واجه كل رسولٍ أرسله الله إلى الأرض العديد من المصاعب والتحديات أثناء تبليغ رسالته، لكن منَّ الله عليهم بمن يساندهم ويخفف عنهم أعباء الدعوة.
وكان لرسول الله محمد ﷺ نصيبٌ من هذه النعمة، إذ أحاط به عدد كبير من الصحابة الكرام الذين آمنوا به، ووقفوا بجانبه، وساهموا في نشر رسالة الإسلام والدفاع عنها.
والصحابة هم كل من آمن بالرسول ﷺ، ورآه، ومات على الإسلام، وقد لازمه بعضهم في أغلب مراحل حياته بعد البعثة، فكانوا عونًا له في تبليغ دعوته.
وخلال شهر رمضان المبارك، تأخذكم بوابة دار الهلال يوميًا في رحلة مع واحد من صحابة رسول الله ﷺ الذين بذلوا جهدهم لنصرة الإسلام وتقوية دعائمه، ونبدأ اليوم 1446هـ بسيرة أبي بكر الصديق، خير الصحابة وأوفاهم للرسول ﷺ.
هو الصحابي الجليل عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر التيمي القرشي المعروف بأبي بكر الصديق، ولد خمسين قبل الهجرة، وهو أول من صدق الرسول من الرجال الأحرار، وأول الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، كما أنه رفيق الرسول محمد وصاحبه في الهجرة النبوية، وصاحب ورفيق حياته، وكان من أحبَّ الناس إليه، ولقبه الرسول بالصديق لكثرة تصديقه إياه.
ولد أبو بكر الصدِيق في مكة سنة 573م ، وذلك بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر، وكان يعد واحدا من أغنياء قريش في الجاهلية، شهد مع النبي جميع مراحل حياته وأزره في تبليغ رسالته، وفي نهاية حياة الرسول عندما مرض مرضه الذي مات فيه، أمر أبو بكر أن يؤم الناس في الصلاة، وبعد وفاة سيدنا محمد يوم الإثنين 12 ربيع الأول سنة 11هـ، تم مبايعة أبو بكر بالخلافة في اليوم نفسه، فبدأ بإدارة شؤون الدولة الإسلامية، وارتد كثير من القبائل العربية عن الإسلام، فخاض حروب الردة حتى أخضع الجزيرة العربية بأكملها تحت الحكم الإسلامي، ولما انتهت حروب الرِّدة، بدأ أبو بكر بتوجيه الجيوش الإسلامية لفتح العراق وبلاد الشَّام، ففتح مُعظم العراق وجزء كبيرًا من أرض الشَّام.
كان أبو بكر يعرف الرسول محمد معرفة جيدة في الجاهلية، فكان يعلم أنه صادق وأمين وكريم الخلق ما يمنعه عن الكذب على الناس، فلما صادف رسول الله بعد سماع أهل قريش يتكلمون عن الرسول وأنه ترك ديانتهم وتعبد الأصنام، سأله أبو بكر فقال: «أحق ما تقول قريش يا محمد؟ مِن تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آبائنا؟»، فقال رسول الله ﷺ: "بلى، إني رسول الله ونبيه، بعثني لأبلغ رسالته وأدعوك إلى الله بالحق، فوالله إنه للحق، أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته"، وقرأ عليه القرآن، فلم يكذبه ولم ينكر، وأسلم وكفر بالأصنام، وبذلك كان أول من أسلم من الرجال الأحرار.
ولم تتوقف مواقفه العظيمة وشجاعته ومساندته للرسول هنا فبعد إسلامه سعى لنشر الدعوة مع الرسول، وبدأ يدعو ممن يثقون فيه ويستمعون إليه، فأسلم على يديه كلا من :الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، فانطلقوا إلى النبي محمد ومعهم أبو بكر، فعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن فآمنوا، ثم جاء بعثمان بن مظعون، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم فأسلموا، كما دعا أبو بكر أسرته وعائلته، فأسلمت بناته أسماء وعائشة، وابنه عبد الله، وزوجته أم رومان، وخادمه عامر بن فهيرة أيضا.
ومن مواقفه العظيمة مع الرسول حينما أُذن للرسول بالهجرة من مكة إلى المدينة المنورة، كان أبو بكر يعبر للرسول عن رغبته فالهجرة معه وأن لا يهاجر بمفرده، وحينما أذن للرسول ذهب له في داره وأخبره أن الله أذن له بالهجرة، فقال له أبو بكر: الصحبة يارسول الله، فأجاب الرسول، الصحبة، وهنا بكى أبو بكر من شدة الفرح، وكان للأل بيت أبو بكر الصديق عونا كبيرا في الهجرة فكان ابنه عبدالله يتقفى الأخبار في النهار ويبلغهم بها فالليل ، أثناء اختبائهم في غار عرف بغار ثور، وابنته أسماء بنت أبي بكر كانت تجلب لهم الطعام والشراب في الغار، وقبل دخولهما الغرار دخل أبو بكر ليؤمن الغار قبل دخول الرسول وحينها لدغ من حيه ولم يظهر ألمه للرسول، ولكن اشتد الألم عليه، حتى سالت الدموع من عينيه فسقطت على وجه رسول الله الذي كان ينام على حجره، وعندها استيقظ الرسول ودعا له وبصق عليها فشفيت بإذن الله.
فكان لأبو بكر العديد من المواقف والأحداث، مع الرسول فقد عاش مع طوال حياته وكان خير رفيق لرسول الله محمد، توفي أبو بكر يوم الإثنين 22 جمادى الآخرة سنة 13هـ، وكان قد بلغ من العمر ستين عاما.