تتعامل مصر مع القضية الفلسطينية بناءً على ثوابت راسخة لا يمكن أن تتزحزح عنها، فهي من خلال حفاظها على حقوق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه، تحمي كذلك أمنها القومي، الذي يرتبط بشكل وثيق بالاستقرار في تلك المنطقة، حتى يتسنى إقامة دولتهم على حدود الرابع من يونيو 1967.
ويتسم الموقف المصري الداعم للقضية الفلسطينية والرافض لتهجير الشعب الفلسطيني بالوضوح التام، حيث يتجلى ذلك من خلال اللقاءات الأخيرة التي عقدها وزير الخارجية بالخارج، بما في ذلك "واشنطن"، حيث تم التركيز على أهمية إيجاد حل لهذه القضية بناءً على مبادئ الشرعية الدولية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة في إطار رؤية حل الدولتين، بحسب ما يذكره السفير عزت سعد، مدير المجلس المصري للشؤون الخارجية.
وأوضح السفير عزت سعد، في حديث لـ"دار الهلال"، أن الموقف المصري الداعم للقضية الفلسطينية ليس وليد الأزمة الراهنة، بل يعود إلى سنوات عديدة قبل عملية طوفان الأقصى، حيث كان موقف مصر المساند للشعب الفلسطيني واضحًا، إذ تجلى ذلك في إطار الأمم المتحدة، وكذلك في علاقاتنا مع المجتمع الدولي بأكمله، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي غضون ذلك، يقول سعد، إنه لا يوجد أحد قادر على ثني مصر عن موقفها الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه، لأن هذا هو موقفها المبدئي الذي ينطلق من أمنها القومي ومصالحها العليا، وبالتالي، لن يتأثر هذا الموقف بأي تهديدات أو تحذيرات من أي طرف.
وشدد على ضرورة حشد الموقف العربي الداعم للقضية الفلسطينية في هذا الإطار، وذلك لأن مبادرة "الأرض مقابل السلام"، التي طرحت في عام 2002، هي مبادرة عربية من جهة، ومن جهة أخرى، من المهم أن تكون هناك وحدة عربية، لأننا نمر بمرحلة مفصلية.
وفي الوقت نفسه، هذه الوحدة ضرورية - وفق السفير عزت سعد - لمواجهة الدعوات "المغرضة" التي تزعم أن هناك بعض الدول العربية مستعدة لاستقبال الفلسطينيين على أرضها، حيث من شأن ذلك أن يدحض تلك الأكاذيب.
تحركات نحو إعادة الإعمار
انطلاقًا مما سبق، تمضي مصر قدمًا نحو صياغة تصور شامل بشأن إعادة إعمار قطاع غزة، يرتكز بدرجة أولى على مبدأ "إعمار دون التهجير"، بما يقطع الطريق على مخططات التهجير الإسرائيلية الأمريكية، تحت ذريعة أن القطاع غير مؤهل للعيش "الآدمي".
هذا التصور، قبل أن يرى النور، رأينا تحركاته عمليًا، حيث بدأ اليوم الثلاثاء دخول معدات إعادة الإعمار إلى القطاع عبر الجانب المصري من معبر رفح، وهو ما يعكس العديد من الدلالات.
وعن هذه الدلالات، يقول اللواء أركان حرب دكتور سمير فرج، الخبير الاستراتيجي، إن مصر بدأت تحركاتها فعليًا لإعادة إعمار قطاع غزة، والشعب الفلسطيني موجود فيه دون مغادرته، وهذا يغلق الطريق على التهجير الذي يدعو إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بحجة أن التعمير لا يحصل إلا بالتهجير.
وأضاف "فرج"، في حديث لـ"دار الهلال"، أن هذه التحركات تعطي دفعة للتصور المصري بشأن إعادة إعمار قطاع غزة، بمعنى أن مصر تقول من خلال ذلك إنها على أتم جاهزية لتنفيذ تصورها في هذا الصدد.
ويؤكد الخبير الاستراتيجي على أهمية أن تحظى التحركات المصرية تجاه إعادة إعمار القطاع الفلسطيني بدعم عربي، حتى لا نتحرك بمفردنا، فضلًا عن أن ذلك يدعمنا أمام الولايات المتحدة، موضحًا أن وجود إجماع عربي في هذا الإطار من شأنه أن يثني "واشنطن" عن إثارة طرح التهجير مرة أخرى.
وإضافة إلى ذلك، فإن إعادة الإعمار تتطلب كلفة عالية، حيث من المفترض أن يتم حشد الدعم العربي نحو ذلك، وفقًا لـ"فرج".
وثمن فرج التحركات المصرية من جميع الجهات السياسية في ملف إعادة إعمار قطاع غزة، حيث إن ذلك يأتي بدرجة أولى ضد طرح التهجير الذي تدعو إليه الولايات المتحدة.
من جانبه، أشاد هشام عبد العزيز، رئيس حزب الإصلاح والنهضة، بالتحرك المصري الذي بدأ اليوم بإدخال معدات إعادة الإعمار إلى قطاع غزة، مؤكدًا في تصريحات لـ"دار الهلال"، أن هذه الخطوة تمثل مرحلة جديدة في جهود دعم الشعب الفلسطيني، وتعكس التزام مصر الثابت بمساندة الفلسطينيين دون أي شروط أو مساومات.
وأضاف عبد العزيز: "هذه الخطوة ليست فقط دعمًا إنسانيًا، بل رسالة واضحة بأن مصر ملتزمة بجهود إعادة إعمار غزة، وتعمل بكل قوة لضمان عودة الحياة الطبيعية لأهالي القطاع بعد الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي".
وأوضح رئيس حزب الإصلاح والنهضة، أن أهمية هذا التحرك المصري تكمن في أنه يؤسس لمرحلة فعلية من إعادة البناء، حيث تُمثل المعدات الثقيلة، مثل اللوادر والكرفانات، ضرورة حيوية لرفع الأنقاض، وترميم البنية التحتية، وإعادة تأهيل المرافق الأساسية التي تضررت بفعل القصف.
وتابع: "هذه الجهود تعكس الدور المصري المحوري في دعم الفلسطينيين على أرضهم، وعدم السماح بأن يكون الدمار وسيلة لفرض تهجير قسري أو تغيير جغرافيا القطاع."
وأكد "عبد العزيز"، أن النقطة التي تكرر مصر تأكيدها، وهي "الإعمار دون تهجير"، تعد أساسًا استراتيجيًا في التعامل مع الأزمة، مشيرًا إلى أن كل محاولات تفريغ غزة من سكانها عبر الضغط الاقتصادي أو العسكري مرفوضة جملةً وتفصيلًا.
وقال: "مصر واضحة في موقفها، فلا يمكن أن يكون الإعمار وسيلة لتمرير أجندات سياسية أو لفرض واقع جديد. الفلسطينيون سيبقون في وطنهم، وستظل الجهود مركزة على إعادة البناء دون المساس بحقوقهم أو هويتهم الوطنية".
وبدوره، أكد عبد العزيز، أن حزب الإصلاح والنهضة يثمن هذه الجهود المصرية، ويدعو المجتمع الدولي إلى دعم عملية إعادة الإعمار، وتحمل مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني.
واختتم: "مصر تتحرك بفاعلية، لكن المسؤولية لا تقع عليها وحدها، بل يجب على الدول المانحة والمؤسسات الدولية أن تساهم في إعادة بناء غزة، وأن تضمن استمرار الدعم للفلسطينيين داخل وطنهم، وليس عبر حلول قسرية أو محاولات تهجير مرفوضة".
في سياق متصل، أكدت مصر دعمها الكامل لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه وتمسكه بحقوقه المشروعة في أرضه ووطنه، وبمبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وشددت على رفضها لأي مساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواءً كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل، وبما يهدد الاستقرار، وينذر بمزيد من امتداد الصراع إلي المنطقة، ويقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها.