جائزة «نوبل»، هي أشهر الجوائز العالمية في حقول الإبداع والخلق والابتكار المتنوعة، وعقب نيل الجائزة للفائزين بها يتعرف عليهم العالم أكثر و يحظون بشهرة واسعة عبر قارات العالم كله، مما يدفع بنا للبحث عن رحلتهم ومسيرتهم، وإسهاماتهم للبشرية وتنميتها وتطورها.
ومع قسم الثقافة، على صفحات بوابة «دار الهلال»، نحتفي معًا بحاصدي جائزة نوبل في الآداب لنسطر بعضًا من تاريخ إبداعاتهم ورحلتهم، من عقود كثيرة منذ بداية القرن العشرين، منح الجائزة لأول مرة في عام 1901 في فروع الكيمياء والأدب والسلام والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب.
ونلتقى اليوم مع الشاعر السويدي .. هاري مارتنسون
ولد الشاعر والكاتب هاري مارتنسون في 6 مايو 1904 في مدينة صغيرة بمقاطعة «Jämshög» جنوب شرقي السويد، وعاش طفولة بائسة بعد وفاة والده في 1910، حيث اضطرت أمه للرحيل إلى كاليفورنيا الولايات المتحدة بحثا عن الثروة فتركت أبناءها خلفها وكأنها نسيتهم تمامًا، عاش الطفل «هاري» مقيمًا في ملجأ للعواجيز، هو وأشقاؤه؛ فقد أدخلوا الأبرشية لتتولى رعايتهم مثل أشباههم من الأطفال اليتامى والمشردين.
معاناة في العمل ومع السلطات
وعرف «مارتنسون» في سن مبكرة العمل الشاق، حيث عمل بعد نهاية الحرب العالمية الأولى في باخرة تجارية ، ثم في عدد من السـفن عاملًا في إيقاد النار بالمحركات ، وذلك بين عامي 1920: 1927م، فأصيب على إثرها بالسل مما اضطره الى ترك حياة البحر، و بدأ بعدها بنشر قصائده في الصحف.
وعانى من المتاعب مع السلطات، وحاول أن يعثر دوما على أمه التي هجرته وهو صغير السن فسافر كثيرًا وعرف العالم المتسع أمامه والتشرد والضياع وعند عودته الى السويد في عام 1929 كان قد تأهل كي يكون كاتبًا وتزوج من امرأة تكبره سنا لكنهما انفصلا بالطلاق في عام 1940 لأسباب أيديولوجية.
وكان «مارتنسون» مؤلفًا متميزًا وله إسهامات في مجالات أدبية عديدة فكان كاتبا، وشاعرا، وروائيا، وكاتبا للخيال العلمي وينتمي الكاتب السويدي هاري مارتنسون إلى الشعراء أصلًا وليس إلى الروائيين.
ولكنه مع روايتين من صنف «الشوك يزهر» الصادرة عام 1935 « الرحيل» الصادرة عام 1936، يمكن القول أنه روائي من طراز متميز.وامتازت كتابات «مارتنسون» بالحديث عن عالم من الفقراء، ملون بكل ألوان طيوف الفقر والحرمان في عالم تتنازعه الحروب ويموت فيه الناس لأسباب واهية واهنة.
ويرى عدد كبير من النقاد أن مؤلفات «مارتنسون» تنقسم إلى قسمين الأول خاص بالنثر، والثاني خاص بالشعر، وهو في المقام الأول شاعر؛ ففي بداياته الأدبية عام 1929، وفي كتابه «سفينة الشبح» ثم في «خمسة شباب» بدا أن نثره مكتوب كأنه الشعر.
كتابات نثرية
وفي الفترة بين عامي 1932 و 1933 كتب «مارتنسون» كتابين من النثر تحت عنوان «رحلات بلا هدف»، «وداعًا للضجيج» وهو يرى أن السفر، مثلما مارسه بقوة البحار، هو الخروج بالرأس عبر حدود الجغرافيا، ومن أجل الانغماس في الأجساد، «نحن بعيدون عن المغامرات العاطفية وعن «بحار الجنوب»، وكتب رحلات «مارتنسون» تسبح في أماكن مفقودة حيث لا يوجد شيء يمكن رؤيته، وفي أغلب الوقت فإننا لا نطأ فوق الأرض» وذلك مثلما كتب الناقد «بوكيه»، فلم يكن الشاعر يبحث عن الأماكن، بل عن البشر.
كان «مارتنسون» شاعرا له وجهة نظره في العالم، وكثيرًا ما كانت هناك منافسة بين الشاعر، والكاتب النثري في داخل «مارتنسون» ، وكان الشاعر يكسب دائمًا، ففي عام 1934 نشر ديوانه «طبيعة» وفيه حاول أن يقبض بيديه على الطبيعة.
سيرة ذاتية .. رحلة أليمة
سجل «مارتنسون» سيرته الذاتية في عام 1936م تحت عنوان «رحيل» والتي تعتبر من أجمل ما كتب في السير الذاتية، حيث تحدث عن رحيل أمه، والآلام التي تراكمت على ابنها الصغير تبعًا لتلك الفعلة، ويتضمن الكتاب مشاهد مؤثرة منها دخول هاري إلى ملجأ العواجيز لأول مرة؛ ثم يتحدث عن مرحلة النضج وممارسته للعديد من المهن الأعمال، وانتهائه بالوصول إلى البحر، كي يركب إحدى السفن التي ستقله إلى الولايات المتحدة من أجل البحث عن أمه.
صور شاعرنا بصدق وأمانة طفولته القاسـية هذه في كتابيه البيوغرافيين «زهرة الشوك» 1935م و«الطريق إلى الخارج» 1936م اللذين يختلفان عن نتاجه الشعري الدافئ ذي النبرة العميقة المنشور في نفـس الفترة الزمنية.
سبب جائزة نوبل
وفي عام 1949 اختير «مارتنسون» عضوًا بأكاديمية ستكهولم، ونال جائزة دبلوج عام 1954 والتحق بالعمل في سفينة يجوب أنحاء العالم وزار بلادًا منها البرازيل والهند.حصل «مارتنسون» على نوبل للآداب عام 1974«للكتابات التي تلتقط الندى وتعكس الكون» وجاء ذلك بالمشاركة مع الكاتب والروائي السويدي «إيفند جونسون»، وأثار اختيارهما ومعًا للجائزة حينذاك جدلًا كبيرًا، خاصة وأنهما كانا عضوين فى الأكاديمية السويدية، وفي لجنة اختيار جائزة نوبل.
رحيل أليم لـ هاري مارتنسون
ورحل عن عالمنا الشاعر هاري مارتنسون عن عمر يناهز 73 سنة في ستوكهولم في مثل هذا اليوم 11 فبراير 1978م، حيث أنهى حياته بالانتحار في مستشفى جامعة كارولينسكا فى ستوكهولم عن طريق قطع معدته، لحساسيته بعد التعليقات والنقد بعدما حصل على جائزة نوبل للآداب.