أكد مفتي الجمهورية الدكتور نظير عياد، أن الحوار بين طوائف المسلمين لم يكن يومًا أمرًا طارئًا، بل هو فريضة إيمانية وضرورة حياتية، مشيرًا إلى أن الإسلام منذ بزوغه أرسى مبادئ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعل النصيحة سبيلًا للإصلاح، والحوار جسرًا لترسيخ القيم الإسلامية وتعزيز أواصر الأخوة.
أشاد مفتي الجمهورية - في كلمته خلال "مؤتمر الحوار الإسلامي- الإسلامي" المنعقد في مملكة البحرين اليوم الأربعاء ويختتم أعماله غدا - بالدور الريادي الذي يقوم به الملك حمد بن عيسى آل خليفة في دعم قضايا الوحدة الإسلامية، كما ثمّن جهود فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمملكة البحرين عبدالرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة، مؤكدًا أن هذه الجهود تسهم في تعزيز الوحدة الإسلامية وتحصين المجتمعات من خطر الانقسامات والتطرف.
وأوضح المفتي أن الحوار بين المسلمين تحول عبر التاريخ إلى منهج علمي وعملي لتوحيد الأمة، مستشهدًا بمواقف عدة، مثل اجتماع سقيفة بني ساعدة بعد وفاة النبي ﷺ، والمناظرات الفكرية التي جمعت علماء المسلمين على مر العصور، والتي هدفت إلى البحث عن الحقيقة وتقديم نموذج فريد في احترام الرأي الآخر.
وأشار إلى أن الإسلام جاء برسالة قائمة على العدل والتسامح والسلام، مشددا على أن ميزان التفاضل بين البشر في الإسلام ليس العرق أو اللون أو الانتماء، وإنما التقوى والعمل الصالح، مستشهدًا بقوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم."
وحذّر من خطر التعصب الطائفي والتفرقة المذهبية، مشيرًا إلى أن بعض المجتمعات التي كانت آمنة ومزدهرة تحولت إلى ساحات صراع وكراهية بسبب انتشار الطائفية، ما جعلها عرضة للتدخلات الأجنبية تحت شعارات زائفة، مثل حماية الأقليات.
وأوضح أن تصاعد الخطابات الطائفية والمذهبية أدى إلى إضعاف المجتمعات الإسلامية، مؤكدًا أن أمام الأمة فرصة تاريخية لإعادة إحياء قيم الحوار والتآخي، والعمل على إرساء أسس التعايش السلمي والمواطنة المتساوية بين جميع أبناء الأمة.
وشدد مفتي الجمهورية على ضرورة إطلاق مبادرات عملية لتعزيز التقارب بين المذاهب الإسلامية، مقترحًا عدة آليات لتحقيق ذلك، منها، توحيد الجهود بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية العاملة في مجال التقريب بين المذاهب، من خلال إنشاء رابطة موحدة تعزز قيم المواطنة والتفاهم المشترك، بعيدًا عن أي أجندات طائفية.
كما اقترح تعزيز العمل الإنساني المشترك بين الطوائف الإسلامية، عبر محاربة الفقر والجهل والمرض، لتوجيه الطاقات نحو خدمة القضايا الإنسانية بدلًا من الانشغال بالخلافات الفكرية والمذهبية، والاستثمار في الدراما والفنون كأداة لتعزيز الوحدة الإسلامية، من خلال تنظيم مهرجانات ثقافية وفنية مشتركة تجمع الشعراء والمبدعين، لتقديم محتوى هادف يعزز قيم التسامح والتقارب، وتعزيز دور المؤسسات التعليمية في نشر ثقافة التسامح والتعايش، من خلال إدراج مفاهيم الاعتدال والوحدة في المناهج الدراسية، وإطلاق منصة إعلامية موحدة تجمع علماء ومفكرين من مختلف المذاهب الإسلامية لتقديم خطاب متزن يعزز الوحدة الإسلامية، وإطلاق مبادرات شبابية مشتركة تهدف إلى تعزيز التواصل والحوار بين شباب الأمة الإسلامية، من خلال برامج ثقافية ومعسكرات شبابية ومشاريع تنموية تسهم في بناء جيل واعٍ قادر على مواجهة دعاوى التطرف والانقسام.
وأكد المفتي أن وحدة الأمة الإسلامية ليست مجرد شعار، بل هي مقصد شرعي وضرورة استراتيجية لضمان الأمن والاستقرار، مشددًا على أهمية نبذ الفرقة وتعزيز الحوار والتعاون، حتى تظل الأمة الإسلامية قوية وقادرة على مواجهة التحديات المعاصرة.