الأحد 16 مارس 2025

مقالات

الفائض الأولي رقم يستحق التأمل

  • 16-3-2025 | 14:25
طباعة

في كثير من الأحيان يطغى صوت التحذيرات والمخاوف على أي حديث عن الإنجازات والمبشرات حتى ليبدو المشهد وكأنه محصور في دائرة القلق والتشاؤم وهناك من يستفيض في ذكر التحديات والمخاطر لكنه يغفل – عمدا –  الإضاءة على النقاط المضيئة والنجاحات المحققة وبينما لا يمكن إنكار أهمية التحذير من المخاطر والاستعداد لها فإن إغفال المبشرات والإنجازات قد يؤدي إلى صورة مشوهة للواقع لا تعكس حقيقة الجهود المبذولة ولا تمنح المجتمع الدافع اللازم للاستمرار في مسار البناء والتطوير ومن هذه المبشرات تحقيق أعلى فائض أولي تاريخيا خلال الفترة (يوليو - نوفمبر) 2024/2025 حيص يعد نموذجا لهذه النجاحات التي تستحق التوقف عندها ليس فقط للاحتفاء بها بل أيضا لفهم دلالاتها الاقتصادية وأثرها على مستقبل الاستدامة المالية.

وعادة ما يحمل الحديث عن تحقيق فائض أولي شعورا بالتفاؤل والثقة في المسار لما له من أهمية ودلالة فهو  رقم يرصد الفرق بين الإيرادات العامة والمصروفات العامة دون احتساب فوائد الدين وهو مؤشر رئيسي يعكس قدرة الدولة على تحقيق إيرادات كافية لتغطية نفقاتها الأساسية مع تحقيق فائض يمكن استخدامه في تقليل أعباء الدين العام ومن هنا فإن ما أعلنت عنه رئاسة الوزراء من تحقيق فائض أولي بقيمة 170 مليار جنيه خلال الفترة "يوليو – نوفمبر" 2024/2025 وأنه هو الأعلى تاريخيا لنفس الفترة بل قفز قفزة نوعية مقارنة بالفائض المحقق خلال نفس الفترة من العام السابق والذي سجل 60.8 مليار جنيه وهو ما يعني تحقيق فائض أعلى بثلاثة أضعاف وفق رئاسة الوزراء ما يعكس تحسنا في الأداء المالي للحكومة.

لكن هذه الأرقام لا يتوقف معناها عند حد إضفاء الشعور بالتفاؤل فحسب بل يحمل هذا الرقم المحقق من آثار عديدة تحقق تحسين الاستدامة المالية فالفائض الأولي المرتفع يساعد على تخفيض الحاجة إلى الاقتراض لسداد النفقات الجارية مما يعزز استقرار المالية العامة كما يقلل من الضغوط على الموازنة العامة في ما يتعلق بخدمة الدين وكذلك تعزيز ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية حيث يعكس الأداء المالي الإيجابي قدرة الحكومة على تنفيذ سياسات مالية منضبطة ما يعزز ثقة المستثمرين ومن ناحية أخرى قد يسهم في تحسين التصنيف الائتماني لمصر ما ينعكس إيجابا على تكاليف الاقتراض.

على صعيد آخر يسمح هذا الفائض بتمكين الحكومة من زيادة الإنفاق الاستثماري لأن تحقيق فائض أولي مرتفع يوفر مساحة مالية لزيادة الإنفاق على البنية التحتية والمشروعات التنموية دون التأثير سلبا على العجز الكلي كما أن ضبط الإنفاق الحكومي مع تحقيق فائض أولي يساعد في الحد من أي تأثيرات تضخمية ناتجة عن العجز المالي ويعد الفائض مؤشرا على قدرة الحكومة على تقليل الاعتماد على التمويل الخارجي وسداد الالتزامات المالية بموارد ذاتية ورغم تحقيق هذا الفائض القياسي فإن الاستمرار في تحقيق فوائض أولية يستلزم استدامة الإيرادات لا سيما من الضرائب والاستثمارات العامة والحفاظ على التوازن بين تحقيق الفائض وزيادة الإنفاق على الخدمات الأساسية حيث قد يؤدي تشديد الإنفاق الحكومي إلى تباطؤ بعض الأنشطة الاقتصادية.

وفي النهاية يعد الإعلان عن تحقيق أعلى فائض أولي تاريخي خلال نفس الفترة بلا شك أو مجاملة نجاحا للسياسات المالية في زيادة الإيرادات وضبط المصروفات ما يسهم في تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي ومن أجل الحفاظ وزيادته مستقبلا يتطلب مواصلة الإصلاحات الهيكلية لضمان استدامة الإيرادات مع تحقيق توازن بين ضبط المالية العامة وتحفيز النمو الاقتصادي.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة