغير بين لحظة وأخرى، ليذكرنا بأن الفصول لا تأتي إلا وفق أهواء الطبيعة، لا وفق توقعات البشر.
وهكذا هو أمشير، ثائرٌ لا يهدأ، يعلن بزوابعه أن الشتاء لم ينتهِ بعد، وأن الربيع لا يزال بعيدًا في الأفق، فيا ليتنا نأخذ العبرة من تقلباته، فلا نطمئن لسكونٍ قد يعقبه عاصفة.
موعد شهر أمشير
وشهر أمشير، السادس بالتقويم القبطي ومن شهور الزراعة، يتميز بتاريخه وتراثه العريق في التقويم الشمسي الذي يستمد جذوره من تقويم المصريين القدماء الذي يضم 13 شهرًا، وها قد أتي شهر أمشير هذا العام حيث بدأ يوم السبت، الموافق 8 فبراير 2025، ليكون اليوم الاثنين يوافق 3 أمشير لسنة 1741 قبطي، وينتهي في 9 مارس المقبل لعامنا 2025.
أصل التسمية والعلاقة بالإله مخير
سمي شهر أمشير بذلك لأنه يرتبط بالإله «مخير»، الذي كان يُعتقد في القديم أنه المسؤول عن الزوابع الجوية ويعني الرياح المحملة بالأتربة، ومن هنا جاءت السمعة المميزة التي اكتسبها الشهر بكونه مرتبطًا بعنفوان الرياح وتغيرات الطقس المفاجئة.
المسميات والألقاب
يُعرف شهر أمشير أيضا بمسميات أخرى تعكس حالته الجوية وارتباطه بالحرارة، فهو يُطلق عليه:
- شهر النار أو الحرارة الكبيرة: وذلك باعتباره وقت نزول الشمس وقربها من ذروتها، مما يزيد من درجات الحرارة.
- و يعرف باسم «شراشر» و«عشرة العجوزة»، في إشارة إلى خصائصه وتغيراته المناخية.
الأمثال الشعبية عن شهر أمشير
لقد أُرسخت أمثالنا الشعبية عن هذا الشهر تعكس تجارب الناس مع تقلباته الجوية القاسية، ومنها:
- «الاسم طوبة والفعل لأمشير»
- «أمشير أبو الزعابيب يخلي العجوزة تقيد الحصير»
- «أمشير أبو الزعابيب الكتير»
- «أمشير يفصص الجسم نسير نسير»
- «إذا هل أمشير إعجن من البير»
- «أمشير أبو الزعابيب الكتير ياخد العجوزة ويطير»
- « أمشير يقول للزرع سير سير بلا تعسير»
- «أمشير يخلى الزرع يسير والصغير يحصل الكبير »
- «أمشير أبو الزعابير الكتير ، ياخد الهدمة ويطير»
- أمشير يقول لبرمهات عشرة منى خد، وعشرة منك هات»
- « أمشير أبو الزعابير الكتير أبو الطبل الكبير»
وتُعبّر هذه الأمثال عن كيفية تعامل الناس مع الرياح العاصفة والزوابع التي تميز هذا الشهر، وتُظهر جانباً من حكمة الشعوب في وصف الظواهر الطبيعية.
التقلبات الجوية ولقب الشهر
يتميز شهر أمشير بتقلبات جوية شديدة وهبوب رياح عاصفة تحمل معها الكثير من الغبار والأتربة، مما أكسبه لقب «شهر الرياح والزعابيب»، وهذا التبدل المستمر بين دفء الشمس وقسوة الرياح يضفي عليه طابعا فريدا من حيث الأجواء والتحديات المناخية، ما جعله يحتل مكانة خاصة في الذاكرة الشعبية والتراث القبطي.
وبهذه التفاصيل، يظهر شهر أمشير كموسم غني بتاريخ وتراث متداخل بين المعتقدات القديمة والحقائق المناخية، مما يجعله فصلًا من فصول السنة يستحق التأمل والتقدير لما يحمله من تأثير على الزراعة والحياة اليومية.