تُعدّ الثقافة الشعبية من المداخل الأساسية لدراسة الشعوب، حيث تعكس الجوانب النفسية والعاطفية في حياة المجتمعات، وتعتبر الأمثال الشعبية أحد أبرز عناصر هذه الثقافة، إذ تمثل حجر الزاوية لفهم الشعوب.
والمثل هو حكمة تتجسد في كلمات مسجوعة أو غير مسجوعة، تنطوي على رمز يحمل نقدًا أو علاجًا لأحد جوانب الحياة المتنوعة. والحكمة في جوهرها قديمة، هي نتاج الروح وثمار تجربتها، تتشكل من نعم الحياة وابتلاءاتها، نادرًا ما تخلو أمة أو قبيلة من قول الحكمة في أمثال تتداولها، وقد تتجاوز هذه الأمثال حدودها إلى أمم أخرى، إذ إن النفوس البشرية، رغم اختلاف درجات تطورها، تشترك في العديد من جوانب الحياة، وقد تتسم هذه الحكمة بالرقي، لتصبح جزءًا من ثقافة الأمة ومعرفتها العميقة، ويعكس ذلك مستوى تطور الأمة ونضوجها.
خلال أيام شهر رمضان المبارك، نعرض معًا مجموعة من الأمثال الشعبية المصرية التي تناولت موضوعات حياتية يومية متنوعة.
واليوم نناقش الأمثال التي تدور حول "خيرًا تعمل شرًا تلقى.. قصة سنمار"
كان النعمان، ملك الحيرة، يرغب في بناء قصر ليس له مثيل ليفتخر به أمام العرب ويفاخر به أمام الفرس، حيث كان ابن سابور، ملك الفرس، سيقيم في هذا القصر لينشأ بين العرب ويتعلم الفروسية، استدعى النعمان المهندس المعماري الروماني المبدع سنمار لتصميم وبناء القصر.
بنى سنمار القصر على مرتفع قريب من الحيرة، حيث تحيط به البساتين الخضراء وتدور المياه حوله بشكل دائري من النهر، عندما انتهى سنمار من بناء القصر، الذي أطلقوا عليه اسم "الخورنق"، كانت الناس تمر به وتعجب من جماله وروعته.
وفي يوم من الأيام، وقف سنمار والنعمان على سطح القصر، فسأله النعمان: "هل هناك قصر مثل هذا القصر؟" فأجاب سنمار: "كلا". ثم سأله النعمان: "هل هناك بنّاء غيرك يستطيع أن يبني مثل هذا القصر؟" فأجاب: "كلا"، ثم أضاف سنمار بفخر: "ألا تعلم، أيها الأمير، أن هذا القصر يرتكز على حجر واحد، وإذا أُزيل هذا الحجر سينهدم القصر؟"، فسأله النعمان: "وهل غيرك يعلم موضع هذا الحجر؟" فأجاب سنمار: "كلا"، عندها أمر النعمان بإلقاء سنمار من فوق سطح القصر، ليموت حتى لا يبني مثله لغيره.
منذ ذلك الوقت، أصبح العرب يستخدمون المثل "هذا جزاء سنمار" للإشارة إلى من يعمل خيرًا ولكنه يتلقى الشر، وهو ما يعبر عنه المثل المصري "خيرًا تعمل شرًا تلقى".
الحكمة.. مرآة الثقافات
تعتبر الحكمة عماد الثقافات الإنسانية، حيث تنقل القيم والتجارب عبر الأجيال، ربما كانت الأمة اليونانية من أبرز الأمم التي أبدعت في مجالات الحكمة، فكانت فلسفتها خالدة، معبرة عن تجليات الروح السامية وعمق الفكر الإنساني.
وعلى الصعيد العربي، ظهرت الحكمة قبل الإسلام كناتج طبيعي لحياة الصحراء وتأملات البدو في الكون، هذه الحكم أُلبست ثوبًا من الشعر العذب والنثر البليغ، فكانت بمثابة مرآة للبساطة والصدق الإنساني.
الحكمة في الإسلام وما بعدها
مع مجيء الإسلام، ارتقت الحكمة لتبلغ ذروتها، متجلية في القرآن الكريم، الذي قدم للناس قوانين دينهم ودنياهم، ازدهرت الحكمة مع الشعراء والكتّاب مثل المتنبي وأبو العلاء المعري، الذين لم يكتفوا بالجمال الأدبي، بل عبروا أيضًا عن فكر فلسفي عميق.
الحكمة في مصر.. فاكهة الشرق
انتقلت الحكمة العربية إلى شمال إفريقيا، وتألقت في مصر بفضل الحس الشعبي الذي أضفى عليها عذوبة وفكاهة، أصبحت الأمثال المصرية مرآة للواقع وجزءًا لا يتجزأ من التراث الشرقي، تشترك فيها مصر مع باقي الأمم العربية مع تميزها بروحها الخاصة.