موقف حاسم أعلنته الدولة المصرية برفض التهجير القسري والطوعي للشعب الفلسطيني من أرضه، منذ اندلاع العدوان على قطاع غزة، في 7 أكتوبر 2023، وعلى مدار الأشهر الماضية مع توالي مقترحات وأطروحات التهجير التي أعلنتها أطراف إسرائيلية وأمريكية.
وفي بيان لها، أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات عن إعادة تأكيد مصر على موقفها الثابت والمبدئي، بالرفض القاطع والنهائي لأي محاولة لتهجير الأشقاء الفلسطينيين من قطاع غزة، قسرا أو طوعا، لأي مكان خارجها، وخصوصا إلى مصر، لما يمثله هذا من تصفية للقضية الفلسطينية وخطر داهم على الأمن القومي المصري.
وشددت الهيئة على رفض مصر التام لأية مزاعم تتداولها بعض وسائل الإعلام، تتعلق بربط قبول مصر بمحاولات التهجير - المرفوضة قطعيا - بمساعدات اقتصادية يتم ضخها لها، مؤكدة على أن السياسة الخارجية المصرية عموما لم تقم قط على "مقايضة" المصالح المصرية والعربية العليا بأي مقابل، أي كان نوعه.
فيما يتعلق بصفة خاصة بالقضية الفلسطينية، والتي هي جوهر الأمن القومي المصري والعربي، فإن موقف مصر منها لأكثر من ثلاثة أرباع القرن، ظل موقفا مبدئيا راسخا يعلي من اعتبارات هذا الأمن القومي وحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، وهو ما تحملت مصر من جراءه - راضية وصابرة - أعباء اقتصادية ومالية هائلة، لم تدفعها مطلقا في أي لحظة، نحو أي تنازل ولو طفيف في مقتضيات أمنها القومي الخاص وأمن أمتها العربية العام، ولا في حق واحد مشروع للشعب الفلسطيني الشقيق.
وأوضحت أن مصر لم تكتف برفضها القاطع والنهائي لمشروع التهجير المطروح منذ بدء العدوان على غزة، في المسارات السياسية والدبلوماسية، بل أعلنته عاليا وصريحا منذ الساعات الأولى لهذا العدوان على لسان قيادتها السياسية، ملزمة نفسها به أمام شعبها والعالم كله، ومتسقة مع أمنها القومي والمصالح العربية العليا ومحافظة على القضية الفلسطينية، ومؤكدة مبادئ سياستها الخارجية التي تقوم على "الأخلاق" والرفض التام لأن يكون لاعتبارات "المقايضة" أي تأثير عليها.
مختار غباشي: موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية راسخ وثابت
ويقول الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية ، إن الموقف المصري تجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ثابت وراسخ منذ اندلاعه في 7 أكتوبر 2023، حيث أدركت مصر أن الهدف الحقيقي من هذا العدوان هو ممارسة الضغوط لتهجير سكان القطاع، سواء كان ذلك قسريًا أو طوعيًا.
وأوضح في تصريح لبوابة دار الهلال"، أن الولايات المتحدة الأمريكية دعمت إسرائيل في هذا المسعى عبر إنشاء الرصيف البحري، الذي لم يستمر سوى 10 إلى 15 يومًا قبل أن يتم فكه وينتهي، مضيفا أن التطورات الأخيرة، بما في ذلك تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتصعيد من قبل شخصيات متطرفة داخل إسرائيل مثل إيتمار بن غفير، تؤكد إصرار الاحتلال على مشروع التهجير.
ولفت إلى أن الموقف المصري واضح وحاسم في رفض التهجير بكافة أشكاله، سواء كان كليًا أو جزئيًا، سواء إلى مصر أو الأردن أو السعودية أو حتى إلى دول أفريقية مثل أرض الصومال، مؤكدا أن مصر تعتبر هذا المخطط محاولة لتصفية القضية الفلسطينية، وهو ما لن تقبل به تحت أي ظرف.
وأشار غباشي إلى أن إسرائيل استفادت من الهدنة ووقف إطلاق النار في غزة، على مدار الشهرين الماضيين في تحقيق هدفين رئيسيين: أولًا، إخراج عدد من الأسرى سواء أحياءً أو أمواتًا، وثانيًا، مراقبة قادة المقاومة داخل قطاع غزة عن كثب، موضحا أن إسرائيل كانت مترددة في الدخول في المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي كانت تستوجب وقفًا كاملًا لإطلاق النار، وانسحابًا عسكريًا من غزة، وفتح المعابر، وإدخال المساعدات والمعدات الثقيلة.
وأضاف أنها لذلك عملت على تعطيل هذه المرحلة، بمساعدة أمريكية، من خلال طرح بدائل رفضتها المقاومة، واستغل الاحتلال ذلك كذريعة لاستئناف العمليات العسكرية على قطاع غزة، منذ الثلاثاء الماضي واغتيال عدد من قادة المقاومة وعائلاتهم.
وأكد غباشي أن تجدد إطلاق النار وضع الوسطاء، لا سيما مصر وقطر، في موقف محرج، خاصة مع وجود ضمانات مصرية-قطرية بعدم استئناف القتال، موضحا أن إسرائيل كانت تخطط مسبقًا لهذا التصعيد، مستغلة الموقف الدولي والعربي والإقليمي الضعيف.
وشدد على أن مصر تواصل جهودها الدبلوماسية لوقف التصعيد والتوصل إلى تهدئة جديدة، وذلك من خلال التواصل المستمر مع الأطراف الإقليمية والدولية، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في التعنت الإسرائيلي والدعم الأمريكي المطلق لهذا الموقف، وهو ما يزيد من تعقيد الأزمة، موضحا أنه رغم هذه التحديات، تبقى مصر ملتزمة بموقفها الرافض للتهجير والداعية إلى وقف المجازر في أسرع وقت ممكن.
إكرام بدر الدين: مصر لن تغير موقفها
ومن جانبه، أكد الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن موقف مصر الرافض لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة ثابت ومستمر، سواء على مستوى القيادة السياسية أو مؤسسات الدولة، موضحا أن هذا الموقف ليس جديدًا، بل تم الإعلان عنه منذ بداية العدوان على غزة، حيث ترى مصر أن التهجير يمثل خطوة خطيرة نحو تصفية القضية الفلسطينية، عبر إفراغ الأرض من سكانها الفلسطينيين لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف بدر الدين، في تصريح لبوابة دار الهلال، أن مصر ترفض رفضًا قاطعًا أي محاولات للمقايضة على موقفها عبر وعود بمصالح اقتصادية أو مساعدات مالية، مشددًا على أن القاهرة لن تغير موقفها الثابت تحت أي ضغوط، سواء دبلوماسية أو سياسية.
وأشار إلى أن التصريحات الأخيرة لبعض المسؤولين الدوليين، مثل المبعوث الأمريكي للمنطقة، تضمنت مغالطات حول الأوضاع الاقتصادية في مصر، في محاولة للضغط على القاهرة لتغيير موقفها، إلا أن مصر لم ولن تستجيب لهذه المحاولات.
وأوضح أن مصر قدّمت مقترحًا متكاملًا لإعادة إعمار غزة وفق جدول زمني محدد لإعادة إعمار غزة، وبمشاركة أطراف إقليمية ودولية، في إطار التزامها بحل الأزمة ودعم الفلسطينيين، موضحا أن البيان الصادر عن الهيئة العامة للاستعلامات المصرية يأتي في هذا السياق، ليؤكد مجددًا على هذا التوجه الثابت في السياسة الخارجية المصرية.
وحول تطورات التصعيد العسكري في غزة، أوضح الدكتور بدر الدين أن استئناف الحرب من جانب إسرائيل، بدعم أمريكي، يزيد الوضع تعقيدًا، لكنه لا يلغي إمكانية العودة إلى المفاوضات في مرحلة لاحقة، مؤكدا أن مصر ستواصل جهودها كوسيط رئيسي لإنهاء الصراع، كما فعلت في الاتفاقات السابقة، وأنها ستعمل مع الأطراف الإقليمية والدولية لضمان وقف التصعيد، خاصة أن تداعيات الأزمة تتجاوز طرفي النزاع لتؤثر على الاستقرار الإقليمي والدولي.