تُعد قصيدة «أَلَمَّ خَيالٌ مِنكِ يا أُمَّ غالِبِ»، للشاعر أعشى همدان، إحدى أهم القصائد التي عرفها تاريخ الشعر العربي، والتي حفظها العرب، وتناقلوها فيما بينهم
أعشى همدان، شاعر اليمانيين، بالكوفة وفارسهم في عصره، ويعد من شعراء الدولة الأموية، كان أحد الفقهاء القراء، وقال الشعر فعرف به وكان من الغزاة أيام الحجاج.
وتعتبر قصيدة «أَلَمَّ خَيالٌ مِنكِ يا أُمَّ غالِبِ»، من أبرز ما قيل في الشعر العربي، ومن أشهر القصائد، وتحتوي على 34 بيتًا، علاوة على تميز شعر أعشى همدان، بسلاسة الألفاظ وسهولة المعاني وصدق العاطفة كما جاء بالقصيدة.
نص قصيدة «أَلَمَّ خَيالٌ مِنكِ يا أُمَّ غالِبِ»:
أَلَمَّ خَيالٌ مِنكِ يا أُمَّ غالِبِ
فَحُيّيتِ عَنّا مِن حَبيبٍ مُجانِبِ
وَمازِلتِ لي شَجواً وَما زِلتُ مُقصَداً
لِهَمٍّ عَراني مِن فِراقِكَ ناصِبِ
فَما أَنسَ لا أَنسى اِنفتالَكَ في الضُحى
إِلَينا مَعَ البيضِ الوِسامِ الخَراعِبِ
تَراءَت لَنا هَيفاءَ مَهضومَةَ الحَشا
لَطيفَةَ طَيِّ الكَشحِ رَيّا الحَقائِبِ
مُبَتَّلَةً غَرّاءَ رُؤدٌ شَبابُها
كَشَمسِ الضُحى تَنكَلُّ بَينَ السَحائِبِ
فَلَمّا تَغَشّاها السَحابُ وَحَولَهُ
بَدا حاجِبٌ مِنها وَضَنَّت بِحاجِبِ
فَتِلكَ الهَوى وَهيَ الجَوى لِيَ وَالمُني
فَأَحبِب بِها مِن خُلَّةٍ لِم تُصاقِبِ
وَلا يُبعِدِ اللَهُ الشَبابَ وَذِكرَهُ
وَحُبَّ تَصافي المُعصِراتِ الكَواعِبِ
وَيَزدادُ ما اِحبَبتُهُ مِن عِتابِنا
لُعاباً وَسُقياً لِلخَدِينِ المُقارِبِ
فَإِنّي وَإِن لَم أَنسَهُنَّ لَذاكِرٌ
رَزيئَةَ مِخبابٍ كَريمِ المَناصِبِ
تَوَسَّلَ بِالتَقوى إِلى اللَهِ صادِقاً
وَتَقوى إلهي خَيرُ تَكسابِ كاسِبِ
وَخَلّى عَنِ الدُنيا فَلَم يَلتَبِس بِها
وَتابَ إِلى اللَهِ الرَفيعِ المَراتِبِ
تَخَلّى عَن الدُنيا وَقالَ اِطَّرَحتُها
فَلَستُ إِلَيها ما حَييتُ بِآيِبِ
وَما أَنا فيما يُكبِرُ الناسُ فَقدَهُ
وَيَسعى لَهُ الساعونَ فيها بِراغِبِ
فَوَجَّهَهُ نَحوَ الثَوِيَّةِ سائِراً
إِلى اِبنِ زِيادٍ في الجُموعِ الكَباكِبِ
بِقَومٍ هُمُ أَهلُ التَقِيَّةِ وَالنُهى
مَصاليتُ أَنجادٍ سَراةُ مَناحِبِ
مَضوا تارِكي رَأيَ اِبنِ طَلحَةَ حَسبَهُ
وَلَم يَستَجيبوا لِلأَميرِ المُخاطِبِ
فَساروا وَهُم مِن بَينِ مُلتَمِسِ التُقى
وَآخَرَ مِمّا جَرَّ بِالأَمسِ تائِبِ
فَلاقوا بِعَينِ الوَردَةِ الجَيشَ فاصِلاً
إِلَيهِم فَحَسّوهُم بِبيضٍ قَواضِبِ
يَمانِيَّةٍ تُذري الأَكُفَّ وَتارَةً
بِخَيلٍ عِتافٍ مُقرَباتٍ سَلاهِبِ
فَجاءهُمُ جَمعٌ مِن الشامِ بَعدَهُ
جُموعٌ كَمَوجِ البَحرِ مِن كُلِّ جانِبِ
فَما بَرِحوا حَتّى أُبيدَت سَراتُهُم
فَلَم يَنجُ مِنهُم ثَمَّ غَيرُ عَصائِبِ
وَغودِرَ أَهلُ الصَبرِ صَرعَي فَأَصبَحوا
تُعاوِرهُمُ ريحُ الصَّبا وَالجَنائِبِ
فَأَضحى الخُزاعِيُّ الرَئيسُ مُجَدَّلاً
كَأَن لَم يُقاتِلُ مَرَّةً وَيُحارِبِ
وَرَأسُ بَني شَمخٍ وَفارِسُ قَومِهِ
شَنوءَةَ وَالتَيمِيُّ هادي الكتائِبِ
وَعَمرُو بنُ بِشرٍ وَالوَليدُ وَخالِدٌ
وَزَيدُ بنُ بَكرٍ وَالخُلَيسُ بنُ غالِبِ
وَضارَبَ مِن هَمَدانُ كُلُّ مُشَيَّغٍ
إِذا شَدَّ لَم يَنكُل كَريمُ المَكاسِبِ
وَمِن كُلِّ قَومٍ قَد أُصيبَ زَعيمُهُم
وَذو حَسَبٍ في ذِروَةِ المَجدِ ثاقِبِ
أَبَواغَيرَ ضَربٍ يَفلِقُ الهامَ وَقعُهُ
وَطَعنٍ بِأَطرافِ الأَسِنَّةِ صائِبِ
وَإِنَّ سَعيداً يَومَ يَذمُر عامِراً
لأَشجَعُ مِن لَيثٍ بِدُرنا مُواثِبِ
فَيا خَيرَ جَيشٍ لِلعِراقِ وَأَهلِهِ
سُقيتُم رَوايا كُلِّ أَسحَمَ ساكِبِ
فَلا يَبعَدَن فُرسانُنا وَحُماتُنا
إِذا البيضُ أَبدَت عَن خِدامِ الكَواعِبِ
فَإِن يُقتَلوا فَالقَتلُ أَكرَمُ ميتَةٍ
وَكُلُّ فَتىً يَوماً لإِحدى الشَواعِبِ
وَما قُتِلوا حَتّى أَثاروا عِصابَةً
مُحِلّينَ ثَوراً كَاللُيوثِ الضَوارِبِ